منزلة الإمام في المدينة:
تسلّم الإمام الهادي (عليه السلام) شؤون الإمامة فعلياً في عام 220ه-، وله من العمر حوالي ست سنوات.
وقد مارس دوره التوجيهي كواحد من أئمة الهدى ومصابيح الدجى وفي طليعة أهل العلم للتوجيه السياسي ومصدراً لقلق السلطة العباسية وقتذاك، فكان (عليه السلام): “خير أهل الأرض وأفضل من برأه الله تعالى في عصره” كما يقول أحد العلماء المعاصرين له.
ولذلك تسالم علماء عصره وفقهاءه على الرجوع إلى رأيه في المسائل المعقّدة والغامضة من أحكام الشريعة الإسلامية.
مما جعل من مدرسته الفكرية في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) في المدينة محجّة للعلماء وقبلة يتوجه إليها طلاب العلم والمعرفة آنذاك وقد نقلت عن لسانه الشريف الكثير من الآراء الفقهية والعقائدية والكلامية والفلسفية من خلال أسئلة أصحابه والمناظرات التي كان يجيب فيها على تساؤلات المشكّكين والملحدين بالحجة والمنطق…
الإمام الهادي في مجلس المتوكل:
جاء في “مروج الذهب” إن المتوكل العباسي أمر بمداهمة بيت الإمام الهادي (عليه السلام) وإحضاره على الحال الذي هو عليها. فلما أحضروه إلى المجلس، وكان المتوكل على مائدة الخمر وفي يده كأس فناولها للإمام (عليه السلام) ليشرب فقال له (عليه السلام):
والله ما خامر لحمي ودمي.
فقال له المتوكل: أنشدني شعراً استحسنه. فاعتذر الإمام (عليه السلام) وقال:
إني لقليل الرواية للشعر.
ولما ألح عليه ولم يقبل عذره، أنشده (عليه السلام):
باتوا على قلل الأجيال تحرسهم غلب الرجال فما اغنتهم القلل واستنزلوا بعد عز عن معاقلهم فأودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا ناداهم صارخٌ من بعد ما قُبروا أين الأسرة والتيجان والحلل أين الوجوه التي كانت منعمةً من دونها تضرب الأستار والكلل فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم تلك الوجوه عليها الدود ينتقل قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا وهكذا استمر الإمام بإنشاده شعراً من هذا النوع حتى رمى المتوكل الكأس من يده وأخذ يبكي بكاءً عالياً حتى بلّت دموعه لحيته وبكى الحاضرون لبكائه ثم أمر برفع الشراب من مجلسه.
زوجاته وأولاده (عليه السلام):
خلف الإمام الهادي من بعده ابنه الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) وأمه يقال لها حديثة، ومحمد وجعفر وعائشة.
شهادته (عليه السلام):
على الرغم من وضعه تحت الإقامة الجبرية والمراقبة اليومية إلا أن تبجيل الناس له والتفافهم حوله أثار في المعتز العباسي المخاوف والهواجس ففضل أن يتخلص منه، وهكذا سوّلت له نفسه، فدس له السم فاستشهد على ما استشهد عليه آباؤه الكرام سلام الله عليهم أجمعين وله من العمر ما يناهز الواحد والأربعين سنة.
الإمام الهادي (عليه السلام) والصوفيّة
جاء عن حمزة أنه نقل عن محمد بن الحسن بن أبي الخطاب أنه قال: “كنت مع الإمام الهادي (عليه السلام) في مسجد المدينة إذ جاءت جماعة وفيهم أبو هاشم الجعفري، وكان متكلماً بارعاً وصاحب مكانة رفيعة عند الإمام، ثم دخلت من بعدهم ثلَّة من الصوفيَّة، فاعتزلوا جانباً. وشكَّلوا حلقة وبدأوا بالتهليل.
فقال الإمام الهادي (عليه السلام): “لا تغترّوا بهؤلاء فهم أولياء الشيطان، وما حقوا دعائم الدين، احترفوا الزهد للراحة، وتهجّدوا لإيقاع الناس في الأغلال. ولم يتهلل هؤلاء سوى لخداع الناس ولم يقتصدوا في المأكل سوى لإغوائهم وبث الفرقة بينهم، فأورادهم الرقص، وأذكارهم الترنّم، لم يتّبعهم إلاَّ السفهاء، ولم يلحق بهم سوى الحمقى. ومن زار أحدهم حياً أو ميتاً لم يزر في الحقيقة إلاَّ الشيطان، ومن أعانهم فما أعان إلاَّ يزيد ومعاوية وأبا سفيان”.
ثم تحدّث الإمام عن عداء الصوفيَّة لأهل البيت وشبههم بالنصارى.