مولد السيدة زينب عليها السلام في الخامس من جمادى الأولى أولدت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مولودة، فحملها أبوها أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن حوله ينتظر أن يسمّيها، فقال (عليه السلام): “ما كنت لأسبق رسول الله (صلى الله عليه وآله)”، واستدعى ذلك انتظار رسول الله (صلى الله عليه وآله) من سفره، وحينما قدم سئل أن يسميها فأجاب (صلى الله عليه وآله): “ما كنت لأسبق ربّي”، فهبط جبرائيل قائلاً: “سمِّ هذه المولودة زينب، فقد اختار الله لها هذا الإسم”.
الوليدة المباركة:
وضعت الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام وليدتها المباركة التي لم تولد مثلها امرأة في الإسلام إيماناً وشرفاً وطهارةً وعفةً وجهاداً، وقد استقبلها أهل البيت وسائر الصحابة بمزيد من الابتهاج والفرح والسرور، وأجرى الإمام أمير المؤمنين على وليدته المراسيم الشرعية، فأذّن في أذنها اليمنى، وأقام في اليسرى. لقد كان أول صوت قرع سمعها هو: (الله أكبر، لا إله إلا الله)، وهذه الكلمات أنشودة الأنبياء، وجوهر القيم العظيمة في الأكوان. وانطبعت هذه الأنشودة في أعماق قلب حفيدة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فصارت عنصراً من عناصرها، ومقوماً من مقوماتها.
وجوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبكاؤه:
وحينما علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه المولودة المباركة سارع إلى بيت بضعته، وهو خائر القوى، حزين النفس فأخذها ودموعه تتبلور على سحنات وجهه الكريم، وضمها إلى صدره، وجعل يوسعها تقبيلاً، وبهرت سيدة النساء فاطمة عليها السلام من بكاء أبيها، فانبرت قائلة: «ما يبكيك يا أبتي، لا أبكى الله لك عيناً؟…». فأجابها بصوت خافت حزين النبرات: «يا فاطمة، اعلمي أنّ هذه البنت بعدي وبعدك سوف تنصبّ عليها المصائب والرزايا…»(1). لقد علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ما يجري على حفيدته من الرزايا القاصمة التي تذوب من هولها الجبال، وسوف تمتحن بما لم تمتحن به أيّ سيدة من بنات حواء. ومن الطبيعي أن بضعته، وباب مدينة علمه قد شاركا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في آلامه وأحزانه، وأقبل سلمان الفارسي التابع المخلص للأسرة النبوية، يهنئ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بوليدته المباركة فألفاه حزيناً، واجماً، وهو يتحدث عما تعانيه ابنته من المآسي والخطوب(2)، وشارك سلمان أهل البيت في آلامهم وأحزانهم.
تسميتها:
وحملت زهراء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وليدتها المباركة إلى الإمام فأخذها وجعل يقبلها، والتفتت إليه فقالت له: «سمّ هذه المولودة…». فأجابها الإمام بأدب وتواضع: «ما كنت لأسبق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم…». وعرض الإمام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يسميها، فقال: «ما كنت لأسبق ربّي…». وهبط رسول السماء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له: «سمّ هذه المولودة زينب، فقد اختار الله لها هذا الاسم…». وأخبره بما تعانيه حفيدته من أهوال الخطوب والكوارث فأغرق هو وأهل البيت في البكاء(3).
كنيتها:
وكنيت الصديقة الطاهرة زينب بـ(أم كلثوم)، وقيل: (إنها تكنى بـ(أم الحسن)(4).
ألقابها:
أما ألقابها فإنها تنمّ عن صفاتها الكريمة، ونزعاتها الشريفة وهي:
1. عقيلة بني هاشم والعقيلة هي: المرأة الكريمة على قومها، والعزيزة في بيتها، والسيدة زينب أفضل امرأة، وأشرف سيدة في دنيا العرب والإسلام، وكان هذا اللقب وساماً لذريتها فكانوا يلقبون بـ(بني العقيلة).
2. العالمة وحفيدة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من العالمات في الأسرة النبوية، فكانت فيما يقول بعض المورخين: (مرجعاً للسيدات من نساء المسلمين يرجعن إليها في شؤونهن الدينية)(5).
3. عابدة آل علي وكانت زينب من عابدات نساء المسلمين، فلم تترك نافلة من النوافل الإسلامية إلا أتت بها. ويقول بعض الرواة: (إنّها صلّت النوافل في أقسى ليلة وأمرّها وهي ليلة الحادي عشر من المحرم)(6).
4. الكاملة وهي أكمل امرأة في الإسلام بعد أمها وجدتها خديجة في فضلها وعفتها وطهارتها من الرجس والزيغ.
