إن من الصعب المستصعب تحديد مکانه السيده فاطمة الزهراء (ع) عند أبيها رسول الله (ص) و من الصحيح ان يقال: انه خارج عن قدره القلم و اللسان، و التحليل و البيان.
و يمکن لنا ان نجمل القول و نوجزه فنقول:
کانت السيده فاطمه الزهراء (عليهاالسلام) قد حلت في اوسع مکان من قلب ابيها رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و وقعت في نفسه الشريفه احسن موقع.
فکان النبي يحبها حبا لايشبه محبه الاباء لبناتهم، اذ کان الحب مزيجا بالاحترام و التعظيم، فلم يعهد من اي اب في العالم ما شوهد من رسول الله تجاه السيده فاطمه الزهراء.
و لم يکن ذلک منبعثا من العاطفه الابويه فحسب، بل کان الرسول ينظر الي ابنته بنظر الاکبار و الاجلال، و ذلک لما کانت تتمتع به السيده فاطمه من المواهب و المزايا و الفضائل، و لعله (صلي الله عليه و آله و سلم) کان مامورا باحترامها و تجليها، فما کان يدع فرصه او مناسبه تمر به الا و ينوه بعظمه ابنته، و يشهد بمواهبها و مکانتها الساميه عندالله تعالي و عند رسوله (صلي الله عليه و آله و سلم).
مع العلم انه لم يسمع من الرسول ذلک الثناء المتواصل الرفيع و لا معشاره في حق بقيه بناته.
و لم يکن ثناوه عليها اندفاعا للعاطفه و الحب النفسي فقط، بل ما کان يسع له السکوت عن فضائل ابنته و درجتها الساميه عندالله تعالي. و لو لم يکن لها عندالله فضل عظيم لم يکن رسول الله (صلي الله عليه و اله و سلم) يفعل معها ذلک اذ کانت ولده و قد امر الله بتعظيم الولد للوالد، و لا يجوز ان يفعل معها ذلک، و هو بضد ما امر به امته عن الله تعالي.
و کان ذلک کله لاسباب منها:
کشفا للحقيقه، و اظهارا لمقام ابنته عندالله و عند الرسول، و کان (صلي الله عليه و آله) يعلم ما سيجري علي ابنته العزيزه من بعده من انواع الظلم و الاضطهاد و الايذاء و هتک الحرمه، و لهذا اراد الرسول ان يتم الحجه علي الناس، حتي لايبقي لذي مقال مقال او عذر، و اليک هذه الاحاديث التي تدل علي ما کانت تتمتع به السيده فاطمه من المکانه في قلب الرسول (صلي الله عليه و اله و سلم):
روي عن الامام الصادق عن آبائه (عليهم السلام) عن السيده فاطمه (عليها السلام) قالت: لما نزلت «لا تجعلوا دعاء الرسول بينکم کدعاء بعضکم بعضا» هبت رسول الله ان اقول له: يا ابه. فجعلت اقول: يا رسول الله. فاقبل علي فقال:يا فاطمه انما لم تنزل فيک و لا في اهلک و لا في نسلک، انت مني و انا منک، انما نزلت في اهل الجفاء و البذخ و الکبر من قريش قولي: يا ابه. فانها احيي للقلب و ارضي للرب، ثم قبل النبي جبهتي…» .
کلاما و حديثا برسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) من فاطمه، کانت اذا دخلت عليه رحب بها و قبل يديها و اجلسها في مجلسه، فاذا دخل عليها قامت اليه فرحبت به و قبلت يديد… الي آخره.
و سال بزل الهروي الحسين بن روح قال: کم بنات رسول الله (صلي الله عليه و اله و سلم)؟
قال: اربع.
فقال: ايتهن افضل؟
قال: فاطمه.
قال: و لم صارت افضل و کانت اصغرهن سنا و اقلهن صحبه لرسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)؟
قال: لخصلتين خصها الله بهما.
1- انها ورثت رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم).
2- و نسل رسول الله منها، و لم يخصها بذلک الا بفضل اخلاص عرفه من نيتها.
و عن حذيفه قال: کان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) لا ينام حتي يقبل عرض وجه فاطمه….
و عن ابن عمر: ان النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) قبل راس فاطمه و قال: فداک ابوک، کما کنت فکوني.
و في روايه: فداک ابي و امي .
و عن عائشه: قبل رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) نحر فاطمه.
و في روايه: فقلت: يا رسول الله فعلت شيئا لم تفعله؟
فقال: يا عائشه اني اذا اشتقت الي الجنه قبلت نحر فاطمه.
و عن عائشه قالت: کان النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) اذا قدم من سفر قبل نحر فاطمه و قال: منها اشم رائحه الجنه.
اقول: قد ذکرنا شيئا من هذه الاحاديث في اوائل الکتاب.
و عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: «رائحه الانبياء: رائحه السفر جل، و رائحه الحور العين: رائحه الاس، و رائحه الملائکه: رائحه الورد،و رائحه ابنتي فاطمه الزهراء: رائحه السفر جل و الاس و الورد».
و عنه (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: «.. و لو کان الحسن شخصا لکان فاطمه، بل هي اعظم، ان ابنتي فاطمه خير اهل الارض عنصرا و شرفا و کرما».
و عن الامام الحسين بن علي (عليهماالسلام) عن جده رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: «فاطمه بهجه قلبي، و ابناها ثمره فوادي، و بعلها نور بصري، و الائمه من ولدها امناء ربي، و حبله الممدود بينه و بين خلقه، من اعتصم به نجا، و من تخلف عنه هوي.
و روي ان النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) ناول الزهراء ماءا، فشربت فقال لها: «هنيئا مريئا يا ام الابرار الطاهرين» الي آخر الحديث.
و عن فاطمه الزهراء (عليهاالسلام) قالت: قال لي رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): «الا ابشرک؟ اذا اراد الله ان يتحف زوجه وليه في الجنه، بعث اليک تبعثين اليها من حليک».
و بهذا الاحاديث الاتيه- الصحيحه عند الفريقين- يمکن لنا ان نطلع علي المزيد من الاسباب و العلل التي کونت في سيده نساء العالمين تلک القداسه و العظمه و الجلاله:
1- قال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): افضل نساء اهل الجنه: خديجه بنت خويلد، و فاطمه بنت محمد، و آسيه بنت مزاحم (امراه فرعون) و مريم بنت عمران.
2- و قال ايضا: حسبک من نساء العالمين: مريم بنت عمران و آسيه بنت مزاحم و خديجه بنت خويلد و فاطمه بنت محمد.
3- و قال ايضا: حسبک من نساء العالمين: مريم بنت عمران و خديجه بنت خويلد، و فاطمه بنت محمد و آسيه امراه فرعون.
هذه احاديث ثلاثه تصرح بتفضيل هذه السيدات الاربع علي سائر نساء العالم، الا انها لاتصرح ببيان الافضل من تلک الاربع، و لکن الاحاديث المتواتره المعتبره تصرح بتفضيل السيده فاطمه الزهراء عليهن و علي غيرهن.
و نحن لانشک في ذلک، بل نعتبره من الامور المسلمه المتفق عليها، لانها بضعه رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و لا نعدل بها احدا.
و لم ننفرد بهذه الحقيقه، بل وافقنا علي ذلک الکثير الکثير من العلماء و المحدثين المنصفين، من المتقدمين منهم و المتاخرين و المعاصرين، بل صرح بذلک بعضهم، و اليک بعض اقوال اولئک الاعلام:
عن مسروق قال: حدثتني عائشه ام المومنين قالت: انا کنا ازواج النبي عنده لم تغادر منا واحده، فاقبلت فاطمه تمشي، لا والله ما تخفي مشيتها من مشيه رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)، فلما رآها رحب بها و قال: مرحبا بابنتي، ثم اجلسها عن يمينه او عن شماله، ثم سارها.
فبکت بکاء شديدا، فلما راي حزنها سارها الثانيه! فاذا هي تضحک، فقلت لها- انا من بين نسائه-: خصک رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) بالسر من بيننا، ثم انت تبکين؟
فلما قام رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) سالتها: عما سارک؟
قالت: ما کنت لافشي علي رسول الله سره، فلما توفي قلت لها: عزمت عليک بما لي عليک من الحق(!!) لما اخبرتيني!
قالت: اما الان فنعم، فاخبرتني قالت: سارني في الامر الاول فانه اخبرني ان جبرائيل کان يعارضه (القرآن) کل سنه و انه قد عارضني به العام مرتين، و لا اري الاجل الا قد اقترب، فاتقي الله و اصبري فاني نعم السلف انا لک، قالت: فبکيت بکائي الذي رايت، فلما راي جزعي سارني الثانيه قال: يا فاطمه الا ترضين ان تکوني سيده نساء المومنين او سيده نساء هذه الامه؟ .
و في روايه البغوي في (مصابيح السنه): الا ترضين ان تکوني سيده نساء العالمين و سيده نساء هذه الامه، و سيده نساء المومنين؟
و الاحاديث التي تصرح بسيادتها و تفضيلها علي نساء العالمين کثيره جدا، و جلها مرويه عن عائشه، و عن عمران بن حصين، و عن جابر بن سمره و عن ابن عباس و ابي بريده الاسلمي و غيرهم، و قد روي البخاري هذا الحديث، و عدد کثير من علماء العامه کالقسطلاني و القندوزي و المتقي و الهيثمي و النسائي و الطحاوي و غيرهم ممن يطول الکلام بذکرهم.
و لقد ورد هذا الحديث بطرق عديده، و في بعضها: ان سبب ضحکها هو اخبار النبي لها بانها اول اهل بيته لحوقا به، و في بعضها ان سبب ضحکها او تبسمها هو اخبار النبي لها انها سيده نساء العالمين.
ولکن روي احمد بن حنبل حديثا يجمع بين هاتين الطائفتين من الاحاديث: باسناده عن عائشه قالت: اقبلت فاطمه تمشي کان مشيتها مشيه رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) فقال: مرحبا بابنتي، ثم اجلسها عن يمينه او عن شماله، ثم انه اسر اليها حديثا فبکت، ثم اسر اليها حديثا فضحکت، فقلت: ما رايت کاليوم فرحا اقرب من حزن، فسالتها عما قال؟ فقالت: ما کنت لافشي سر رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم).
حتي اذا قبض النبي سالتها؟
فقالت: انه اسر الي فقال: ان جبرئيل کان يعارضني بالقرآن في کل عام مره، و انه عارضني به العام مرتين و لا اراه الا قد حضر اجلي، و انک اول اهلي لحوقا بي و نعم السلف انا لک، فبکيت لذلک، ثم قال: الا ترضين ان تکوني سيده نساء هذه الامه او نساء المومنين؟
قالت: فضحکت لذلک. .
و قد روي البخاري في صحيحه9: ان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: فاطمه بضعه مني، فمن اغضبها فقد اغضبني.
و روي البخاري عن ابي الوليد: ان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: فاطمه بضعه مني من آذاها فقد آذاني.
و قد ورد هذا الحديث بالفاظ متنوعه و معاني متحده کقوله (صلي الله عليه و آله و سلم):
فاطمه بضعه مني، يوذيني ما آذاها، و يغضبني ما اغضبها.
فاطمه بضعه مني، يقبضني ما يقبضها، و يبسطني ما يبسطها.
فاطمه شجنه مني فاطمه مضغه مني فمن آذاها فقد آذاني.
فاطمه مضغه مني، يسرني ما يسرها.
يا فاطمه ان الله يغضب لغضبک و يرضي لرضاک.
فمن عرف هذه فقد عرفها، و من لم يعرفها فهي بضعه مني.
هي قلبي و روحي التي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، و من آذاني فقد آذي الله.
ان الله يغضب لغضب فاطمه و يرضي لرضاها.
و قد روي هذه الاحاديث اکثر من خمسين رجلا من رجال الحديث و السنن، کاحمد بن حنبل، و البخاري، و ابن ماجه و السجستاني و الترمذي و النسائي و ابوالفرج و النيسابوري و ابونعيم و البيهقي و الخوارزمي و ابن عساکر و البغوي و ابن الجوزي و ابن الاثير و ابن ابي الحديد و السيوطي و ابن حجر و البلاذري و غيرهم ممن يعسر احصاوهم، و قد ذکرنا شيئا من تلک الاحاديث مع مصادرها في اوائل الکتاب.
و قد وقعت هذه الاحاديث موقع الرضا و القبول من الصحابه و التابعين لتواترها و صحه اسنادها و شهرتها في الملا الاسلامي.
