الوقفة الخامسة: لماذا ظهر المرجع اليعقوبي وحيداً على منصة الخطاب؟
منذ انطلاقة الشعائر الفاطمية سنة 1427هـ / 2006م، عودنا سماحة المرجع اليعقوبي أنه عندما يعتلي منصبة الخطاب لإلقاء الخطاب الفاطمي السنوي يكون معه بعض فضلاء الحوزة العلمية، ومنذ سنة 2010 تعودنا أن يعتلي سماحته منصة الخطاب وبرفقته بعض فضلاء الحوزة من أبناء الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ولكن في هذه السنة شاهدنا سماحته يعتلي المنصة وحيدا ولا أظن أني أبالغ إذا قلت أن كل المؤمنين الذين دأبوا على المشاركة في الشعائر الفاطمية والحضور في ساحة وثورة العشرين، ومشاهدة إطلالة المرجع اليعقوبي والانصات إلى خطابه لفت انتباههم هذا الشيء وشد انتباههم وتساءلوا كثيراً عن سببه، وأنا من بين من تساءل عن سبب ذلك فبحثت عن جواب لسؤالي فقلت:
ربما أراد سماحته أن يعطينا درساً ونشعر به عملياً وبكل وضوح وهذا ما قد حصل، حينما لم يخرج سماحته مع مرافقين خاف كثير من المؤمنين على سلامته، ومن هذا الخوف ينبغي أن ننطلق إلى خوف أهم وهو الخوف على المشروع الإلهي وعلى مسيرة التمهيد لدولة العدل الإلهي التي ينبغي ان لا نؤخرها أكثر من ذلك، وذلك من خلال أن دعم ومساندة المرجعية الرسالية وإعانتها على تأدية رسالتها على أتم وجه وعدم تركها بمفردها في الساحة…
أو ربما أراد سماحته أن يقول ها أنا الآن أقف وحيداً وأطلق دعوتي لجميع المؤمنين بأن ينصروا دين الله تعالى، فمن يريد أن يلتحق بي لنصرة دين الله سبحانه وتعالى فليلتحق، وليبدأ في تطبيق الواجبات التي ذكرتها في الخطاب الفاطمي والتي هي خلاصة ما كتبته وقلته لكم طيلة 24 سنة. وهذه المدة هي عمر تصدي سماحته لقيادة الحركة الاسلامية بعد استشهاد استاذه الصدر (قدس سره) …
أو ربما أراد سماحته بوقوفه وحيداً على منصة الخطاب أن يلفت نظر المؤمنين إلى وقفة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في نصرتها لدين الله والقيادة الحقة … حينما كانت هي الوحيدة التي تدافع عنهما بكل شجاعة وثبات … وكما كان سماحته باعتلائه المنصة مع مجموعة من الفضلاء الحوزة من ابناء الصديقة (عليها السلام) ليذكرهم بها (عليها السلام).
أو ربما أراد أن يذكر المؤمنين بأن النتائج تتبع المقدمات وهي بأيدي المؤمنين فإن التحقوا بركب نصرة دين الله وحججه والعلماء المخلصين، فإن النتائج ستكون طيبة كما وعد الله سبحانه وتعالى وقد حثهم بقوله (لا تقصروا في الالتحاق بهذا الركب المبارك، وعدم ادخار أي جهد عن نصرة الدين وأهله في مختلف المجالات والميادين) وأما إذا كان القرار عدم الالتحاق أو الاكتفاء بالالتحاق النظري الشكلي وليس التحاقا عمليا فإن النتائج ستكون سلبية والعياذ بالله كما كانت من نتائج عدم نصرة الصديقة (عليها السلام) والاستجابة لمناشداتها قيام الأعداء بإزالة الصديقة (عليها السلام) عن الساحة، وترك أمير المؤمنين (عليه السلام) وحيداً مبعداً عن استحقاقه… فاعتلاء المرجع لمنصة الخطاب وحيدا من دون مرافقة بعض فضلاء الحوزة من ابناء الصديقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) له كان يثير هذا المشهد المؤلم ويذكر به.
أو ربما أراد سماحته أن يقول أنه سيمضي قدما في هذا الطريق وتحقيق هذا الهدف وإن كان وحيدا وهكذا يجب أن يكون المؤمن لا يزلزله تفرق الناس عنه أو محاربتهم له أو من أجل أمور دنيوية أو اعتداد بالنفس …
أو ربما أراد سماحته من خلال ظهوره وحيدا على المنصة من دون فضلاء الحوزة وطلبة العلم أن يذكرنا بقوله (دام ظله): (العلماء عقل الأمة المفكر، والخطباء وطلبة العلم عيونها، والمجتمع هو اليد، واليد تنفّذ وتُدافع وتساعد، وأي اختلال في توزيع الأدوار يؤدي إلى الفشل)[ 1 ]. وقد سبق وأن حصل فشل بسبب عدم الالتزام بهذا التوزيع للأدوار!
