بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِی۟ن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰۤ أَعۡقَـٰبِكُمۡۚ وَمَن یَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِ فَلَن یَضُرَّ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔاۗ وَسَیَجۡزِی ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِینَ﴾ آل عمران ١٤٤
.
* هل مات رسول الله (ص) مقتولاً؟.
الشيخ نجدي الركابي
توجد روايات صحيحة عند الفريقين تشير إلى أنه ( ص) مات مسموما، منها مارواه الحاكم النيسابوري في مستدركه على الصحيحين عن داود بن يزيد الأودي، قال: سمعت الشعبي يقول: والله لقد سمّ رسول الله (ص) وسمّ أبو بكر الصديق وقتل عمر بن الخطاب صبرا وقتل عثمان بن عفان صبرا وقتل علي بن أبي طالب صبرا وسمّ الحسن بن علي وقتل الحسين بن علي صبرا (رضي) فما نرجو بعدهم.
ومنها ما رواه أحمد في مسنده عن ابن مسعود، قال: لأَنْ أَحْلِفَ تِسْعاً ان رَسُولَ اللَّهِ (ص) قُتِلَ قَتْلاً أَحَبُّ الي من أَنْ أَحْلِفَ وَاحِدَةً انه لم يُقْتَلْ، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ نَبِيًّا وَاتَّخَذَهُ شَهِيداً.
قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) بعد نقل الرواية: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
وهذا يدل على انه ( ص) مات مسموماً شهيداً. وعلى فرض ما تقدم؛ يأتي السؤال: من الذي دسّ السمّ لرسول الله (ص) وقتله؟!!.
هناك بعض الروايات تشير إلى أنه (ص) مات متأثرا بالسم الذي سقته إياه اليهودية في خيبر في السنة السابعة للهجرة.. إلا أن هذا الاحتمال بعيد لأسباب عدّة، منها:
أن كثيراً من الروايات دلت على أنه (ص) لم يأكل من ذلك اللحم المسموم، وأنه (ص) كان قد أخبر عن طريق الاعجاز بكونه مسموماً، هذا اضافة إلى بعد المدّة بين وفاته (ص) وهذه الحادثة، وهي ثلاث سنوات، اضافة الى أن (بشر بن براء) الذي أكل من ذلك اللحم مات في الحال لقوة السمّ الذي فيه!!.
وعليه؛ لا بد من البحث عن أدلة جنائية أخرى يمكن تلمس حادثة الاغتيال بالسم من خلالها.
والمتتبع للروايات يجد رواية تشير في مضمونها إلى قضية غريبة جدا حدثت قبل وفاته (ص) بوقت قريب جدا وهي أنه (ص) سقي – في مرضه الذي مات فيه – بدواء ما من غير إرادته، مع أنه (ص) كان قد نهاهم حال صحوته أن يسقوه عنوة، ففعلوا ذلك حال غفوته، إذ روى البخاري وغيره عن عائشة قالت:
(لَدَدْنَاهُ في مَرَضِهِ فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ لَا تَلُدُّونِي. فَقُلْنَا: كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فلما أَفَاقَ قال: أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِي. قُلْنَا: كَرَاهِيَةَ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ).
قال ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري) في شرح هذه الرواية: قوله (لددناه) أي جعلنا في جانب فمه دواء بغير اختياره.
فالرواية تشير بوضوح إلى سقي النبي (ص) شراباً رغما عنه، ورفضه له حال صحوته، وأن السقي جرى حال غفوته بدليل أن الرواية قالت: ( فلما أفاق، قال: ألم أنهكم أن تلدوني)!!.
لقد ورد أن النبي (ص) لا يمكن أن يقاس بغيره من الناس فهو لا يعتريه الاضطراب ولا الهذيان في أي حال من الأحوال، سواء في حال الصحة أو حال المرض، حتى يكون تصرف غيره نيابة عنه لما فيه مصلحته، فالقرآن الكريم صريح بلزوم إطاعته المطلقة؛ إذ يقول تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)، ويقول عز من قائل: (ما آتاكم الرسول فخذوه وَما نهاكم عنه فانتهوا)، ويقول جل وعلا: (ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى).
وقد جاء عن النبي (ص) نفسه في الحديث الصحيح الذي يرويه عبدالله بن عمرو بن العاص عندما نهته قريش أن يكتب كل ما يسمعه عن النبي لأن رسول الله (ص) بشر يتكلم في الرضا والغضب، فقال له النبي (ص): ” اكتب فو الذي بعثني بالحق ما يخرج منه إلا الحق”.
وورد عنه (ص) أنه حتى في حالات الممازحة والمداعبة لا يقول إلا الحق، فقد قال له بعض أصحابه يوما وكان يداعبهم: فإنك تداعبنا يا رسول الله؟. قال (ص): (إني لا أقول إلا حقا).
فإذا وضعنا هذا الاستفهام مع حادثة ليلة العقبة والأشخاص المتورطين في محاولة اغتيال النبي (ص) فيها، ومع تورع حذيفة عن الصلاة عليهم (لأن الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان كان يحمل سر رسول الله ص في المنافقين الذين أرادوا اغتياله ليلة العقبة، وكانت علامة معرفة المسلمين لهم هو عدم صلاة حذيفة عليهم عند موتهم، ومع ملاحظة رزية يوم الخميس قبل وفاة النبي (ص) بأيام – التي رواها البخاري ومسلم – وما جرى فيها من الإغتيال المعنوي للنبي (ص) ستتضح لك معالم الأحداث بشكل واضح … ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أعظم الله أجوركم بشهادة النبي الأعظم (ص).