المقدمة:
في تلك الليلة الرمضانية الحالكة، وفي محراب الكوفة، سقط جسد الإمام علي، لكن كلماته بقيت نوراً للأجيال، لم يكن مشغولاً بألمه، بل كان قلبه لا يزال نابضاً بالعدل، ولسانه لا يزال ناصحاً للأمة.
في لحظاته الأخيرة، لم تكن وصيته مجرد كلمات وداع، بل كانت خارطة طريق لعالم يشتد فيه الصراع بين المبادئ والمصالح.
الجسد ينزف، لكن الفكر يبقى حياً.
حين ضُرب الإمام علي، لم تكن وصيته تدور حول الانتقام أو الخلاص الشخصي، بل كانت امتداداً لرؤيته للمجتمع والإنسان، أوصى بالتقوى، العدل، ونصرة المظلوم، مؤكداً أن السلطة ليست هدفاً، بل مسؤولية، وأن الدين ليس طقوساً، بل عدالة وعقلانية.
قال لولديه الحسن والحسين: “كونا للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً”.
وهنا تتجلى الرسالة الأبدية: لا تصمتوا أمام الظلم، ولا تكونوا أدوات للباطل، فالعدل مسؤولية الجميع، وليس شعاراً يُرفع عند الحاجة.
بين الزمان والمكان: لماذا كان استشهاده في المسجد؟
ليس من الصدفة أن تكون ليلة القدر هي ليلة الضربة، وليس من الصدفة أن يكون المحراب هو المكان، كأن الحدث يقول لنا:
هل بقيت المساجد منارات للحق أم تحوّلت إلى ساحات للصراعات السياسية؟
هل بقي الدين كما أراده علي؟ أم صار مجرد كلمات جوفاء يتلاعب بها الحكّام؟
الوصية ليست ماضياً، بل رسالة للمستقبل
لو عاد الإمام علي اليوم، هل كان سيجد الأمة قد استوعبت وصيته؟ أم أن التاريخ يعيد نفسه في شكل جديد؟
كل مجتمع فيه صراع بين العدالة والمصالح، فهل نقف حيث وقف علي؟
كل زمن فيه ظالم ومظلوم، فهل نكون حيث أوصى أن نكون؟
الخاتمة:
رحل الإمام جسداً، لكنه ترك وصيةً مفتوحة لكل من يريد أن يسمع، لم تكن مجرد كلمات تُقال في اللحظات الأخيرة، بل كانت وثيقة فكرية، سياسية، وأخلاقية تصلح لكل زمان ومكان. والسؤال الأهم لنا اليوم:
هل نحن مستعدون لحمل وصية علي، أم أننا سنبقيها مجرد ذكرى تُقرأ في المناسبات؟
بقلم: نهاد الزركاني