حياة النبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وأقواله:
﴿ لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ﴾1.
اليوم يصادف ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك ذكرى ميلاد الإمام السادس، الإمام جعفر الصادق عليه السلام، فهو إذًا يوم مضاعف في أعياد المسلمين، لأنَّ فيه عيدين في يوم واحد إذ تقع فيه الولادتان العظيمتان.
وبهذه المناسبة، ليس بالوسع إلَّا توجيه النقد إلى أنفسنا؛ فعلى الرغم من أنَّ هذا اليوم هو يوم ولادة نبيّنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وولادة إمامنا الصادق عليه السلام، فإنَّ المشاعر التي نبرزها في هذا اليوم، لا تضاهي ما يبرزه المسيحيّون بمناسبة عيد ميلاد المسيح عليه السلام، (بل ولا تتناسب معه).
تعلمون أنَّ المسيحيّين يحتفلون بعيد ميلاد المسيح عليه السلام لعدّة أيّام احتفالًا رسميًّا، بحيث أنَّ آثار ذلك تظهر بيننا نحن المسلمين.
ولكنّ الانتقاد الذي لا يسعني إلّا أن أوجّهه إلى أنفسنا، هو أنَّ ذكرى ميلاد الرسول تأتي وتروح دون أن يحسّ الكثيرون منَّا أنَّ هذه الذكرى قد مرَّت بهم أصلًا. ولولا العطلة الرسميّة-تعطيل البنوك والدوائر الرسميّة، وخروج الموظّفين-لما ظهر لهذا العيد أقلّ أثر في المجتمع. هذا، على الرغم من أنَّه عيد مضاعف بالنسبة إلينا، فلماذا كان الأمر هكذا؟ لا أعلم!
في نيّتي أنّ أقدّم بحثًا موجزًا عن تاريخ حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضمن الحدود التي تنفع الطلّاب الشباب، وكذلك الطلّاب الذين ليست لديهم معلومات وافية حول ذلك، ثمّ أخصّص كلامي ببعض من أقوال الرسول الكريم، وبتفسير بعضها.
يتّفق الشيعة والسُّنَّة على أنَّ ولادة نبيّ الإسلام كانت في شهر ربيع الأوّل، في الثاني عشر منه حسب أقوال أكثريّة أهل السُّنَّة، وفي السابع عشر منه حسب رأي الشيعة، باستثناء الشيخ الكليني، صاحب كتاب الكافي، الذي يرى أنَّ اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأوّل هو يوم ميلاد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
في أيّ فصل ولد رسول الله؟ في فصل الربيع. فقد جاء في بعض الكتب أنَّه ولد في فصل الربيع. وقد أجرى بعض العلماء حساباتهم ليعرفوا في أيّ من أيّام السنة الشمسيّة كانت ولادته، فكانت النتيجة: إنّ اليوم الثاني عشر من ربيع الثاني من تلك السنة قد صادف اليوم العشرين من نيسان وإنَّ السابع عشر من ربيع الأوّل يصادف اليوم الخامس والعشرين منه.
وفي أيّ يوم من أيّام الأسبوع كانت ولادته؟ يرى الشيعة أنَّه ولد في يوم الجمعة، بينما أكثر أهل السُّنَّة يقولون: إنَّ ولادته كانت في يوم الإثنين.
وفي أيّ ساعة من ساعات اليوم كانت ولادته؟ لعلَّ من المتّفق عليه أنَّ ولادته كانت بعد طلوع الفجر، وبين الطلوعين.
إنَّ تاريخ حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تاريخ عجيب. أبوه هو عبد الله بن عبد المطلب، ذلك الفتى المبرّز اللّامع في كلّ أرجاء مكّة– بصرف النظر عن حكاية محاولة ذبحه إيفاءً بنذر وغير ذلك– فقد كان وسيمًا، مديد القامة، مؤدّبًا، صاحب كياسة وتعقّل، تتمنّاه فتيات مكّة زوجًا، لكنَّه يتزوّج آمنة بنت وهب ذات صلة القربى بقبيلته، ويعزم على السفر إلى الشام، ولمّا يمضي على زفافه أكثر من أربعين يومًا، في سفرة تجارة على ما يظهر. وفي العودة يعرّج على المدينة، حيث أقرباء أمّه، فيتوفّاه الله هناك، وما يزال النبيّ الكريم في بطن أمّه. فيولد محمّد صلى الله عليه وآله وسلم يتيمًا، ليس له من حنان الأب نصيب.
كان من المتعارف عند العرب أن يعهدوا بأبنائهم إلى المراضع في البوادي، وإذ تأتي حليمة السعديّة من البادية إلى مكّة، يُعهد إليها بإرضاع محمّد. ولهذه المرضعة وزوجها حكايات مسهبة عن هذا الرضيع، وكيف أنَّه بحلوله في بيتهما حلَّت معه البركة عليهما من السماء والأرض. ويظلّ الطفل أربع سنوات بعيدًا عن أمّه وجدّه وقومه في مكّة، يعيش في البادية مع البدو وعند مرضعته.
بعد ذلك يسترجعونه من المرضعة إلى حضن أُمّه الحنون، تلك الأُمّ التي فازت بزوج مثالي هو عبد الله الذي افتخرت به يوم تزوّجته على بنات مكّة، ولكنَّها تفقده وما يزال ابنه جنينًا في بطنها. فإذا كان هذا مبلغ حبّها وتعلّقها بزوجها الراحل، فلا شكّ أنَّ ابنها سيكون هو الذكرى العظيمة لذاك الزوج الحبيب، وترى فيه كلّ آمالها التي علّقتها على أبيه من قبل. وما دامت آمنة قد عزفت عن الزواج بعد عبد الله، فإنّ عبد المطلب، جدّ محمّد، يتكفّل به وبأمّه معًا.
وتطلب آمنة الإذن يومًا من عبد المطلب لتزور أقاربها في المدينة مع ولدها، وتتحرّك القافلة بهما مع وصيفتها أُمّ أيمن. وهذه هي السفرة الأولى التي يقوم بها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وهو في الخامسة من عمره. وعند العودة من المدينة إلى مكّة، تمرض آمنة في منزل يقال له (الأبواء)–وهو ما يزال باقيًا لحدِّ الآن–فتضعف عن الحركة ويتوفّاها الله. ويشهد الطفل وفاة أُمّه في الطريق، حيث يتمّ دفنها، ويعود إلى مكّة مع أُمّ أيمن، تلك المرأة الوفيّة التي غدت بعد ذلك حرّة، ولكنّها ظلّت في خدمة رسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام إلى أن ماتت، حتّى أنَّ الرواية المعروفة التي ترويها السيّدة زينب عليها السلام تسندها إلى أُمّ أيمن هذه.
انقضت خمسون عامًا على ذلك، وكان العام الثالث للهجرة عندما مرَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بمدفن أُمّه في (الأبواء)، فترجل واتّجه إلى ناحيته دون أن يكلّم أحدًا، فتبعه بعضهم حتّى وصل إلى مكان بعينه، فجلس يقرأ الدُّعاء والفاتحة، وغاص في تفكير عميق محدقًا بنظره إلى نقطة معينة، ثمّ انحدرت دموعه الكريمة على خدّيه وهو ما يزال يقرأ. فسُئل: ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال: ها هنا قبر أُمِّي حيث دفنتها قبل خمسين سنة.
أمّا عبد المطّلب فقد أصبح محمّد–بعد موت أُمّه–شغله الشاغل، وبخاصّة بعد وفاة عبد الله، وكان يقول لأبنائه: إنَّ محمّدًا يختلف عن غيره اختلافًا كبيرًا، وإنَّ له لمستقبلًا لا تعلمونه. وقبيل موته أحضر ولده الأكبر أبا طالب، الذي كانت له مكانة مرموقة في مكّة، وخاطبه قائلًا: إنَّني لا أخشى الموت، إلَّا أنَّني قلق على أمر واحد، وهو مصير هذا الطفل، فلمن أعهد به؟ أتتقبّله أنت وتكفله عنّي؟ فأجابه بالإيجاب وتعهّد له بذلك، ووفى بوعده. ومنذ ذلك اليوم أصبح أبو طالب–والد عليّ–الكفيل بتربية محمّد وتنشئته.