أو ربما سماحته أراد أن يعطينا دروسا متعددة من خلال هذه الاطلالة وبهذه الكيفية أن القيادة الرسالية وجميع العلماء العاملين المخلصين حينما لا تلتف حولهم الأمة ولا يلتف حولهم المؤمنون الواعون ولا يؤدون دورهم الموكل بهم فإن هذا سيحزن الأخوة والأصدقاء كما حزنتم حينما رأيتموني وحيدا على المنصة وسيفرح الأعداء كثيرا … فالتفوا حول قيادتكم الرسالية وجميع العلماء العاملين المخلصين وتواجدوا في الساحة وأدوا ما عليكم من واجبات لكي تفرحوا قادتكم وجميع أحبتكم وأصدقائكم وتحزنوا أعدائكم لا العكس …
أو ربما أراد سماحته تمهيد الأرضية عمليا لإنهاء مسألة المرافقين للشخصيات الدينية والجلبة التي تحدث عند حضورهم المناسبات أو أثناء الزيارات خاصة وأن سماحته حُرم فترة من الزمن من زيارة المراقد المقدسة تفاديا لهذه الحالة التي تزعجه كثيرا وقد ذكر ذلك بوضوح في كلمة مسجلة لسماحته ألقاها في بعض الوفود التي زارته وكان يتمنى الخلاص من خفق النعل من ورائه[ 2 ] وعاد سماحته فيما بعد لزيارة المراقد المقدسة بعد معالجة هذه المسألة …
وكلنا قرأ أو سمع كيف كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) رغم المؤامرات يسير بمفرده لا تمشي خلفه الحمايات كان صلى الله عليه وآله وسلم (يركب الحمار العاري ويردف خلفه) كما وصف تواضعه أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له[ 2 ] وكذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول (إن خفق النعال خلف أعقاب الرجال مفسدة لقلوب النوكى)[ 3 ] (ما أرى شيئا أضر بقلوب الرجال من خفق النعال وراء ظهورهم)[ 4 ] كان (عليه السلام) يمقت هذه الحالة ويحذر منها ويحاربها لما فيها من مفسدة لقلوب كثير من المتصدين ربما لهذا رأى سماحته أنه قد آن الأوان لإنهاء هذه الحالة …
أو ربما أراد سماحته حماية البعض من عواقب مرافقة سماحته أو زيارة سماحته له … لما تطرأ على النفس من حالات الفخر والاستطالة على الناس وقد علق سماحته حول هذه المسألة حينما ذكر زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) لصعصعة بن صوحان لعيادته عن ابن نباته قال: خرجنا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى انتهينا إلى صعصعة بن صوحان فإذا هو على فراشه ، فلما رأى عليا (عليه السلام) خف له ، فقال له علي (عليه السلام): لا تتخذن زيارتنا إياك فخرا على قومك ، قال : لا يا أمير المؤمنين ولكن ذخرا وأجرا.[ 5 ]
فعلق سماحته (وين ما تكعد تقول آني زارني أمير المؤمنين)[ 6 ]
علماً أن صعصعة بن صوحان قد مدحه أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال له: والله ما كنت إلا خفيف المؤنة، كثير المعونة.[ 7 ]
بعد ذكر بعض الاحتمالات التي قد تكون كلها صحيحة أو بعضها أقول ينبغي أن نأخذ الدروس النافعة من هذه الحالة والحادثة وأن لا ندخر جهدا في نصرة الله تعالى من خلال نصرة حججه فقد دأب العظماء على أخذ الدروس والعبر من كل شيء حولهم …
المصادرـــــ
[1] خطاب المرحلة ج1 ص76.
[2] لقاء أبو كوثر الخطاط الجزء الثاني (تسجيل فيديوي).
[3] نهج البلاغة خطبة: 160.
[4] بحار الأنوار ج41 ص55.
[5] ميزان الحكمة ج2 ص1522.
[6] بحار الأنوار ج23 ص211.
[7] محاضرات دور الأئمة في الحياة الإسلامية الحلقة (12) تموز 2003 (تسجيل فيديوي).
[8] بحار الأنوار ج23 ص211.
محمد النجفي
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية