محمد بن علی الرضا بن موسى الکاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علی زین العابدین بن الحسین الشهید بن علی بن ابی طالب صلوات الله و سلامه علیهم أجمعین.
کنیته:
أبو جعفر ( الثانی) والامام محمد الباقر سلام الله علیه هو أبو جعفر الاول .
ألقابه الکریمة:
الجواد، التقی ، الزکی ، المتوکل، القانع، العالِم، المختار، المرتضى، الرضی و باب المراد. وقد عُرف سلام الله علیه بهذا اللقب عند عامّة المسلمین التی آمنت بأنه باب من أبواب الرحمة الالهیة التی یلجأ الیها الملهوفون و ذوو الحاجة لدفع ما ألمّ بهم من مکاره الدهر و فجائع الایام .
اُمُّه:
هی السیدة (سبیکة) و سمّاها الامام الرضا سلام الله علیه (خیزران) ، و کانت من أهل النوبة من قوم ماریة القبطیة ام ابراهیم زوجة رسول الله صلى الله علیه و آله، وکانت من سیّدات نساء المسلمین عفّة و طهارة . وجاء ذکرها فی قول الرسول الاعظم صلى الله علیه و آله: « بأبی ابن خیرة الإماء النوبیة الطیبة المنتجبة».
ویکفیها فخراً و شرفاً أنها ولدت علماً من أعلام العقیدة الاسلامیة، و إماماً من أئمة الهدى و التقى سلام الله علیهم أجمعین.
ولادته سلام الله علیه:
ولد إمامنا الجواد سلام الله علیه فی العاشر من شهر رجب الأصب عام 195 هجریة. وعندما ولد سلام الله علیه قال أبوه الامام الرضا سلام الله علیه:« قد وُلِدَ لی شبیه موسى بن عمران، فالق البحار، وشبیه عیسى بن مریم ، قُدِّست اُمُّ ولدته، قد خُلقت طاهرة مطهّرة»
مدّة امامته:
17 عاماً
النص على امامته:
جاء عن محمد بن عمرو الزیّات عن ابن قیاما قال: دخلت على أبی الحسن الرضا سلام الله علیه وقد وُلد له أبو جعفر سلام الله علیه فقال:«إن الله قد وهب لی من یرثنی و یرث آل داود».
عن صفوان بن یحیى قال: قلت للرضا سلام الله علیه: قد کُنّا نسألک قبل أن یهب الله لک أبا جعفر فکنت تقول یهب الله لی غلاماً فقد وهب الله لک، و أقرَّ عیوننا فلا أرانا الله یومک فإن کان کون فإلى من؟ فأشار (الامام الرضا) بیده الى أبی جعفر (الجواد) سلام الله علیه و هو قائم بین یدیه، فقلت له: جعلت فداک وهو ابن ثلاث سنین؟
قال (الامام الرضا سلام الله علیه):« وما یضرّه من ذلک؟ قد قام عیسى بالحجّة، وهو ابن أقلَّ من ثلاث سنین».
لقد کان جواب الامام الرضا سلام الله علیه حافلاً بالدلیل الحاسم، فإن الله عزوجل بعث عیسى نبیّاً و آتاه العلم صبیّاً وهو دون سن الامام الجواد سلام الله علیه، والنبوة و الإمامة من منبع واحد ولا یناطان بالصغیر و الکبیر و إنّما أمرهما بید الله تعالى فهو الذی یختار لهما من أحبّ من عباده.
والله لأخرجنهما
جاء عن زکریا بن آدم رضوان الله تعالى علیه أنه قال:
إنّی لَعِندَ الرضا سلام الله علیه إذ جیئ بأبی جعفر سلام الله علیه و سِنّه أقل من أربع (سنین) فضرب بیده الى الارض و رفع رأسه الى السماء وهو یفکّر فقال له الرضا سلام الله علیه:
«بنفسی أنت لم طال فکرک؟» فقال:
«فیما صُنع باُمّی فاطمة، أما والله لأخرجنّهما (الاول و الثانی) ثم لاُحرقنَّهما ثم لأذرینّهما ثم لأنسفنّهما فی الیمّ نسفاً».
فاستدناه و قبَّل ما بین عینیه ثم قال:«أنت لها» یعنی الإمامة.
