شرع الله الصوم لغاية عظيمة، هي تحصيل التقوى، وتزكية النفوس، وتهذيب الأخلاق، فليست الغاية منه الضرر أو المشقة على العباد، وكلما كان الصوم موافقاً للأحكام الشرعية والآداب المرعية, كلما كان أكثر ثمرة وأعظم أجراً، والنية لها أهمية كبرى في عبادة المسلم، وعلاقته بربه، فإن كانت خالصة لله التزاماً بأوامره واجتناباً لنواهيه، فقد تحقق معنى العبادة والرجاء في صحتها أما إن كانت النية غير خالصة لله ارتد العمل على صاحبه.
وفي شروط النية ومعناها نستشهد بقول المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي(دام ظله) حيث قال:
يشترط في صحة الصوم النية على وجه القربة كغيره من العبادات ويراد بالنية وجود القصد إلى الفعل حتى لو كان غافلاً عنه ولكن إذا سُئل عن عدم تناوله للطعام مثلاً فيقول : إني صائم. ولا يكفي مجرد الإمساك عن المفطرات سواء كان اختيارياً أو لعجزه عن التناول أو لوجود الصارف النفساني عنها كقلق نفسي أو خوف واضطراب. ما لم يقترن بالنية، نعم، خرج بالدليل كفاية صوم النائم الناوي قبل نومه، فلو نوى الصوم ليلاً ثم غلبه النوم قبل الفجر أو نام اختياراً حتى دخل الليل صح صومه. وكذلك لو نام عدة أيام بنية مسبقة.
و أشار أيضا أنه لا يجب قصد الوجوب والندب ولا الأداء والقضاء، فيما إذا كان الصوم متعيناً شرعاً كصوم شهر رمضان فإنّه لا يصح فيه غيره أو النذر المعين كما لو التزم بصوم كل خميس. وعندئذٍ يكفي القصد إلى المأمور به عن أمره، أو نية القربة. وأمّا إذا كان الصوم مردداً أي يحتمل فيه أكثر من عنوان فلا بد من تعيينه لأجل ترتيب الآثار المطلوبة كالصــــــوم المستحب مع القضاء في سعة الوقت فلو صام يوماً من رجب لفضله ونواه أيضاً قضاء شهر رمضان فيقع عنهما ولو لم ينو ِالثاني وقع الأول فقط.
ويعتبر في القضاء عن غيره قصد امتثال الأمر المتوجه إليه بالنيابة عن الغير لا الأمر المتوجه إلى الآخر، على ما تقدم في النيابة في الصلاة لأنّه هو المتقرب بالعبادة ويترتب على فعله الصحيح براءة ذمة المنوب عنه، لذا على المؤدي أن يطبق تكليف نفسه عند الأمتثال لا تكليف المنوب عنه. كما أنّ فعله عن نفسه يتوقف على امتثال الأمر المتوجه إليه بالصوم عن نفسه. ويكفي في المقامين القصد الإجمالي.
و أوضح أنه لا يجب العلم بالمفطرات على التفصيل فالمهم تحقق الاجتناب مقترناً بقصد القربة لله تعالى والأمتثال لإرادته، بل إذا قصد الصوم عن المفطرات إجمالاً كفى. بل لا دخل لعنوان المفطرات في صحة النية. فلو قصد الإتيان بالعبادة المشروعة في هذا الوقت كفى أيضاً.
كما أضاف أنه لا يقع في شهر رمضان صوم غيره وإن لم يكن مكلفاً بالصوم، كالمسافر، وحينئذ فإن نوى الصائم في شهر رمضان غيره بطل. إلا أن يكون جاهلاً به أو ناسياً له فيجزي عن رمضان لا عما نواه.
يكفي في صحة صوم شهر رمضان القصد إليه ولو إجمالاً. فإذا نوى الصوم المشروع في غد، وكان من رمضان أجزأ منه. وكذا الحكم في سائر أنواع الصوم من النذر أو الكفارة أو القضاء. فما لم يقصد المعين لا يقع عنه كما تقدم، نعم، إذا قصد ما في ذمته إجمالاً ولم يعيّن وكان واحداً أجزأ عنه. ويكفي في صحة الصوم المندوب المطلق الخالي من عنوان خاص للاستحباب كالأول من رجب نية صوم غد قربة إلى الله تعالى إذا لم يكن عليه صوم واجب على الأحوط وجوباً في قضاء نفس السنة والأحوط استحباباً في قضاء ما قبلها. ولو كان الغد من الأيام البيض مثلاً، فإن أراد تحصيل ثوابها الخاص فليعيّنها وإلا صحّ مندوباً مطلقاً، وهذا التفاوت من مصاديق قوله تعالى (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر: 9) فهل يستوي من في حالة التفات إلى أيام الشهر وإنّ هذه هي الأيام البيض وأنّه يستحب صومها مع من لا يعلم في أي يوم هو.
وقت النية:
في الواجب المعين ولو بالعارض كالنذر يكون عند طلوع الفجر الصادق، بحيث يحدث الصوم حينئذٍ مقارناً للنية. وفي الواجب غير المعين يمتد وقتها إلى الزوال وإن تضيق وقته. فإذا أصبح ناوياً للإفطار وبدا له قبل الزوال أن يصوم واجباً فنوى الصوم أجزأه ما لم يتناول المفطر. وأمّا تجديد النية بعد الزوال فغير مجزٍ. وفي المندوب يمتد وقتها إلى أن يبقى من النهار ما يمكن فيه تجديد النية.
يجتزأ في شهر رمضان كله بنية واحدة إذا حصلت بعد الهلال واستمر في أعماقه العزم على الاستمرار على الصوم، ولا يحتاج العزم إلى تجديد إلا إذا قطع النية لسفر أو مرض وغيرهما، والظاهر كفاية ذلك في غيره أيضاً مما يشترط فيه التتابع في الأصل كصوم الكفارة أو بالعارض كما لو نذر أن يصوم عدة أيام بالتتابع. وأما في غيرها فالأحوط تجديد النية في كل ليلة يراد الصيام في غدها، أو عند الفجر أو قبل الزوال.
إذا لم ينوِ الصوم في شهر رمضان لنسيان الحكم (أي وجوب صوم رمضان) أو الموضوع (أي كونه في شهر رمضان) أو للجهل بهما ولم يستعمل مفطراً، فإنّه يجتزئ بتجديد نيته إذا تذكر أو علم قبل الزوال، والأحوط استحباباً القضاء أيضاً.
إذا صام يوم الشك بنيّة شعبان ندباً أو قضاءً أو نذراً أو بنيّة (جامع المطلوبية) أو ما في الذمة أو بقصد الواقع أجزأ عن شهر رمضان إن ظهر أنّه منه، وإذا تبين له أنّه من رمضان قبل الزوال أو بعده جدد نية الوجوب. وإن صامه بنيّة رمضان جازماً مع عدم الدليل على كونه منه بطل، وإن صامه على أنّه إن كان من شعبان كان ندباً وإن كان من رمضان كان وجوباً فالظاهر البطلان([2]).
إذا أصبح في يوم الشك ناوياً للإفطار، فتبين أنّه من رمضان قبل تناول المفطر. فإن كان قبل الزوال جدد النية واجتزأ به وإن كان الأحوط ضم القضاء إليه. وإن كان بعده أمسك نهاره وعليه قضاؤه وليترفع المسلم عن الوصول إلى هذا المستوى من الحوم حول الشبهة فيصبح غير ناوٍ للصوم في يوم الشك.
يجوز تناول المفطر في يوم الشك ما لم يثبت دخول شهر رمضان. هذا بحسب مقتضى الأدلة، وإلا فإنّ فيه جرأة كبيرة وتدنياً في مستوى التربية الإيمانية، إلا أن يكون محرزاً أنّه ليس من رمضان لحسابات فلكية ونحوها، ويجب الصوم يوم الثلاثين ما لم يثبت العيد.
تجب استدامة النية إلى آخر النهار. فإذا نوى القطع فعلاً أو تردد عن قناعة لا عن وسواس، بطل صومه. وكذا إذا نوى القطع فيما يأتي أو تردد فيه أو نوى تناول المفطر مع العلم بمفطريته. وإذا تردد للشك في صحة صومه فالظاهر الصحة. هذا في الواجب المعين، وكذا في شهر رمضان. وإن كان الأحوط استحباباً ضم القضاء إليه، أمّا الواجب غير المعين فلا يقدح شيء من ذلك فيه إذا رجع إلى نيته قبل الزوال.
إضافة لذلك يصح العدول في النية من صوم إلى صوم في بعض الموارد إذا لم يفت وقت نية الصوم المعدول إليه فمن أمثلة الصحة: أن ينوي تناول المفطر في الواجب المعين قبل الزوال فيبطل صومه-كما سبق-فيجدد نية صوم غير معين. وكذلك لو نوى المفطر في غير المعين بعد الزوال، فيبطل صومه، جاز أن ينوي الصوم المستحب. أو نوى القضاء واحتلم ولم يغتسل حتى الفجر فلا يصح منه ولكن يمكن أن يعدل بالنية إلى المستحب ويصح منه.