يُمثّل القرآن الكريم في فكر ومنهج المرجع الديني الكبير الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مصدر الهداية الأسمى، والمرجعية المعرفية الأعمق، والمنطلق الأصيل في بناء الفرد والمجتمع.
فمن خلال مشروعه التفسيري الممتد لعقود، والذي تجلّى في مؤلفه القيّم من نور القرآن ودروسه الأسبوعية المتواصلة، يمكن للمتابع أن يكتشف رؤيةً تفسيريةً فريدة ترتكز على استنطاق الآيات بمعناها الشامل، لا ككلمات جامدة، بل كنصٍّ حيٍّ يخاطب الإنسان في وجدانه وعقله وواقعه.
استنطاق النص: قراءة حيوية للقرآن
يؤمن المرجع اليعقوبي أن القرآن ليس كتاباً للقراءة التأملية فقط، بل هو كلامٌ حيٌّ يخاطب القلوب والعقول في كل زمان ومكان.
ومن هنا ينطلق في مشروعه التفسيري إلى ما يمكن تسميته بـ “الاستنطاق التفاعلي للآيات”، أي محاولة استجلاء الرسائل العميقة للآيات، وفهم مضامينها في سياق الحاجات المعاصرة للأمة، دون أن يُسقط عليها مفاهيم دخيلة أو يقحم عليها تصورات مسبقة.
ومن سمات هذا المنهج:
• تحرير المعنى من القوالب التقليدية: لا يكتفي اليعقوبي بترديد الأقوال المأثورة في التفسير، بل ينطلق منها ليقدّم فهماً جديداً أعمق وأقرب إلى جوهر النص وروحه.
• التركيز على البعد التربوي والاجتماعي: فالقرآن في رؤيته ليس فقط كتاب عقيدة أو فقه، بل مشروع إصلاحي شامل يعالج أمراض النفوس وانحرافات المجتمعات.
• استخدام المنهج التحليلي والموضوعي: إذ يُربط بين الآيات في سياق موضوعي، فيبحث عن السنن الإلهية، والعوامل التي تؤدي إلى النصر أو الهزيمة، أو التي تصنع الشخصية القرآنية.
من نور القرآن: التفسير الرسالي
يمثل تفسير من نور القرآن عصارة هذا المنهج، فقد كُتب بلغة تجمع بين العلمية والروحانية، ويُظهر إلماماً واسعاً بالمفاهيم القرآنية، وتطبيقاً دقيقاً لها على الواقع، يتميز هذا التفسير بما يلي:
• تقديم رسائل عملية مستنبطة من الآيات، مما يجعله موجهاً للمجتمع والإنسان العامل لا للقارئ المتخصص فقط.
• التركيز على الوعي القرآني، وتنمية إحساس المؤمن بأنه يعيش في ضوء القرآن لا في ظلمة الواقع المنحرف.
• تعزيز الإيمان الواعي والمسؤول، الذي لا ينفصل عن الواقع، بل يسعى لتغييره على ضوء القيم القرآنية.
لا يكتفي المرجع اليعقوبي بالتأليف، بل دأب منذ سنوات على تقديم دروس تفسيرية أسبوعية، يؤكّد فيها مبدأ الارتباط الحيّ بالقرآن، ويقدّم خلالها نماذج من استنطاق النص القرآني ضمن الأحداث الجارية، أو الأزمات التي يواجهها المجتمع.
هذه الدروس تحولت إلى منبر تربوي يتابعها المهتمون من مختلف الفئات، وتُسهم في تكوين وعي قرآني لدى الشريحة المثقفة خصوصاً.
علاقة طويلة وعميقة مع القرآن الكريم
ليست علاقة المرجع اليعقوبي بالقرآن علاقة طارئة أو عابرة، بل هي ثمرة مسيرة طويلة بدأها منذ شبابه، حيث تشرّب حبّ القرآن وتدبّره من بيئة علمية وروحية عالية.
وقد ظهر أثر ذلك في خطابه، وأسلوبه في الاستدلال، بل حتى في صياغته الفكرية والفلسفية، لقد جعل من القرآن مرجعيته الأولى في كل الميادين: من الفكر، إلى الفقه، إلى الاجتماع والسياسة.
ومن هنا، فإن مشروعه لا يمكن أن يُفهم دون فهم عمق علاقته بالقرآن، تلك العلاقة التي تراوحت بين الخشوع القلبي، والتأمل العقلي، والعمل الميداني.
أخيراً..
يمثل منهج المرجع الديني الكبير الشيخ محمد اليعقوبي(دام ظله) في استنطاق الآيات القرآنية، نموذجاً معاصراً لارتباط العالم الرباني بكلام الله، وفهمه فهماً مسؤولاً وحيّاً في زمنٍ كثر فيه التفريط في القرآن أو تجميده في رفوف المكتبات، يقدّم لنا الشيخ نموذجاً لإنسانٍ يعيش بالقرآن، ويفكر بالقرآن، ويُصلح المجتمع بنور القرآن، إنه درس عملي بأن العودة إلى القرآن ليست شعاراً، بل مسارٌ طويل يبدأ من الإخلاص، ويمر عبر التدبر، وينتهي إلى التغيير.
هادي حسين ناصري/إسلام آباد