قال الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾
في التقويم الإسلاميّ يحمل اليومُ الخامسُ والعشرون من ذي القعدة الحرام عنوان (يوم دَحْو الأرض) لمشهدٍ من مشاهد الخَلْق العظيمة، وواقعةٍ جليلةٍ في بديع الخلق الإلهيّ، وهي مذكورةٌ في الكتاب العزيز في آيتين: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا) و (وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا)، ومعنى الدحو لغةً: دَحَا – يدحو دحواً، ودحا الشيءَ: بسطه، وتدحّى الشيءُ تدحّياً أي تبسَّط، واندحى البطنُ: اتّسع. المنجد باب -دحا-.
وليلة دحو الأَرْض هو انبساط الأَرْض من تحت الكعبة على الماء ومدُّها وبَسْطُها وتهيئتها لكي يحيى عليها الإنسانُ وبقيّة المخلوقات، وهي ليلةٌ شريفة تنزل فيها رحمةُ الله تعالى، وللقيام بالعبادة فيها أجرٌ جزيل. وروي أنّ ليلة خمسٍ وعشرين من ذي القعدة وُلد فيها نبيّ الله ابراهيم(عليه السلام) وولد فيها عيسى بن مريم(عليه السلام) وفيها دُحيت الأَرْض من تحت الكعبة، ويوم الخامس والعشرين أحدُ الأيّام الأَرْبعة التي خُصّت بالصيام من بين أيام السنة. وعلى رواية أخرى: “من صام هذا اليوم وقام ليلته فله عبادة مائة سنة ويستغفر لمن صامه كل شيء بين السماء والأَرْض وهو يومٌ انتشرت فيه رحمة الله تعالى، وللعبادة والاجتماع لذكر الله تعالى فيه أجرٌ جزيل”.
وإنَّ أوّل موضع تحدَّد في هذه الأرض هو موضع الكعبة الشريفة، ثمَّ بسط الله تعالى الأرض من جوانب هذا الموضع فهو المركز الذي انبسطت الأرض من بين أفنيته وجوانبه، وذلك هو معنى دحو الأرض من تحت الكعبة الشريفة، ويمكن تأكيد ذلك ببعض الروايات الواردة عن أهل البيت(عليهم السلام)، فقد ورد عنهم أنًّ دحو الأرض كان بعد خلقها بألفي عام.
إنّ الله سبحانه وتعالى بسط الأرض بمعنى مدّها من تحت الكعبة المشرَّفة، وليس في هذا اليوم خلقت الأرض وقد تقدّم كلام التبيين في كونها كانت مخلوقةً من قبل إلّا إنّها في هذا اليوم وهو الخامس والعشرون من شهر ذي القعدة الحرام بُسطت، ويؤيّد ذلك الأحاديث الشريفة، فعن أبي عبدالله الإمام الصادق(عليه السلام) قال: (إنّ الله تعالى دحا الأرض من تحت الكعبة الى منى، ثم دحاها من منى إلى عرفات ثم دحاها من عرفات إلى منى، فالأرض من عرفات وعرفات من منى، ومنى من الكعبة) تفسير نور الثقلين: ج5/ص502.
وجاء في كتاب مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمّي، أنّ لهذا اليوم سوى الصّيام والعبادة وذكر الله تعالى والغُسل أعمالاً منها: الصلاة المرويّة وهي ركعتان تُصلّى عند وقت الضحى بالحمد مرّة والشّمس خمس مرّات في كلّ ركعة، ويقول بعد التّسليم: (لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلّا بِاللهِ الْعَليِّ الْعَظيمِ) ثمّ يدعو بهذا الدعاء: (يا مُقيلَ العَثَراتِ أَقِلْني عَثْرَتي، يا مُجيبَ الدَّعَواتِ أَجِبْ دَعْوَتي، يا سامِعَ الْأَصْواتِ اِسْمَعْ صَوْتي وَارْحَمْني وَتَجاوَزْ عَنْ سَيِّئاتي وَما عِنْدي يا ذَا الْجَلالِ وَالْإكْرامِ).