《في ذكرى استشهاد زعيمنا ومرجعنا وقائدنا والأب الروحي للمرجعية الحركية الرسالية السيد الشهيد محمد باقر الصدر》
كتب أستاذنا سماحة الشيخ حسن عطوان (حفظه الله وعافاه) مقارنة بين اتجاهين في المرجعية الشيعية:
[في محضر الذكرى .. مرة أخرى]
هناك اتجاهان في الحوزة العلمية المباركة:
-الأول يرى أنَّه لا يجب عليه التدخل في الأوضاع العامة إلّا بقدر الضرورة القصوى، حينما تكون العواصف هوجاء.
بينما الثاني يرى وجوب التصدي لقيادة المجتمع وإبداء الرأي حتى في التفاصيل.
-الأول يرى أنَّه إنْ أقيمت الدولة الإسلامية فحمداً لله على توفيقه.
والثاني يرى وجوب السعي لإقامتها.
-الأول يُنَظِّر أنَّ العالِم كالشجرة يُقصَد ولا يَقصد .
والثاني يرى أنَّ العالِم يُفترَض أنْ يكون كما كان الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( طبيباً دوّاراً بطبه ) .
-الأول: يرى أنَّ الواجب عليه أنْ يقول إنَّ الظلم حرام.
والثاني يرى أنَّ الواجب – مضافاً إلى ذلك – أنْ نقف بوجه الظالم.
-الأول: فيه حفظ للدماء والحوزة والتشيع.
والثاني: في مسيرته تضحيات جسام ودماء حمراء، وعمل وأخطاء!
-والنفوس تميل للمزاج الأول؛ لأنّه يحفظ للناس شيئاً من دنياها مع مشروعية؛ ولذلك كان هذا الاتجاه ولم يزل هو الشائع السائد.
بخلاف الثاني فأنصاره قلة، بقلة المسْتَعِدين للتضحية.
-لا يعني ذلك أنَّ رموز الاتجاه الأول وأتْباعهم يتقصدون حفظ دنياهم فحسب، بل لعل الدليل قد أوصلهم إلى ما يبنون عليه، ولعلهم في ذلك يستندون إلى ركنٍ وثيق.
-بل في نظري القاصر أنَّ كلا الاتجاهين يُكْمل أحدهما الآخر، فهما من تنوع الأدوار ووحدة الهدف.
-كما أنَّ لكلٍ منهما بضاعة يقدّمها بين يديَ الله سبحانه، فكما أنَّ الاتجاه الثاني يقدّم بضاعة التضحيات الجسام، فكثير من كبار الاتجاه الأول يقدّمون بضاعة الصبر أمام إتهام البعض لهم بالتقاعس، في الوقت الذي يرى هؤلاء الأفذاذ أنّهم يؤدون تكليفهم الشرعي في حفظ الحوزة والتشيع.
-ولكنّك وأنت ترى كل تلك التضحيات والدماء والجراح التي يقدمها سادة الاتجاه الثاني لأجل المبدأ، لا يمكنك إلّا أنْ تقف بإزائهم بإجلال كبير؛ لأنَّهم يُقْدمون على ذلك وهم يعلمون جيداً بأنَّ الدنيا لن تمدَّ لهم ذراعيها، وأنَّهم لن يجدوا أنصاراً مستعدين لدفع تلك الضريبة الضخمة إلّا القلة.
وهم مع كل ذلك يواجهون مثل هذا الموت الأحمر بقلوب مطمئنة؛ لأنّهم يرون أنَّ تكليفهم مجابهة الطغاة، مهما كلّف الأمر.
-جهابذة، واضحون، صريحون، أبطال، هم من نحو الرجال الذين يجيدون صناعة الموت الذي لا تكون الحياةُ حياةً إلّا به، مع أنّهم نحريروا العلم والفقاهة أيضاً إنْ جدَّ جدُّهما، بخلاف ما يتّهمون به ويُقال عنهم.
ولكن ..
لا أدري لماذا كلما حاولت أنْ أكون على مسافة واحدة من المنهجين، أجد عواطفي منحازة للمنهج الثاني، مع إنّي أُبَجّل شخوص كلا الاتجاهين .
عظّم الله أجوركم.
[حسن عطوان]