علاء حسين آل حسان.. كتاب الشهيد الصدر الثاني كما أعرفه:
وللكتاب أهمية بالغة (أولاً) لأنه من الكتب التي تتحدث عن سيرة العلماء وهم قادة المجتمع وهداته إلى فهم الشريعة. وكشف الجوانب الحياتية والمواقف الاجتماعية من حياتهم.
فإن هناك عمقاً للشريعة وتفسيراً لها تفهمه الناس أحياناً من أفعال الفقهاء وسيرتهم و (ثانياً) لخصوصية في شخصيتي السيد الشهيد الصدر (قدّس سرّه ) والشيخ اليعقوبي (دام ظله).
أما خصوصية السيد الشهيد الصدر فلأن رمزيته لم تزل تؤثر في صياغة شخصية الشاب المؤمن في العراق، وقد تأثر معظمهم بتصورات مشوبة حوله (قدس سره). فمن الضروري جداً تعريفهم بمعالم شخصيته النقية التي ينبغي قراءتها في جميع مراحل حياته الشريفة وجوانبها. لتكون أنفع لهم وأبلغ في الموعظة.
ففي الجانب الأول برزت فيها ملكة التنظير الاجتماعي في بداية عقد السبعينيات وما قبله وهي فترة كتابته لموسوعة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف).
والجانب الثاني جانب المعرفة العقائدية المعمقة التي أضفت على خطاباته رونقاً أخلاقياً وعرفانياً، تميّزت عن سواها بأن صاحبها مجتهد ضليع يجيد صياغة الفكرة العقائدية بخطاب فقهي وديني واضح.
والجانب الثالث من شخصيته هو الذي برز منه عند مواجهة المسؤولية الاجتماعية الكبرى وتصديه للمرجعية الدينية. وأعماله المميزة التي لا يتمكن كل أحد من فهمها إلا بفهم جانبيه السابقين (قدس سره).
وأما بالنسبة لسماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) ففي دراسة هذه الفترة من حياته جانبان مهمان (الأول) تعرفنا على شخصية المرجع الذي ترتبط به مشاريعنا وأعمالنا الاجتماعية. فلا بد من فهمه فهماً يتيح لنا التفاعل معه وفهم مراده في كل خطوة نخطوها معه.
و(الثاني) متابعة سيرة شخص تحول من الحياة الطبيعية كشاب رسالي -من بين العديد منهم- إلى مرجع ديني ومفكر إسلامي. لا أعني بها السيرة العلمية والدروس التي تناولها –وإن كانت مهمة أيضاً لتوجيه الدارسين- ولكني أقصد التعرف على مواقف الصدق التي وقفها في سيرته عند كل مفترق وهو ما يُظن أنه سبب كل توفيق ناله فيما بعد.
فمقاعد الصدق هي التي تميز الصالحين وترفع الدرجات وترزق المحبة في الدنيا والآخرة ونعني به الصدق مع الله سبحانه الذي هو باب الصدق مع غيره. وإذا أحب الله عبداً أجرى الخير على يديه للناس وأي خير أكثر من هذه السير التعليمية الإرشادية الحية التي ينتفع بها كل من استمع بقلبه وكانت الحكمة ضالته.
كتاب قناديل العارفين:
فيه المراسلات المتبادلة بين سماحة الشيخ اليعقوبي مع السيد الشهيد الصدر الثاني (قدّس سرّه) في خصوص تهذيب النفس والسلوك الى الله تبارك وتعالى يعود تاريخها الى عام 1987.
وقناديل العارفين هو عبارة عن إشراقات روحية استثارتها أسئلة ومشاكل مرت بشاب متحمس للسعي نحو الكمال وإصلاح نفسه ومجتمعه.
وقد صدرت هذه النفحات القدسية من قلب السيد الصدر وهو في قمة تأملاته وتفرغه وخلوته ونضجه الروحي.
والكتاب يتضمن رسائل متبادلة بين السيد الصدر الثاني، والشيخ محمد اليعقوبي، وفيه عشرة قناديل، كل قنديل هو أجوبة لتساؤلات وحلول يطرحها التلميذ على أستاذه، وقد جاءت بمثابة دروس علمية وأخلاقية وتربوية قيمة، فكأنها وصفات ناجحة للباحثين عن طريق الكمال والترقي بالعلم والمعرفة، ويعود تاريخ هذه الرسائل إلى عشرين عاماً خلت وقد كتبت في ظروف صعبة.
ويتضمن الكتاب أيضاً أفكاراً تعود إلى كتابين الشيخ محمد اليعقوبي (دور الأئمة في الحياة الإسلامية) و(نظرة في فلسفة الأحداث) وقد شملت المراسلات كل الاتجاهات التي تناولها المؤلف في هذين الكتابين، ويضم هذا الكتاب أيضاً ملحقاً ببعض الرسائل العامة للشهيد الصدر وهي رسائل لم تكن أجوبة أو تعليقات على أسئلة أو أفكار بعثت إليه أو أنها فقرات تصلح أن تكون مواضيع مستقلة.
نعم الكتاب هو في قمّة تأملاته وتفرّغه وخلوته ونضجه الروحي حيث كان يعاني ببدنه حصاراً من قبل جلاوزة صدام -في الثمانينات- إلا أن روحه كانت خارج سجن هؤلاء الطواغيت. بل كانت خارج الدنيا المظلمة كلها حين كانت تحلّق في جنة المقرّبين. حيث لا أذن سمعت ولا عين رأت ولا خطَرَ على قلب بشر، وهو في ذلك السموّ لم يبخل على هذا الشاب الطَموح المتطلع – وهو الشيخ محمد اليعقوبي- الفقير إلى رحمة ربه التي ينزلها على أيدي أوليائه الذين نوَّر قلوبهم بمعرفته. يجيبه إذا سأله ويبتدؤه اذا عجز عن السؤال ويحنو عليه اذا ضعف ويرفق به إذا قصّر ويُغدق عليه بالعواطف إذا اغتم.
وأستطيع القول أنه لا أحد يستطيع معرفة أبعاد شخصية السيد الشهيد الصدر الثاني (قده) ومكنون سرّه وفلسفته في الحياة التي أصبحت فيما بعد أساساً ومنطلقاً لحركته الإصلاحية الرائدة. إلا إذا قرأ كتاب (قناديل العارفين) وفهمه بعمق.
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية