قد يتفاعل المسلم ويندفع باتجاه القضايا والأحداث الإسلامية العامة التي تمر بها البلدان والشعوب الإسلامية، وخصوصاً الأحداث السياسية الداخلية والخارجية، والتي ينتج عنها الظلم والقتل والتهجير والجوع وغير ذلك،
ولابد لكل إنسان غيور فضلاً عن المسلم أن يتفاعل مع هذه الأحداث، ويساهم في رفع الظلم والحيف والدفاع عن المظلوم، أما تكليف المسلم فهو أكبر من ذلك، لأنه مكلف بنصرة الحق ومحاربة الباطل، والدفاع عن الإسلام ومقدساته وعن المسلمين.
ولكن في نفس الوقت علينا أن نعلم أن أغلب هذه الأحداث مفتعلة ولها من يحركها، وخلفها من يوجهها باتجاه مصالحه ويستعملها في ضرب منافسيه، ويؤجج من خلالها نار الفتنة التي تزهق فيها الأرواح وتخرب فيها البلدان، والأكبر من ذلك فإن الكثير من الأحداث والحروب الإسلامية تم استعمالها لإبراز قيادات غير جديرة بالقيادة الإسلامية، وللتغييب على القيادة الإسلامية الحقة، ثم لما يستقر لهم الحكم، عمدوا إلى القيادة الشرعية فقتلوها أو سجنوها أو غيبوها، وهذا ما مر بعدة مراحل من حياة الأئمة عليهم السلام، ومنهم الإمام الصادق عليه السلام الذي رفض المشاركة مع بني العباس ضد بني أمية، وبعده الإمام الرضا عليه السلام أيضا، والذي منع أصحابه من المشاركة في حرب المأمون العباسي ضد أخيه الأمين.
ومن المواقف التاريخية المتأخرة هي حرب الأمريكان مع نظام صدام البعثي عام ٢٠٠٣ م والتي ادعت أمريكا أنها تريد بها تحرير العراق من الظلم، وكان صدام في هذه الحرب يرفع شعار الجهاد ضد أمريكا الكافرة.
وقد طلب كل من الطرفين دعم النجف الأشرف، هذا بداعي نصرة الإسلام ومحاربة الكافر، وهذا بداعي التخلص من الظالم.
إلا أن علماء النجف كان موقفهم صارماً وواضحا في عدم دعم أي واحد من الطرفين، لأنها كانت حرب الباطل مع الباطل، والتي قد تتحول في لحظة إلى صلح بينهما، فيرجع صدام على الشعب بالذبح والدفن والاعتقال.
وقد كانت الطاعة من قبل الجماهير العراقية المؤمنة لهذا التوجيه في أعلى مستوياته، في موقف تاريخي واضح لكل متتبع، _رغم أن موقف إيران كان مع صدام ضد أمريكا_ (ولابد هنا أن نذكر السيد الشهيد الصدر الثاني قدس سره، الذي زرع هذه الطاعة للحوزة في نفوس الأمة، حيث كان يقول : لا تقولوا قولاً ولا تفعلوا فعلاً إلا بالرجوع إلى الحوزة العلمية).
من هنا فإن المسلمين إذا اندفعوا خلف كل مدع وكل راية تحت شعار مقاتلة الكفار وحماية المسلمين، من دون استشارة العلماء العاملين، الذين تتوفر فيهم الشروط الشرعية الثابتة، وذهبوا خلف جهات أو شخصيات تدعي القيادة من دون حصولها على المواصفات الشرعية الأساسية من العلم والورع والدراية والحكمة والسيرة الناجحة، فإن الاندفاع خلف مدعي القيادة ستكون نتيجته عكسية على الإسلام والمسلمين، حيث ستبرز قيادات إسلامية غير مؤهلة شرعاً، فيسود الظلم والجهل والفتن والنزاعات والفرقة، وتخرب بلاد المسلمين، ويتحكم بها جهالها وسراقها،
ولا تستطيع القيادة الشرعية حينئذ ردعهم، وذلك لكثرة مؤيديهم، وتسلطهم على مراكز القرار، ولأنهم سيقتلون القيادة الشرعية ويسقطونها باسم الدفاع عن الإسلام، لأن كلام العلماء حينئذ سيكون عكس تيار حماس الأمة واندفاعها، الذي خلقته الجهات المنتفعة، ونشرته الأقلام المأجورة العميلة.
من هنا فإننا نخاطب النخب الإسلامية من رجال دين ومثقفين، أن يأخذوا دورهم في تنظيم هذا الاندفاع الإسلامي ورسم الطريق الواعي له، وهو طريق العلماء العاملين، الذين يتابعون قضايا الأمة ويتحملون مسؤوليتها، ويعرفون ما ينفعها وما يضرها، ويحرصون على وحدتها واستقرار بلدانها وبنائها.
كما أن على هذه النخب أن لا تترك هذا الاندفاع والحماس على إطلاقه، لأن اللاعبين في الساحة لديهم القابلية في توجيهه باتجاه مصالحهم التي لا تقوم إلا على الأزمات والحروب والدمار، كما حصل مع تجربة الحشد الشعبي المقدس في العراق الذي حذرت مرجعية النجف من اتباعه لقيادات غير وطنية، وضرورة ارتباطه بقيادات الدولة، إلا أن ما حصل هو الاستغلال لهذا العنوان من قبل قيادات داخلية وخارجية، استطاعت أن تصل به إلى مراكز القرار في السلطة وتشوه هذا العنوان المقدس فتقوم بأبشع الجرائم من السرقة والفساد وانفلات السلاح، إلى التحالف مع قيادات ودول كانت تدعم الدواعش وتقتل أبناء الحشد الشعبي وتفجر أسواق الشيعة!!!
فإذا كان القرآن الكريم وهو كلام الخالق، لم يتركه الله تعالى حتى وضع عليه قيما وهو الإمام المعصوم، فكيف بقضايا وأحداث أقل من ذلك،
انتبهوا يرحمكم الله
فدماء المسلمين في رقابنا
ووحدة المسلمين في رقابنا
ووعي الأمة في رقابنا
وتبيين مشروع العلماء العاملين في رقابنا
الله الله في دماء المسلمين
الله الله في دينهم
الله الله في وعيهم
الشيخ كامل الباهلي