اما الصحابه فلنا في المستقبل مجال واسع لاعتراف بعضهم بصحه هذا الحديث و سماعه من الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم).
و اما التابعون فقد روي ابوالفرج في الاغاني باسناده قال: دخل عبدالله بن حسن علي عمر بن عبدالعزيز و هو حديث السن و له و فره، فرفع مجلسه، و اقبل عليه و قضي حوائجه، ثم اخذ عکنه من عکنه فغمز (بطنه) حتي اوجعه و قال له: اذکرها عندک للشفاعه.
فلما خرج (عبدالله بن حسن) لامه اهله و قالوا: فعلت هذا بغلام حديث السن، فقال: ان الثقه حدثني حتي کاني اسمعه من في رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: (انما فاطمه بضعه مني يسرني ما يسرها) و انا اعلم ان فاطمه لو کانت حيه لسرها ما فعلت بابنها.
قالوا: فما معني غمزک بطنه و قولک ما قلت؟
قال: انه ليس احد من بني هاشم الا و له شفاعه، فرجوت ان اکون في شفاعه هذا.
قال السمهودي- بعد ايراده حديث فاطمه بضعه مني يوذيني ما آذاها و يريبني ما ارابها-: فمن آذي شخصا من اولاد فاطمه او ابغضه جعل نفسه عرضه لهذا الخطر العظيم، و بضده (و بالعکس) من تعرض لمرضاتها في حبهم و اکرامهم.
و قال السهيلي: هذا الحديث يدل علي ان من سبها کفر، و من صلي عليها فقد صلي علي ابيها، و استنبط ان اولادها مثلها لانهم بضعه مثلها، و فک الفرع من اصله هو فک الشي ء من نفسه و هو غير ممکن و محال، باعتبار ان ذلک الفرع هو الشخص المعمول من ماده ذلک الاصل و نتيجته المتولده منه- انتهي کلامه-.
اقول: لعل المقصود من الخطر العظيم الذي ذکره السمهودي هو اشاره الي قوله تعالي: (ان الذين يوذون الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا و الاخره و اعد لهم عذابا مهينا) و قوله (و الذين يوذون رسول الله لهم عذاب اليم).
ايها القاري ء الذکي: بعد الانتباه الي هذه الايات، و بعد الامعان و التدبر في هذه الاحاديث و الروايات ما تقول فيمن آذي فاطمه الزهراء؟؟!!
اعود الي حديثي عن مدي حب النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) لابنته السيده فاطمه الزهراء:
من الصعب احصاء الاحاديث التي تصرح بان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) اذا اراد سفرا کان آخر عهده بانسان من اهله فاطمه (عليهاالسلام) و اول من يدخل عليها- بعد رجوعه من السفر- فاطمه.
کان (صلي الله عليه و آله) اذا رجع من سفره دخل علي ابنته فاطمه اولا، ثم ذهب الي داره و التقي بزوجاته.
انه کان يفضل الزهراء علي زوجاته و نسائه، و ما ذاک الا لان الله فضلها عليهن و علي نساء العالمين.
فقدم من غزاه، و قد علقت مسحا او سترا علي بابها، و حلت الحسن و الحسين قلبين من فضه، فقدم و لم يدخل، فظنت ان ما منعه ان يدخل دارها ما راي، فهتکت الستر، و فکت القلبين من الصبيين، و قطعته منهما، و دفعته اليهما، فانطلقا الي رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و هما يبکيان، فاخذه منهما فقال: ياثوبان اذهب بهذا الي فلان، ان هولاء اهلي اکره ان ياکلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا، ياثوبان اشتر لفاطمه قلاده من عصب و سوارين من عاج.
روي هذا الحديث الخطيب العمري في (مشکاه المصابيح) و الطبري في (ذخائر العقبي) و النويري في (نهايه الارب) و القندوزي في (ينابيع الموده) و الطبراني في (المعجم الکبير) و الزبيدي في (اتحاف الساده) و غيرهم.
