سنة ولادته:
استقبل سبط النبي (صلّى الله عليه وآله) دنيا الوجود في السنة الرابعة من الهجرة، وقيل في السنة الثالثة. واختلف الرواة في الشهر الذي ولِد فيه، فذهب الأكثر إلى أنّه ولِد في شعبان في اليوم الثالث منه، ولم يحدّد بعضهم اليوم، وإنّما قال: ولِد لليال خلون من شعبان. وأهمل بعض المؤرّخين ذلك مكتفياً بالقول: إنّه ولِد في شعبان. وذهب بعض الأعلام إلى أنّه ولِد في آخر ربيع الأوّل، إلاّ أنّه خلاف المشهور فلا يُعنى به.
مراسيم ولادته:
أجرى النبي (صلّى الله عليه وآله) بنفسه أكثر المراسيم الشرعيّة لوليده المبارك، فقام (صلّى الله عليه وآله) بما يلي:
أوّلاً: الأذان والإقامة:
احتضن النبي (صلّى الله عليه وآله) وليده العظيم (عليه السّلام)، فأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى. وجاء في الخبر: «إنَّ ذلك عصمة للمولود من الشيطان الرجيم».
إنّ أوّل صوت اخترق سمع الحسين هو صوت جدّه الرسول (صلّى الله عليه وآله)، الذي هو أوّل مَن أناب إلى الله ودعا إليه، وأنشودة ذلك الصوت: “الله أكبر، لا إله إلاّ الله”.
لقد غرس النبي (صلّى الله عليه وآله) هذه الكلمات، التي تحمل جوهر الإيمان وواقع الإسلام، في نفس وليده، وغذّاه بها، فكانت من عناصره ومقوّماته، وقد هام بها في جميع مراحل حياته، فانطلق إلى ميادين الجهاد مضحّياً بكلّ شيء في سبيل أن تعلو هذه الكلمات في الأرض، وتسود قوى الخير والسّلام، وتتحطّم معالم الردّة الجاهليّة التي جهدت على إطفاء نور الله.
ثانياً: التسمية:
سمّاه النبي (صلّى الله عليه وآله) حسيناً كما سمّى أخاه حسناً. ويقول المؤرّخون: لم تكن العرب في جاهليتها تعرف هذين الاسمين حتّى تسمّي أبناءهما بهما، وإنّما سمّاهما النبي (صلّى الله عليه وآله) بهما بوحي من السماء.
وقد أصبح هذا الاسم الشّريف علماً لتلك الذات العظيمة التي فجَّرت الوعي والإيمان في الأرض، واستوعب ذكرها جميع لغات العالم، وهام الناس بحبّها، حتّى صارت عندهم شعاراً مقدّساً لجميع المثُل العليا، وشعاراً لكلّ تضحية تقوم على الحقّ والعدل.
ثالثاً: العقيقة:
وبعدما انطوت سبعة أيّام من ولادة السّبط، أمر النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يعقّ عنه بكبش، ويوزّع لحمه على الفقراء، كما أمر أن تعطى القابلة فخذاً منها، وكان ذلك من جملة ما شرّعه الإسلام في ميادين البِرّ والإحسان إلى الفقراء.
رابعاً: حلق رأسه:
أمر النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يحلق رأس وليده، ويتصدّق بزِنَته فضّة على الفقراء، فكان وزنه ـ كما في الحديث ـ درهماً ونصفاً.
وطلى رأسه بالخلوق، ونهى عمّا كان يفعله أهل الجاهليّة من إطلاء رأس الوليد بالدّم.
خامساً: الختان:
وأوعز النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلى أهل بيته بإجراء الختان على وليده في اليوم السّابع من ولادته، وقد حثّ النبي (صلّى الله عليه وآله) على ختان الطّفل في هذا الوقت المبكر؛ لأنه أطيب له وأطهر.
رعاية النبيّ (ص) للحسين (ع):
تولّى النبي (صلّى الله عليه وآله) بنفسه رعاية الحسين، واهتمّ به اهتماماً بالغاً، فمزج روحه بروحه، ومزج عواطفه بعواطفه، وكان ـ فيما يقول المؤرِّخون ـ: يضع إبهامه في فيه، وأنّه أخذه بعد ولادته، فجعل لسانه في فمه ليغذّيه بريق النبوّة، وهو يقول له: «إيهاً حسين، إيهاً حسين، أبى الله إلاّ ما يريد، هو ـ يعني الإمامة ـ فيك وفي ولدك».
تعويذ النبي (ص) للحسنين (ع):
وبلغ من رعاية النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لسبطيه، وحرصه على وقايتهما من كلّ سوء وشَرّ، أنّه كثيراً ما كان يعوذهما، فقد روى ابن عباس قال: كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يعوذ الحسن والحسين قائلاً: «أعوذ بكلمات الله التامّة من كلّ شيطان وهامة، ومن كلّ عين لامة». ويقول: «هكذا كان إبراهيم يعوّذ ابنيه إسماعيل وإسحاق».
ويقول عبد الرّحمن بن عوف: قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «يا عبد الرّحمن، ألا أعلّمك عوذة؛ عوذة كان إبراهيم يعوّذ بها ابنيه إسماعيل وإسحاق، وأنا اُعوّذ بها ابني الحسن والحسين: كفى بالله واعياً لمَن دعا، ولا مرمى وراء أمر الله لمَن رمى».
ودلّ ذلك على مدى الحنان والعطف الذي يُكنّه (صلّى الله عليه وآله) لهما، وأنّه كان يخشى عليهما من أن تصيبهما عيون الحسّاد، فيقيهما منها بهذا الدعاء.