الحياة فرص، والفرص ثمينة، وفواتها لا يُعوّض، وانتهازها دليل الحزم، وعنوان العقل.
ومهما كانت قوة الإنسان العلمية، ونياته الصالحة – فلن ينهض بنفسه إلاّ إذا انتهز الفرص السانحة له، قال الشاعر:
بادرِ الفرصةَ واحذرْ فوْتَها *** فبلوغُ العزِّ في نيلِ الفُرصْ
فابتدرْ مسعاك واعلمْ أنّ مَن *** بادرَ الصيدَ مع الفجرِ قَنَصْ
والذي يُلاحظ أن فرصاً كثيرة تطير من بين أيدينا، دون أن ننتبه لها، فتضيع سدًى، وتذهب دون رجعة.
والحديث ههنا عن معنى من معاني انتهاز الفرص، ألا وهو روح المبادرة حيث جاء في
كلمة سماحة المرجع الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بعنوان: بادروا الى التوبة فإنها تصعب بالتأخير (التورط بأموال الناس أنموذجاً)
حيث اكد سماحته خلال الكلمة على ضرورة المبادرة الى التوبة وعدم التسويف ونعرض هنا اهم ماجاء في الكلمة :
قول الله تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء/17.
ـ يفهم من هذه الآية الكريمة أن الله تعالى قد كتب على نفسه التوبة كما كتب على نفسه الرحمة.
ـ الذي يعمل السوء بجهالة عليه أن يتوب من قريب أي يبادر الى التوبة ويعجل بها فور صحوته وعلمه بجرمه وجريرته، فالتسويف وترك المبادرة بالتوبة يقسي قلب الانسان ويحرمه من هذا الفيض الإلهي.
ـ الكليني، عن علي بن محمد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله ابن حماد، عن علي بن أبي حمزة قال: كان لي صديق من كتاب بني أمية فقال لي:
استأذن لي عن أبي عبد الله (عليه السلام) فاستأذنت له عليه فأذن له فلما أن دخل سلم وجلس ثم قال: جعلت فداك إني كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالا كثيرا وأغمضت في مطالبه؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لولا أن بني أمية وجدوا من يكتب لهم ويجبي لهم الفيئ ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما وجدوا شيئا إلا ما وقع في أيديهم، قال: فقال الفتى: جعلت فداك فهل لي مخرج منه؟ قال: إن قلت لك تفعل؟ قال: أفعل قال له: فأخرج من جميع ما اكتسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ومن لم تعرف تصدقت به وأنا أضمن لك على الله عز وجل الجنة، قال: فأطرق الفتى رأسه طويلا ثم قال: قد فعلت جعلت فداك، قال ابن أبي حمزة: فرجع الفتى معنا إلى الكوفة فما ترك شيئا على وجه الأرض إلا خرج منه حتى ثيابه التي كانت على بدنه، قال: فقسمت له قسمة واشترينا له ثيابا وبعثنا إليه بنفقة، قال: فما أتى عليه إلا أشهر قلائل حتى مرض فكنا نعوده قال: فدخلت عليه يوما وهو في السوق قال: ففتح عينيه ثم قال لي: يا علي وفى لي والله صاحبك، قال: ثم مات فتولينا أمره فخرجت حتى دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فلما نظر إلي قال: يا علي وفينا والله لصاحبك، قال: فقلت: صدقت جعلت فداك هكذا والله قال لي عند موته.
ـ واحدة من مناقب هذه الرواية ـ مكانة ومنزلة أئمة أهل البيت عند الله عز وجل، فمن يمكن أن يضمن عند الله الجنة؟؟؟ هؤلاء هم أئمة أهل البيت وهذا مقامهم وهذا علمهم وهذا قربهم من الله عز وجل.
ـ درسٌ تنموي من هذه الرواية الكريمة/ أنه عندما يقع أحدٌ في الخطأ والخطيئة عليه أن يبادر إلى التوبة، أولاً: حتى يضمن التوبة من الله تعالى لأن الله تعالى يقول: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء/17.
ـ وقوله تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) سورة النساء.
ـ الجهالة: ليس عدم العلم، أنما تعني النزق والحماقة وعدم التعقل وعدم الحكمة، وإلا عدم العلم لا يحاسب عليه الإنسان، ومن قبل الجهالة هو الجاهلية فهي ليس عدم وجود علم، فالحضارات الرومانية والفارسية واصلة إلى درجات في التقدم والرقي العلمي، إنما تسمى جاهلية من الجهالة عدم التعقل عدم الروية عدم الحكمة.
ـ يعملون السوء بجهالة: يعني كل ذنب يعمله العبد وإن كان به عالما فهو جاهلٌ حين خاطر بنفسه في معصية ربه.. كما ورد عن المعصوم.
ـ عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن حماد، عن حميد، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): إني وليت عملا فهل لي من ذلك مخرج؟ فقال: ما أكثر من طلب المخرج من ذلك فعسر عليه، قلت: فما ترى؟ قال: أرى أن تتقي الله عزّ وجلّ ولا تعد.
ـ الحكمة في استعمال برامج التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وما شابه، على الانسان أن يعمد إليها لإشاعة ثقافة المحبة والتسامح والأفكار المثمرة، ولكن للأسف نرى الواقع أنها أصبحت مشاريع للتسقيط والافتراءات على المؤمنين، وللأفكار الهدامة.
قال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الاسراء ـ 36.
1- التي ألقاها في وفد طلبة جامعة كربلاء ووفد أهالي قلعة سكر بتاريخ 9 ـ شوال ـ 1438هـ 4ـ 7 ـ 2017.