من فضائل الامام الجواد سلام الله علیه:
کان الامام الجواد سلام الله علیه من أروع صور الفضیلة و الکمال فی الارض، فلم یر الناس فی عصره من یضارعه فی علمه و تقواه و ورعه، وشدّة تحرّجه فی الدین، فقد کان نسخة لاثانی لها فی فضائله و مآثره التی هی السرّ فی إمامته . وعجبت الأمة الإسلامیة بالإمام الجواد سلام الله علیه، فقد هالتها مواهبه، وملکاته العلمیة التی لا تحدّ، وهی مما زادت الشیعة إیماناً ویقیناً بصحّة ما تذهب إلیه وتعتقد به من أن الإمام لابد أن یکون أعلم أهل زمانه وأفضلهم واتقاهم.
ومما جاء فی سعة علم الإمام الجواد سلام الله علیها ما رواه الکلینی فی الکافی أن قوماً سألوا أبا جعفر الجواد سلام الله علیه عن ثلاثین ألف مسألة فأجاب عنها.
کرمه:
کان إمامنا الجواد سلام الله علیه أندى الناس کفّاً وأکثرهم سخاءً، وقد لقُّب بالجواد لکثرة کرمه ومعروفه وإحسانه إلى الناس. فقد روی أن أحمد بن حدید قد خرج مع جماعة من أصحابه إلى الحج، فهجم علیهم جماعة من السرّاق ونهبوا ما عندهم من أموال ومتاع، ولما انتهوا إلى یثرب انطلق أحمد إلى الإمام الجواد وأخبره بما جرى علیهم فأمر سلام الله علیه له بکسوة وأعطاه دنانیر لیفرقها على جماعته، وکانت بقدر ما نهب منهم.
مواساته للناس:
لقد شارک الناس فی البأساء والضرّاء، وواساهم سلام الله علیه فی فجائعهم ومحنهم، ومدّ ید المعونة إلى فقرائهم، وضعفائهم، وهذا البرّ والإحسان احتلّ القلوب والعواطف وأخلص له الناس وأحبّوه کأعظم ما یکون الإخلاص والحبّ.
ومن مواساته للناس أن رجلاً من شیعته کتب إلیه یشکو ما ألمّ به من الحزن والأسى لفقد ولده، فأجابه الإمام سلام الله علیه برسالة تعزیة جاء فیها:
«أما علمت أن الله عز وجل یختار من مال المؤمن، ومن ولده أنفسه لیؤجره على ذلک…».
فی دعوته سلام الله علیه الى الإلتزام بأخلاق الإسلام:
دخل رجل على الإمام الجواد سلام الله علیه وکان مسروراً فقال له الإمام:
مالی أراک مسروراً؟ قال: یابن رسول الله سمعت أباک یقول أحقّ یوم بأن یسر العبد فیه یوم یرزقه الله صدقات ومبرات وسد خلات من أخوان له مؤمنین فإنه قصدنی الیوم عشرة من إخوانی ]المؤمنین[ الفقراء لهم عیالات، قصدونی من بلد کذا وکذا فأعطیت کل واحد منهم، فلهذا سروری.
فقال محمد بن علی سلام الله علیه: لعمری انک حقیق بأن تسرّ إن لم تکن أحبطته أو لم تحبطه فیما بعد. فقال الرجل: وکیف أحبطته وأنا من شیعتکم الخلّص؟ قال: هاه قد أبطلت برّک بإخوانک وصدقاتک. قال: وکیف ذاک یابن رسول الله؟ قال له محمد بن علی سلام الله علیه: أقرء قول الله عزّ وجل: «یا أیها الذین آمنوا لا تبطلوا صدقاتکم بالمن والأذى». قال الرجل: یابن رسول الله ما مننت على القوم الذین تصدقت علیهم ولا آذیتهم.
