السيدة الزهراء (ع) الأسوة والقدوة ح ٢
مفردات من المنهج التربوي الفاطمي
أولاً: المعية في أجواء العبادة:
اصطحاب الأولاد في مراسيم العبادة، وتقديم القدوة لهم في أجواء المحراب والدعاء والمناجاة والتسبيح والتهجد وتلاوة القرآن الكريم من المناهج التربوية المهمة التي تبني الشخصية الإيمانية عند الأولاد. وترسخ فيهم معاني التوجه الدائم لله تعالى.
وهذا ما ركزت عليه السيدة الزهراء (عليها السلام) أن يكون أولادها في معيتها دائماً. وهي في أجواء الانقطاع إلى الله تعالى، بل وتطرح أمامهم اجتماعية المحراب في البعد الإنساني حينما تدعو وتذكر ذويها وجيرانها في حوائجهم وهمومهم.
فقد روي عن الإمام الحسن (ع) أن والدته أجلسته إلى جانبها وهي غارقة بالتضرع إلى الله سبحانه تعالى من أول الليل إلى طلوع الفجر، آخذة بالدعاء لكل الناس الآقرب فالآقرب من حيث الجيرة ولكن لم تشمل بدعائها أولادها ولا نفسها، مما أثار في الإمام الحسن (ع) السؤال في السر وراء ذلك، فأجابته بنظرة ملؤها العطف والحنان (يابني الجار ثم الدار). البحار ، المجلسي، ج٤٣، ص٨٢
ثانياً: الأولوية في التربية للوالدين: من الأمور المهمة التي يجب أن يلتفت إليها داخل الأسرة هي أن الوالدين لهما الأولوية في التربية والتوجيه والإرشاد والمتابعة دون غيرهم من الأقربين من الأرحام. وهذا لا يقلل من أهمية دور المحيطين بالأولاد من أجدادهم وعمومتهم وخؤولتهم وذويهم. بل فقط ليؤكد الأولوية والأسبقية للجهة التربوية الأولى والمباشرة للتربية لأنها الأقرب للأولاد نفسياً وروحياً وعاطفياً من جهة. والأصلح اجتماعياً من حيث الإشراف والمتابعة والتقويم والمحاسبة من جهة ثانية. والأخبر بما يصلحهم لقربها منهم من جهة ثالثة، والأرفق بهم دون غيرهم من جهة رابعة.
وهذا ما أكدته السيدة الزهراء (ع) في منهاجها التربوي وهي أنموذج الأم القدوة، حيث كانت تباشر تربية أولادها بنفسها، ولا ترضى أن يتولى ذلك غيرها. عن أنس: أنّ بلالاً أبطأ عن صلاة الصبح، فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله): «ما حبسك ؟» قال: مررت بفاطمة تطحن والصبي يبكي، فقلت لها: إن شئت كفيتك الرحى وكفيتني الصبي ، وإن شئت كفيتكِ الصبي وكفيتني الرحى فقالت: « أنا أرفق بابني منك ». فذاك الذي حبسني، قال (صلى الله عليه وآله): « فرحمتها، رحمك الله ) ذخائر العقبى : 61.
ثالثاً: غرس القيم أثناء اللعب
وذلك من خلال أجواء الترفيه، والتفنن في تقديم الغذاء التربوي في قوالب الحب والعاطفة المتدفقة تجاه الاولاد من خلال ملاعبتهم، وهذا يرشدنا الى نقطة مهمة في برنامجنا الأسري وهي تخصيص مقدار من الوقت للأولاد وصناعة جو من التودد العاطفي والاسترخاء النفسي لهم.
روي أن السيدة البتول (عليها السلام) كانت تلاعب ابنها الإمام الحسن (ع) وتقول:
اشبه أباك ياحسن واخلع عن الحق الرسن
واعبد الها ذام منن ولا توال ذا الأحن
المناقب، ابن شهر آشوب، ج ٣، ص١٥٩
نلحظ أن السيدة فاطمة (عليها السلام) في هذين البيتين عمدت الى تقديم اربعة قيم تربوية لابنها (عليه السلام) وهي تلاعبه:
١_ الشجاعة ( كن كابيك).
٢ _ العبودية لله تعالى ( اعبد الله وحده )
٣ _ الدفاع عن الحق ( واخلع عن الحق ).
٤ _ مقاطعة أهل الأحقاد ( لا توال ذا الاحن )
وليت شعري نحن بأمس الحاجة اليوم الي الالتفات والوعي لغرس هذه المبادئ المثالية في ذهنية اولادنا منذ الصغر.
رابعاً: الخطاب العاطفي في التربية:
إن للحب السيادة في التربية، وهو وعاء نفسي روحي مهم لكل السلوكيات التربوية التي تصدر من القدوة في البيت وهما الوالدان تجاه أولادهم.
وقد كانت سيدة التربية الإسلامية فاطمة الزهراء (ع) رمزاً للحب الأسري وهي تربي أولادها، وهي تعطينا درسا تربويا مهما في شفافية التعامل الأسري، وفق منهج التربية بالحب، وتجنب الأساليب الخشنة والمنفرة التي تشوه العلاقة الودية والعاطفية بين الوالدين وأولادهم.
فهي ترشدنا إلى انتقاء أجمل التعابير وأرق الكلمات في محادثتهم عندما تخاطب أبناءها (يا ثمرة فؤادي، قرة عيني) البحراني الأصفهاني ، عوالم العلوم ج١١، ص٩٣٢
( وروي أن ّ الحسن والحسين كانا يكتبان ذات مرة ، فتحاكما إلى أمهماّ لتحكم بمن خطه أحسن، فكرهت أن تؤذي أحدهما فقالت: سلا أَبَاكُمَا ، وكره الإمام ّ علي ع أن يؤذي أحدهما فقال : سلا جدكما… لكن ُ الرسول صلى الله عليه وآله لم يحكم بينهما ورّد الحكم إلى الزهراء ع ، فما كان منهما ّالا أن قطعت عقدها ونثرت حباته وقالت: أَنْثُرُ بَيْنَكُمَا جَوَاهِرَ هَذِهِ الْقِلَادَةِ فَمَنْ أَخَذَ مِنْهَا أَكْثَرَ فَخَطُّهُ أَحْسنُ ) البحار ، المجلسي، ج43 ،ص 310 .
فكان كل واحد منهما نصيبه كالاخر ، وكل ذلك حرصا منها على مشاعرهما ، فحري ّ بالمربين من آباء وأمهات وغيرهم أن يكونوا مرهفي الحس تجاه أولادهم ، وان يدركوا ان كل موقف يمر في حياتهم يكون له أثر نفسي وتربوي عليهم.
وهنا يتضح أن المنهج التربوي عند أهل البيت (ع) يهدف إلى تشكيل نظام تربوي قيمي رصين قائم على أسس قيمية تربوية علمية صحيحة, وهذا ما تجلى فيما صدر عن السيدة الزهراء (ع) من مفردات تربوية في تربية أولادها في إطار القدوة والأسوة.
وللحديث صلة إن شاء الله تعالى
في الحلقة الثالثة
الشيخ عمار الشتيلي
النجف الأشرف
يوم ولادة السيدة الزهراء
١٤٤٣ هج
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية