الحب شيء مقدّس في نظر الإسلام، والقرآن، وقادته المعصومين (ع)، وبه قوام الحياة المعنوية، ويمكن أن يكون وجهاً من وجوه الطاعة، والقربة، كحب الله، وأنبيائه و رسله، والصالحين من أوليائه، وحب الناس، وفعل الخير، وكلّما كان بإطار شرعي صحيح – كحب الزوجين لبعضهما، وحب الوالدين، والأبناء، والأهل، والمحارم – كان أنفع للفرد في الدنيا والآخرة.
وقد انعكس هذا المعنى من الحب في القرآن الكريم، وروايات أهل البيت (عليهم السلام )
قال تعالى : (( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )) آل عمران: ٣١.
قال تعالى :(( إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ )) يوسف: ٨.
وقد ورد عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : (إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره).
وعن الإمام الصادق عليه السلام، أنه قال: ( إذا أحببت رجلاً فأخبره بذلك فإنه أثبت للمودة بينكما).
وقد ورد كذلك: (وما الدين الّا الحب).
وورد : (قول الرجل للمرأة إني أحبك لا يذهب من قلبها أبداً).
وأفضل من ذلك كله هو الحب المبني على الدين والعقيدة فقد ورد: (( أقوى عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)).
فكان الأحرى بمن يريد أن يسعى الى زرع الحب في نفوس الناس أن يتبع تعاليم الشريعة المقدسة، ويلتزم بأطرها العامة كي يكون مرضيا عند الله تعالى؛
لا أن يتّبع تلك القصة التي تعبّر عن غرام، وعشق غير مؤطّر بأُطر الشريعة، والذي يريد ان يتمسّك به مروجو الفسق، والفجور بدواعي غير عفيفة.
فقد قيل: (لماّ دخل الرومان في النصرانية بعد ظهورها وحكم الرومان الإمبراطور الروماني (كلوديوس الثاني) في القرن الثالث الميلادي منع جنوده من الزواج؛ لأن الزواج يشغلهم عن الحروب التي كان يخوضها، فتصدى لهذا القرار (القديس فالنتاين) وصار يجري عقود الزواج للجند سرا، فعلم الإمبراطور بذلك فزج به في السجن وحكم عليه بالإعدام وفي سجنه وقع في حب ابنة السجان، وكان هذا سراً حيث يحرم على القساوسة والرهبان في شريعة النصارى الزواج وتكوين العلاقات العاطفية، ونفذ فيه حكم القتل يوم 14 فبراير عام 270 ميلادي ليلة 15 فبراير، ومن يومها أطلق عليه لقب قديس واحتُفل بعيد الحب).
ونحن نوصي المؤمنين، والمؤمنات الملتزمين بدينهم ان لا ينخدعوا بهذه العناوين البراقة، وليطبّقوا ما يدعوهم إليه دينهم وشريعتهم.
ويعزُّ علينا أن يجتمع عدد من الشباب، والشابات ليباشروا الغناء، والموسيقى الصاخبة، والمظاهر السيئة بدعوى عيد الحب، حتى في بعض المدن المقدّسة، كما حدث ذلك في السنتين الأخيرتين مع الأسف الشديد.
فلماذا لا نجعل من يوم ولادة النبي (صلى الله عليه وآله)، أو ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوما لحب الأب، والزوج.
أو نجعل يوم ولادة أم المؤمنين خديجة الكبرى وابنتها سيدة نساء العالمين (عليهما السلام) يوما لحب الأم، والزوجة.
أو نجعل يوم زواج النبي (صلى الله عليه وآله ) من أم المؤمنين خديجة، أو يوم زواج أمير المؤمنين من الزهراء (عليهما السلام) يوماً لحب الزوجين، والتوادد، والمحبة بينهما.
فإن هذه أيام مباركة وعظيمة عند الله تعالى ولا يقارن بها ماذكر في القصة المنقولة.
وأننا نلاحظ أن مروجي ما يسمّى بـ ( عيد الحب) يهدفون من ذلك جملة أمور كلها مخالفة للشريعة:
-الإختلاط المحرم بين الجنسين.
-هتك القيم الأخلاقية وزرع ثقافة الإنفتاح على الجنس الآخر من دون قيود وشروط.
-تخصيص الحب بعلاقات عاطفية غير سليمة، وخارجة عن إطار الزواج الذي أقره الله تعالى، ومال إليه العقلاء وذلك تكشف عنه القصة المذكورة
-إشاعة كل ما يهتك العفة ويخدش الحياء، والسعي لجعله أمراً مستأنساً به من قبل الناس.
ونحن نعلم أن الإسلام فتح باب الحب بإطاره المقدس حيث ذكر الفقهاء: ( الإرتباط بالجنس الآخر مباح، بل مستحب ومن السنن المباركة إذا كان ضمن الاُطر الشرعية – اعني الزواج – وبحسب الأصول، والتقاليد الإجتماعية المتعارفة ، وسيكون مثل هذا الحب إلهياً مباركاً، فالشارع المقدس لا يريد كبت المشاعر والعواطف ولا إلغاءها ولكن يريد أن يوظّفها في الإتجاه المثمر البناء وليس في الإتجاه الذي يوقع في الخطأ والخطيئة، ويوجب العار الإجتماعي خصوصاً على الفتاة وأهلها).
وينبغي على المؤمن ان يحتفل كل يوم، بل كل لحظة بحب الله تعالى، وحب نبيه، وحب إمامه لاسيما الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف لأنه الحجة الفعلية على الأرض، وهو حي يرزق يعيش بين ظهرانينا، ويسمع كلامنا، ويرى أفعالنا.
ويكون ذلك الحب بإبراز الولاء له وأداء الواجبات الشرعية والإبتعاد عن المحرمات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والمفروض أن مروّجي ما يسمّى بـ (الفالنتاين) هم الذين يتأثرون بالمؤمنين ويغيّرون سلوكهم إلى سلوك عفيف وشريف ؛ وليس أن المؤمن يتأثر ويجنح خلفهم، ويترك ذلك التراث العظيم في إرساء معنى الحب الذي ركزّه القرآن الكريم، والنبي العظيم في نفوس أتباعه، ومريديه، وعموم الناس.
قال تعالى :(( أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ )) البقرة:61ۚ.
والخلاصة: أن الإسلام هو الذي يعلّم الناس الحب الصادق النبيل الطاهر من خلال الأُطر الشرعية الصحيحة ولسنا بحاجة الى أن يسيرنا غيرنا الى ما لا يرضي الله تعالى.
الشيخ ميثم الفريجي