قال له محمد بن علیه سلام الله علیه: أن الله عز وجل إنما قال: «لا تبطلوا صدقاتکم بالمنّ والأذى» ولم یقل لا تبطلوا بالمنّ على من تتصدقون علیه وبالاذى لمن تتصدقون علیه وهو کلّ أذى، افترى أذاک للقوم الذین تصدّقت علیهم أعظم أم أذاک لحفظتک وملائکة الله المرقبین حوالیک أم أذاک لنا؟ فقال الرجل: بل هذا یابن رسول الله. فقال: فقد آذیتنی وآذیتهم، وأبطلت صدقتک. قال: لماذا. قال: لقولک وکیف أحبطته وأنا من شیعتکم الخلّص؟ ویحک أتدری من شیعتنا الخلّص؟ قال: لا. قال: شیعتنا الخلّص حزقیل ]حزبیل خ ل[ المؤمن مؤمن آل فرعون وصاحب یس الذی قال الله تعالى فیه: «وجاء من أقصى المدینة رجل یسعى» وسلمان وأبوذر والمقداد وعمار، أسوّیت نفسک بهؤلاء؟ أما آذیت بهذا الملائکة وآذیتنا؟ فقال الرجل: أستغفر الله وأتوب إلیه. فکیف أقول؟ قال: قل أنا من موالیکم ومحبیکم ومعادی أعدائکم وموالی أولیائکم.
فقال: کذلک أقول وکذلک أنا یابن رسول الله، وقد تبت من القول الذی أنکرته، وأنکرته الملائکة فما أنکرتم ذلک إلا لإنکار الله عز وجل.
فقال محمد بن علی بن موسى الرضا سلام الله علیهم: الآن قد عادت إلیک مثوبات صدقاتک، وزال عنها الاحباط.
من کلماته سلام الله علیه «إن من وثق بالله أراه السرور، ومن توکّل على الله کفاه الأمور، والثقة بالله حصن لا یتحصن فیه إلا المؤمن، والتوکل على الله نجاة من کل سوء، وحرز من کل عدو…».
«من استغنى بالله افتقر الناس إلیه، ومن اتقى الله أحبّه الناس».
«القصد إلى الله تعالى بأعماق القلوب أبلغ من أتعاب الجوارح..».
«ما عظمت نِعَم الله على أحد إلا عظمت إلیه حوائج الناس، فمن لم یحتمل تلک المؤنة عرّض تلک النعمة للزوال».
«ثلاثة من کنّ فیه لم یندم: ترک العجلة، والمشورة، والتوکل على الله تعالى عند العزیمة».
«توسَّد الصبر، واعتنق الفقر، وارفض الشهوات، وخالف الهوى، واعلم أنّک لن تخلو من عین الله، فانظر کیف تکون».
«التفقّه ثمن لکل غال، وسُلّم إلى کلّ عال».
«المؤمن یحتاج إلى توفیق من الله، وواعظ من نفسه، وقبول ممن ینصحه».
استشهاه سلام الله علیه:
إن الحسد داء خبیث ألقى الناس فی شرّ عظیم، فقد حقد أبو داود السجستانی (وکان من علماء بلاط المعتصم العباسی) على الإمام الجواد سلام الله علیه کأشد ما یکون الحقد وذلک حینما أخذ المعتصم برأی الإمام فی مسألة فقهیة وترک بقیة آراء الفقهاء، فتمیّز أبو داود غیظاً وغضباً على الإمام سلام الله علیه، وسعى إلى الوشایة به، وتدبیر الحیلة فی قتله، فدخل على المعتصم وقال له: إن نصیحة أمیر المؤمنین علیّ واجبة، وأنا أکلّمه بما أعلم إنّی أدخل به النار!! قال: ما هو؟ قال: إنک جمعت الفقهاء والرعیة والعلماء لأمر من أمور الدین فسألتهم عن الحکم فیه، فأخبروک بما عندهم من الحکم، ثم ترکت أقاویلهم کلّهم لرجل یقول شطر هذه الأمة بإمامته، ویدّعون أنه أولى منک بمقامک، ثم تحکم بحکمه دون البقیة.
فتغیّر لون المعتصم، وانتبه له. وقد اقترف أبو داود أخطر جریمة فی الإسلام، فقد دفع المعتصم إلى اغتیال إمام من أئمة أهل البیت سلام الله علیهم الذین فرض الله مودّتهم على هذه الأمة.
فأغرى المعتصم لعنة الله علیه بنت أخیه زوجة الإمام أمّ الفضل بالأمئمون، فدسّت الملعونة إلى الإمام السمّ فقضى إمامنا سلام الله علیه نحبه شهیداً مظلوماً. ألا لعنة الله على الظالمین.
وکان یوم استشهاده سلام الله علیه فی آخر ذی القعدة الحرام عام 220 هجریة، وهو سلام الله علیه فی عنفوان شبابه بأبی هو وأمی ونفسی.