5. الفاضلة وهي من أفضل نساء المسلمين في جهادها وخدمتها للإسلام، وبلائها في سبيل الله، فهذه بعض ألقابها التي تدلّل على سمو ذاتها وعظيم شأنها
سنة ولادتها:
أما السنة التي وُلدت فيها عقيلة آل أبي طالب، فقد اختلف المؤرخون والرواة فيها، وهذه بعض أقوالهم. 1. السنة الخامسة من الهجرة في شهر جمادى الأولى. 2. السنة السادسة من الهجرة. 3. السنة التاسعة من الهجرة وفنّد هذا القول الشيخ جعفر نقدي، فقال: (وهذا القول غير صحيح لأن فاطمة عليها السلام توفيت بعد والدها في السنة العاشرة أو الحادية عشرة على اختلاف الروايات، فإذا كانت ولادة السيدة زينب في السنة التاسعة وهي كبرى بناتها فمتى كانت ولادة أم كلثوم، ومتى حملت بالمحسن وأسقطته لستة أشهر). وقال: (والذي يترجح عندنا هو أن ولادة زينب كانت في السنة الخامسة من الهجرة)، وذكر مؤيدات أخرى لما ذهب إليه(7).
زواجها من عبد الله بن جعفر :
لقد كان عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فذاً من أفذاذ الإسلام وسيداً من سادات بني هاشم، وكان يسمى (بحر الجود)(8). ويقال: (لم يكن في الإسلام أسخى منه)(9). مدحه نصيب فأجزل له في العطاء، فقيل له: تعطي لهذا الأسود مثل هذا؟ فقال: (إن كان أسود فشعره أبيض، ولقد استحق بما قال أكثر مما نال، وهل أعطيناه إلا ما يبلى، وأعطانا مدحاً يروى، وثناءً يبقى)(10). وعوتب على كثرة برّه وإحسانه إلى الناس، فقال: (إنّ الله عودني عادة، وعودت الناس عادة، فأخاف إن قطعتها قطعت عني)(11).
أبناؤها:
ورزق هذا السيد الجليل من الحوراء زينب عليها السلام كوكبة من الأعلام: 1. عون. 2. محمد وقد استشهد في يوم عاشوراء مع أخيه عون. 3. عباس. 4. علي الزينبي. 5. السيدة أم كلثوم وقد زوجها الإمام الحسين عليه السلام من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر.
زهدها في الدنيا:
من أبرز فضائلها النفسية وكمالاتها الأخلاقية زهدها في الدنيا فقد نبذت جميع زينتها ومباهجها مقتدية بأبيها الذي طلق الدنيا ثلاثاً لا رجعة له فيها، ومقتدية بأمها سيدة نساء العالمين زهراء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. فقد كانت فيما رواه المؤرخون لا تملك في دارها سوى حصير من سعف النخيل، وجلد شاة، وكانت تلبس الكساء من صوف الإبل وتطحن بيدها الشعير، إلى غير ذلك من صنوف الزهد والإعراض عن الدنيا.
وقد تأثرت عقيلة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الروح الكريمة فزهدت في جميع مظاهر الدنيا، وكان من زهدها أنها ما ادخرت شيئاً من يومها لغدها حسبما رواه عنها الإمام زين العابدين عليه السلام(12). وقد طلقت الدنيا وزهدت فيها وذلك بمصاحبتها لأخيها أبي الأحرار عليه السلام. فقد علمت أنه سيستشهد في كربلاء أخبرها بذلك أبوها، فصحبته وتركت زوجها الذي كان يرفل بيته بالنعيم، ومتع الحياة. فقد عد من أغنى أغنياء العرب لكنها رفضت ذلك كله وآثرت القيام مع أخيها لنصرة الإسلام والذبّ عن مبادئه وقيمه، وهي على علم بما تشاهده من مصرع أخيها، وما يجري عليها بالذات من الأسر والذل، لقد قدمت على ذلك خدمة لدين الله تعالى.
وفاتها عليها السلام:
ولم تمكث العقيلة بعد كارثة كربلاء إلاّ زمناً قليلاً حتى تناهبت الأمراض جسمها، وصارت شبحاً لا تقوى حتى على الكلام، ولازمت الفراش وهي تعاني آلام المرض، وما هو أشق منه وهو ما جرى عليها من الرزايا، وكانت ماثلة أمامها حتى الساعات الأخيرة من حياتها… وقد وافتها المنية ولسانها يلهج بذكر الله وتلاوة كتابه. وقد صعدت روحها الطاهرة إلى السماء كأسمى روح صعدت إلى الله تحفها ملائكة الرحمن، وتستقبلها أنبياء الله وهي ترفع إلى الله شكواها، وما لاقته من المحن والخطوب التي لم تجر على أي إنسان منذ خلق الله الأرض. انتقلت العقيلة إلى جوار الله تعالى على أرجح الأقوال يوم الأحد لأربع عشرة مضين من شهر رجب سنة 62 هجرية(13). وقد آن لقلبها الذي مزقته الكوارث أن يسكن ولجسمها المعذب أن يستريح.
(1) الطراز المذهب: ص38. (2)
(2)بطلة كربلاء: ص21.
(3) زينب الكبرى: ص16 ــ 17.
(4) زينب الكبرى: ص17.
(5و 6) السيدة زينب عليها السلام، باقر شريف القرشي: ص40.
(7) زينب الكبرى: ص18.
(8) أسد الغابة: ج3، ص134.
(9) الاستيعاب: ج3، ص881.
(10و11) الاستيعاب: ج3، ص882.
(12) صحيح الترمذي: ج2، ص319.
(13) السيدة زينب وأخبار الزينبيات للعبيدلي: ص9.