هذه شذرات من وصية الإمام الحسن العسكري عليه السلام لشيعته في ذكرى استشهاد هذا الإمام العظيم الذي هو الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام .
فقد ورد في وصية الامام أبي محمد الحسن الزكي العسكري عليه السلام لشيعته قوله : ” أوصيكم بتقوى الله والورع في دينكم والاجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الأمانة … فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل: هذا شيعي فيسرني ذلك ” . صدق ولي الله .
هذه الوصية نفسها وردت في المصادر عن الإمام الصادق عليه السلام ؛ ولكن بما أن كل الأئمة عليهم السلام واحد فلا غضاضة من قبولها عن أي أحد منهم عليهم السلام
هذه الوصية ناظرة إلى مضبطة الشيعي الحقيقي عن مدعي التشيع الأجوف من خلال رسم علاقتين اثنين بصفات محددة :
الأولى : العلاقة العامودية : أي العلاقة مع الله المتعال من خلال ثلاث خصال هي :
– الخصلة الأولى : التقوى : وهي جماع وصايا الانبياء والاوصياء جميعا ، فما من نبي ولا من وصي الا واوصى بالتقوى ، اذ انها الشروط المستجمعة للايمان
فالتقوى هي الجامع المشترك عند سائر الانبياء والاوصياء عليهم الصلاة والسلام ، والتقوى مدارها وشعاعها التكاليف الخمسة اي الواجب والمستحب والحرام والمكروه والمباح ؛ وتتفاوت مراتب المتقين بحسب الاستغناء عن الحرام والمكروه والمباح ، وبحسب قوة اداء الواجب والمستحب .
ومن المعلوم بأن الواجب كالصلاة هو مما تعلقت الإرادة الإلهية الجدية به ، وهو محبوب جدا عند الله بحيث لا يسمح بعدم امتثاله ، وهو أيضا فيه مصلحة للإنسان ، فهنا ثلاثة أمور : الاردة الجدية ، والمحبوبية الشديدة ، والمصلحة .
واما الحرام كالغيبة والسرقة والزنا والغناء وغير ذلك فهو أولا قد تعلقت الارادة الالهية الجدية بمنعه ، وثانيا هو مبغوض جدا عند الله المتعال الى درجة معاقبة فاعله ، وهو مما فيه مفسدة ثالثا . ونلاحظ ان الله المتعال يحذرنا بنفسه عن ارتكاب الحرام ويقول : {ويحذركم الله نفسه }. ويقول : {فليحذر الذين يخالفون عن امره} .
الخصلة الثانية : الورع : ويظهر أن التقوى أخص من الورع ؛ فالورع هو ترك كل شاغل عن الله المتعال حتى لو لم يكن فيه إثم ، وفي بعض الاخبار ان الزهد ادنى درجات الورع . وبالعموم فإن الورع يقتضي من صاحبه أن لا يشغله شاغل عن الله المتعال ، وأن انصرف معنى الورع إلى خصوص ترك المحرمات !! وقد ورد أن شخصا يدعي التورع لكنه لا يقول بإمامة الامام الصادق عليه السلام في عصره ؛ وحينما وجه الامام الصادق عليه السلام السؤال الى شقيق مدعي التورع عن حاله ؟ كان جوابه بأن اخي يتورع وبأنه لا يعترف بامامتك ! عندها اعطاه الامام الصادق عليه السلام علامة غيبية تمثلت بإخبار مدعي التورع من قبل اخيه بأن التورع لا يتناسب مع فعل فعله من دون ان يراه احد في مكان ما بمنطقة بلخ !! حيث قام بخيانة صاحبه وفعل جريمة الزنا !! ولما بلغ مدعي التورع علم الامام عليه السلام بما فعله عن طريق السماء شهد للامام الصادق عليه السلام بالامامة !! والخلاصة ان ادعاء التورع لا يتناسب مع الافعال المحرمة .
الخصلة الثالثة : الاجتهاد لله : أي أن تكون كل جهود وطاقات الانسان وكل امكانياته مبذولة لله المتعال ، ومستفرغة الوسع لوجهه الكريم ، وقد ورد في صفات الرسول الاعظم صلى الله عليه واله وسلم وفي صفات امير المؤمنين عليه السلام انهما كانا يأخذان بأشد الامرين على بدنهما ويتركان ارخاهما !! وفي صفات علي عليه السلام – والنبي صلوات الله عليه وسلامه من باب اولى – القوة في الدين !! وفي دعاء كميل :” قَوِّ عَلى خِدْمَتِكَ جَوارِحِي وَاشْدُدْ عَلى العَزِيمَةِ جَوانِحِي “. ولقد بلغت درجة اجتهاد النبي صلوات الله عليه وعلى اله الى حد الاشفاق الالهي عليه حتى خوطب بالقول :{ طه ما انزلنا عليك القران لتشقى }. وفي بعض الاخبار ان مريم عليها السلام قالت لو رجعت الى الدنيا لقمت في ليلة شديدة البرد وصمت في نهار شديد الحر !
الثانية : العلاقة الأفقية : أي مع الناس ، وتتمثل بخصال عديدة في الوصية نقتصر على خصلتين مقرونتين دائما ومتلازمتين : الخصلة الأولى : صدق الحديث : فالصدق هو الإخبار عن الواقع كما هو ، والكذب هو عدم الإخبار عن الواقع كما هو ؛ وبسبب الكذب وبالتالي عدم الصدق وجدنا الانتشار العظيم والهائل للضلالة ؛ انظروا كم من الناس في ظلام الضلالة ومن أهل الحرمان من نور الهداية !! فبسبب الكذب والفرية وعدم الإخبار عن الواقع نجد أن المجاميع البشرية في أطوار العمى والضلالة ، فبسبب الشرك الذي هو أكبر الكذب والافتراء ضل معظم الناس الذين تم اخبارهم كذبا وزورا بأن المسيح عليه السلام ابن الله !! وبسبب الكذب ضل أغلب الناس لأن هناك مجموعة أشخاص اخترعوا كذبا وزورا مجموعة أديان لا صلة لها بالواقع !! وبسبب الكذب والافتراء وعدم الصدق.
تم دس الكثير الكثير من الروايات في كتب المسلمين الأمر الذي أدى إلى سفك الدم الحرام وانتهاك العرض الحرام وسرقة المال الحرام !! ناهيك عن الضلالة والانحراف عن ولاية محمد وال محمد عليهم الصلاة والسلام.
لقد ورد بأن الله المتعال اكثر ما يعذب اللسان من الجوراح ؛ وعندما يسأل لماذا عذبتني اكثر من غيري ؟ يأتيه الجواب : لقد خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الارض ومغاربها ومن جراء ذلك تم سفك الدم الحرام وانتهاك العرض الحرام وسرقة المال الحرام !! وهكذا الاب بسبب كذبة تم غزو العراق وقتل الكثير من الناس ، وبسبب كذبة المحرقة ابتزت اسرائيل الدول وما زالت تبتز وتقتل وتسرق وتغتصب !!! وبسبب كذب شيوخ الفتنة اتى كل شذاذ الافاق والدهيماء الى سورية والعراق ولبنان وأغرقوا البلاد بالدماء والخراب !!
الآن الناس ماذا تريد منك ؟؟ هل تريد صلاتك ؟؟ صومك ! حجك ! تسبيحك ! كلا !! ما تريده منك صدق الحديث !! ان تكون صادقا !! الرسول الاعظم صلى الله عليه واله وسلم بقي اربعين سنة متخشعا متخضعا عابدا زاهدا صابرا امينا صادقا محبا ودودا عطوفا .. الخ . وبعد اربعين سنة من الجهد والجهاد وحسن الخلق ماذا انتزع من ظاهر الدنيا ؟؟ فقط انتزع من اخيار الناس واشرارهم لقب ( الصادق الامين ) . فقط انتزع هذين الوصفين !!! اما نحن فنريد ان ننتزع مليون لقب ومن دون عمل !! من دون خلق حسن !! من دون صدق وامانة !!!
إن الناس لا تتوقع من صلاتك وصومك وحجك وسائر عباداتك الا ان تشكل بمجموعها معاملة حسنة معهم !! تشكل صدقا في الحديث ، واداء للامانة ، وعدم اذية ، ونظافة ، ومحبة ، وبسمة ، وعطف ورحمة ، وتقديم مساعدة !! فالناس لا يضرها ان تكون متدينا متعبدا اذا جلبت لهم متفعة في الصدق والامانة ، ولم تتأثر مصالحهم !! قبل لحظة من اتهامه بالجنون وصفوا النبي صلى الله عليه واله وسلم بالصادق الامين ، وعندما ابلغهم بأنه رسول الله المتعال اتهموه بالجنون لان رسالته تتعارض مع الرياسة والمال والخمور وهنات اخرى !!
الخصلة الثانية : أداء الأمانة : وبنفس معيار صدق الحديث يأتي معيار أداء الأمانة ؛ فإن كنت أمينا فالناس ستتقبلك حتى لو لم تكن عابدا لله المتعال ، وإن لم تكن أمينا فالناس لن يتقبلوك حتى لو كنت عابدا مصليا !! وبالتأكيد الله المتعال لن يتقبله لأن صفة عدم الأمانة تكشف عن أن المتلبس بها ليس عابدا حقيقة !!
وبعد الاتصاف بهذه الخصال وغيرها عاموديا وافقيا ؛ يقول لنا الامام الزكي العسكري عليه السلام : أنتم شيعة !! وبهذا تكون قلوب محمد وال محمد عليهم الصلاة والسلام مسرورة منا !! فقد قال الإمام الزكي عليه السلام : ” فإن الرجل منكم اذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل : هذا شيعي ، فيسرني ذلك ” . والرجل هنا للغالبية وليس للحصر بالرجال فيشمل الخطاب الذكور والإناث !