وعلى أي حال فإن سؤالاً هنا يجري تداوله قد يصل إلى مستوى الإشكال بأنه هل يُعقل إعطاء مثل هذا الثواب العظيم لعمل بسيط بالنسبة لذلك الثواب، ويدفع هذا الإشكال البعض إلى التشكيك في صحة هذه الروايات
وقد اجاب سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي دام ظله عن هذا الاشكال من خلال حديثه والذي كان بعنوان (سعة كرم الله تعالـى)(1) حيث ان اهم ماذكر في هذا الحديث هو :
تذكر الروايات الشريفة ثواباً جزيلاً يُعطى لمن قام بطاعة ما كصلاة معينة أو زيارة المعصومين (ع) أو صوم أيام معيّنة، كاعتبار صوم اليوم يعادل صوم الدهر أو كفارة ستين سنة ونحوها، وهذا يشكّل حافزاً للمؤمنين لكي يندفعوا للقيام بهذا العمل المستحب غير الواجب، وهذا تحرك مرضي لله تعالى ولرسوله (ص) ما دام قد رضيه الله ورسوله ودعا إليه المعصومون (ع)، وإن كانت النية الأكمل أن يقوم العبد بالفعل لأن الله تعالى يحبّه ويريده ولأن المعصومين (ع) دعوا إليه بغضّ النظر عمّا رصد له من ثواب.
وعلى أي حال فإن سؤالاً هنا يجري تداوله قد يصل إلى مستوى الإشكال بأنه هل يُعقل إعطاء مثل هذا الثواب العظيم لعمل بسيط بالنسبة لذلك الثواب، ويدفع هذا الإشكال البعض إلى التشكيك في صحة هذه الروايات.
وهذا الإشكال مردود لأن العمل إذا حظي بالقبول والرضا من الله تبارك وتعالى فإنه لا حدود لعطائه ويزكيه وينميه حتى يكون مثل جبل أحد –كما في بعض الروايات- ويضرب الله تعالى لنا مثالاً لذلك قال تعالى [مَثَلُ الذِينَ يُنفِقُونَ أمْوَالَهُم في سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أنبَتَتْ سَبعَ سَنَابِلَ في كُلِّ سُنبُلِةٍ مِئَةُ حَبّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] (البقرة:261).
يُحكى أن النبي الكريم يوسف الصديق (ع) لما استتب له ملك مصر كان له مجلس عام للناس يقضي حوائجهم ويرفع عنهم ظلاماتهم، وفي احد الأيام كان هناك شاب متواضع لا يُلتفت إليه وكان الروح الأمين جبرائيل إلى جانب النبي يوسف (ع) فسأله أتعرف هذا الشاب؟ قال (ع): ومن يكون؟ قال (ع) هذا الطفل الصغير الذي شهد ببراءتك عندما راودتك امرأة العزيز واستبقتما الباب وألفيتما العزيز لديها.
فاهتم به يوسف (ع) وأكرمه وخلع عليه الهدايا، وهنا تبسّم الروح الأمين وقال ليوسف: إن شهادة واحدة بالتنزيه والبراءة لك أوجبت هذا العطاء الكثير فكيف سيكرّم الله تعالى عباده الذين يشهدون له تبارك وتعالى يومياً عدة مرات بالتنزيه والبراءة من الشركاء ويسبّحونه.
أقول: لعلكم تتفقون معي أن يوسف الصديق (ع) مهما أعطى إلى هذا الشاب فإنه قليل بإزاء قيمة الشهادة التي أدلى بها ذلك الشاب عندما كان طفلاً حين أنقذ يوسف (ع) مادياً من القتل ومعنوياً بتبرئته من الفاحشة والظلم وتنزيه ساحته. هذا ويوسف (ع) مهما كان ملكه عظيماً فهو مخلوق لا يملك لنفسه شيئاً، فكيف هو عطاء الله تبارك وتعالى الخالق العظيم مالك السماوات والأرض الجواد الكريم لعباده الذين يسبحون بحمده وله يسجدون.
وفي ضوء هذا نعرف فضل النبي (ص) والأئمة المعصومين (ع) لأنهم علّمونا ما نعبد الله تعالى به وما نسبحه به ونحمده، يكفي أن صلاة واحدة –وهي صلاة جعفر الطيار فيها ثلاثمائة تسبيحة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر بالكيفية المعروفة –وأفضل أوقاتها ضحى يوم الجمعة ولا تأخذ وقتاً أزيد من ثلاثة أرباع الساعة بالمعدل فالمفروض أن نشعر بالشكر والامتنان لرسول الله (ص) كلما أدّينا هذه الصلاة لأنه (ص) علمنا إياها وكذا بقية الأعمال.
وتصوّروا حينئذٍ أن هذا العطاء لمن أدى الشهادة لله تبارك وتعالى بلسانه أو بقلبه وحركة بدنه، فماذا يكون عطاء الله تبارك وتعالى لمن أدى الشهادة بروحه ودمه وهو الشهيد في سبيل الله تبارك وتعالى وإنّما سُمّي شهيداً، لأنه يشهد على مبادئه ومعتقداته التي آمن بها بدمه وروحه ونفسه التي هي أعز ما عنده (والجود بالنفس أقصى غاية الجود) حينما اكتفى غيره بالشهادة باللسان أو حركات البدن.
وسُمّي شهيداً لأنه يشهد على الأمة ويقيم الحجة عليها بتضحيته بنفسه في سبيل الله تبارك وتعالى، فلا نستغرب ما أعدّ الله تبارك وتعالى من الكرامة والدرجة الرفيعة للشهداء، وأعظم هذا العطاء الذي لا حدود له استحقه سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) لأن عطاءه كان بلا حدود، وجسّد شهادته لله تبارك وتعالى بنفسه الشريفة وأولاده وإخوته وعشيرته وأصحابه وتعريض نسائه للسبي وهُنَّ ودائع النبوة.
ولعل هذا يفسّر لنا تشريع زيارات مخصوصة للإمام الحسين (ع) في كل أيام الله تبارك وتعالى كالأول والنصف من رجب والنصف من شعبان وليلة القدر ويوم عرفة والعيدين لان شهادته (ع) أعظم شهادة على المبادئ الحقّة.
ونحن اليوم في واحد من تلك الأيام المباركة وهو يوم عرفة وقد قضيتم زيارة أمير المؤمنين (ع) في النجف الأشرف وعدداً من الأعمال الصالحة وانتم متوجهون إلى كربلاء المقدسة لزيارة الإمام الحسين (ع) المخصوصة ليوم عرفة والعيد فاشكروا الله تعالى على هذه النعم العظيمة وأكثروا من الدعاء لإخوانكم المؤمنين فإن الله تعالى تكفّل بالإجابة، ولتكن مطالبكم سامية تليق بكرم الله تعالى وشاملة لخصال الخير في الدنيا والآخرة كما ورد في بعض الأدعية (ربِّ أدخلني في كل خير أدخلت فيه محمداً وآل محمد (صلى الله عليه وعليهم أجمعين) وأخرجني من كل سوء أخرجت منه محمداً وآل محمد (صلى الله عليه وعليهم أجمعين) وما ورد في أدعية رجب (أعطني بمسألتي إياك جميع خير الدنيا وجميع خير الآخرة، واصرف عني بمسألتي إياك جميع شر الدنيا والآخرة فإنه غير منقوص ما أعطيت وزدني من فضلك يا كريم).
([1]) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع مئات من طلبة الجامعات والإعداديات أقلتهم ثمان حافلات كبيرة وقضوا ثلاثة أيام تضمنت زيارة أمير المؤمنين والمشاهد المقدسة في النجف والكوفة والزيارة المخصوصة للإمام الحسين (ع) في يوم عرفة والعيد وفق برنامج عبادي وثقافي، والتقوا بسماحة المرجع يوم عرفة 9/ذ.ح./1432 المصادف 6/11/2011م.