و قد روي هذا الحديث من علمائنا: الشيخ الکليني في (الکافي) و الطبرسي في (مکارم الاخلاق) اکثر تفصيلا و توضيحا مع اختلاف يسير:
عن زراه عن ابي جعفر (الباقر) (عليه السلام) قال: کان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) اذا اراد سفرا سلم علي من اراد التسليم عليه من اهله، ثم يکون آخر من يسلم عليه فاطمه (عليهاالسلام) فيکون وجهه الي سفره من بيتها، و اذا رجع بدا بها (اي يزورها قبل کل احد) فسافر مره، و قد اصاب علي (عليه السلام) شيئا من الغنيمه فدفعه الي فاطمه فخرج، فاخذت سوارين من فضه، و علقت علي بابها سترا، فلما قدم رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) دخل المسجد، فتوجه نحو بيت فاطمه کما کان يصنع، فقامت فرحه الي ابيها صبابه و شوقا اليه، فنظر فاذا في يدها سواران من فضه و اذا علي بابها ستر، فقعد رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) حيث ينظر اليها، فبکت فاطمه و حزنت و قالت: ما صنع هذا بي قبلها.
فدعت ابنيها، فنزعت الستر عن بابها، و خلعت السوارين من يديها ثم دفعت السوارين الي احدهما و الستر الي الاخر ثم قالت لهما: انطلقا الي ابي، فاقرئاه السلام و قولا له: ما احدثنا بعدک غير هذا، فشانک به.
فجاءاه، فابلغاه ذلک عن امهما، فقبلهما رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و التزمهما و اقعد کل واحد منهما علي فخذه، ثم امر بذينک السوارين فکسرا فجعلهما قطعا، ثم دعا اهل الصفه و هم قوم من المهاجرين، لم يکن لهم منازل و لا اموال فقسمه بينهم قطعا… الي آخره.
ان هذا الحديث الذي تراه مشهورا عند الفريقين، مرويا بطرق عديده لعله يحتاج الي شرح و تعليق، مع العلم ان رواه هذا الحديث لم يتطرقوا الي شرح ما يلزم:
اقول: ليس المقصود من هذا الستر هو الستر المرخي علي مدخل البيت عند فتح باب البيت، لان هذا امر مستحب للمبالغه علي التستر و الحجاب، و حاشا رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) ان يغضب من ستر قد علق علي مدخل بيت فاطمه.
بل المقصود ان السيده فاطمه (عليهاالسلام) کانت قد علقت علي باب البيت (لامدخل البيت) سترا يستر الباب الخشبي، للزينه، المسمي في زماننا ب(الديکور)تجملا او تجميلا للباب و بعباره اخري: البست الباب ثوبا- اي سترا-، و ليس هذا بحرام بل لانه لايتفن مع التزهد او الزهد المطلوب من آل محمد (عليهم السلام) و المواساه المترقبه المتوقعه منهم، و نفس هذا الکلام ياتي في موضوع السوار و القلاده.
و بناء علي صحه هذا الحديث کان الافضل للسيده الزهراء (عليهاالسلام) ان تنفق ذلک الستر في سبيل الله بسبب الحاجه الماسه اليه، لکثره الفقراء، و شده الفقر المدقع عند فقراء المهاجرين و من باب المواساه و الايثار.
و روي ابن شاهين في (مناقب فاطمه) عن ابي هريره و ثوبان هذا الحديث مع تغيير يسير، الي ان قال: قال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم):- بعد ما دفعت الزهراء الستر و السوار الي ابيها-: فعلت، فداها ابوها- ثلاث مرات- ما لال محمد و للدنيا؟ فانهم خلقوا للاخره، و خلقت الدنيا لهم.
و في روايه احمد بن حنبل: فان هولاء اهل بيتي، و لا احب ان ياکلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا.
و يستفاد من هذا التعليل ان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) لايحب ان ينقص حظ ابنته فاطمه الزهراء من الاجر و الثواب في الاخره، لان مراره الحياه و خشونه العيش في الدنيا لهما تعويض في الاخره.
و بهذا الحديث الاتي يتضح ما قلنا:
عن تفسير الثعلبي عن الامام جعفر بن محمد (عليه السلام) و عن جابر بن عبدالله الانصاري قالا: راي النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) فاطمه و عليها کساء من اجله الابل، و هي تطحن بيديها، و ترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) فقال: يابنتاه تعجلي مراره الدنيا بحلاوه الاخره.
فقالت: يا رسول الله الحمدلله علي نعمائه، و الشکر لله علي آلائه.
فانزل الله: (و لسوف يعطيک ربک فترضي)