وأوضح مصاديق ذلك وأشدها غفلة وخسارة هي عدم الشعور بكون الله تعالى رقيباً عليه، فتجد الإنسان قد يؤمن نظرياً بأن الله تبارك وتعالى يراه [وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ] (يونس:61) لكن من حيث التطبيق لا تجد هذا الاعتقاد منعكساً على أفعاله، وهو علامة على أن إيمانه لم يكن واقعياً، وإلا لو كان كذلك لظهر أثر واقعية الإيمان في فعله.
هذا مما جاء في كلمة توجيهية لسماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي دام ظله في يوم الاثنين 2/ذو الحجة الموافق 8/11/2010 زار وفد من إحدى حملات الكرادة الشرقية في بغداد مقر بعثة سماحة الشيخ (دام ظله) في مدينة مكة المكرمة، وألقى مرشد الحملة كلمة بهذه المناسبة وطلب من سماحة الشيخ كلمة إرشادية فاستجاب (دام ظله) لطلبهم وألقى هذه الكلمة فيهم.
حيث جاء فيها :
غالباً ما يدفع الشعور بالمراقبة من قبل الغير بالإنسان إلى سلوك معين مختلف عن سلوكه لو لم يكن يشعر بكونه مراقباً، وهذا أمر واضح وله عدة أمثلة وتطبيقات في الواقع، فالإنسان يفعل في السر أموراً يخشى ويخجل من فعلها في العلن، ولو علم حينها أنه مراقب لما فعلها بكل تأكيد، فسائق السيارة مثلاً حين يواجه إشارة المرور في طريقه لا يجد أثراً لشرطي المرور فإنه يتجاوز الإشارة الحمراء دون تردد، لكنه لو كان يعلم بأن هناك كاميرات خفية تقوم برصده وأن هناك من يراقبه لما أقدم على تجاوز حدوده في الشارع، وهكذا كثير من أفعال الإنسان التي يقوم بها في السر وهو في غفلة عمن يراقبه فيها.
وأوضح مصاديق ذلك وأشدها غفلة وخسارة هي عدم الشعور بكون الله تعالى رقيباً عليه، فتجد الإنسان قد يؤمن نظرياً بأن الله تبارك وتعالى يراه [وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ] (يونس:61) لكن من حيث التطبيق لا تجد هذا الاعتقاد منعكساً على أفعاله، وهو علامة على أن إيمانه لم يكن واقعياً، وإلا لو كان كذلك لظهر أثر واقعية الإيمان في فعله.
وقد أشارت بعض نصوص الأدعية الشريفة إلى هذه المفارقة، فمن ذلك قول الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة: (يا من سترني من الآباء والأمهات أن يزجروني، ومن العشائر والإخوان أن يعيروني، ومن السلاطين أن يعاقبوني، ولو اطلعوا يا مولاي على ما اطلعت عليه مني إذن ما أنظروني، ولرفضوني وقطعوني).
ومنه قول الإمام السجاد (عليه السلام) في دعاء أبي حمزة: (فلو اطلع اليوم على ذنبي أحد غيري ما فعلته، ولو خفت تعجيل العقوبة لاجتنبته، لا لأنك أهون الناظرين إلي وأخف المطلعين عليّ، بل لأنك يا رب خير الساترين وأحكم الحاكمين، وأكرم الأكرمين، ستار العيوب، غفار الذنوب، علام الغيوب، تستر الذنب بكرمك، وتؤخر العقوبة بحلمك، فلك الحمد على حلمك بعد علمك، وعلى عفوك بعد قدرتك).
ومن مصاديق ذلك أيضاً الغفلة عن الموت مع الاعتقاد به يقيناً، حتى قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما رأيت يقيناً أشبه بشك من الموت)([2])، فنحن نؤمن بأن الموت حق، وأنه لا بد أن يختطفنا في أية لحظة من لحظات العمر، ولكن كم واحد منا يؤمن بذلك عملياً، بمعنى أنه استعد له وتهيأ وأدى ما عليه واجتنب كل ما حرم الله عز وجل، والحال أنك تجد العكس من ذلك، فالكثير منا يعمل وكأنه سيظل خالداً في هذه الدنيا.
ومن مصاديق الغفلة والتصرف بخلاف وجود المراقبة ما ذكرته الرواية الشريفة: (والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه)وهي رواية موجودة وصحيحة، إذن نحن بمرأى من الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، فمن يستشعر الخجل والحياء من فعل أمر أمام الناس علناً في حين يفعله في السر، مثل هذا الإنسان كيف به إذا اعتقد أن إمامه يراه دائماً، بالتأكيد إن ذلك سيدفعه إلى أن يكون أكثر مراقبة لنفسه في تعاملاته وتصرفاته، وبطبيعة الحال إن مثل هذه الأحاديث حين يمر بها الإنسان ويستشعر كل هذه الكاميرات التي تراقبه فإنه لن يتعامل مع الآخرين وكأنه في مغالبة على الدنيا، وسعي إلى الحصول على الغنائم والمكاسب الدنيوية، بل يستشعر مسؤوليته أكثر، ويحاسب نفسه أكثر، لأننا لن نُترَك سدىً وليس الأمر منتهياً، صحيح أن حلم الله تبارك وتعالى طويل لكنه يؤجلهم إلى يوم [لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً] (الكهف: 49).
نسأل الله تبارك وتعالى أن يعيننا على طاعته وأن ينقذنا من الغفلة وأن نكون ذاكرين لله تبارك وتعالى ولإمامنا عجل الله فرجه الشريف، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.