مقدمة
إن المحنة التي تعيشها أمتنا المعاصرة هي من أشد المحن التي تمر عليها , فبالإضافة إلى ضعفها وبعدها الشديد عن الإسلام وأصالته , جاء الفساد على كل مستوياته كنتيجة طبيعية لهذا البعد لينخر فيما تبقى من جسدها , وللأسف كان العضو الأبرز في هذا الإفساد هو المرأة , حيث استطاعت ما يسمى بالحضارة الغربية من خلال المرأة أن تخترق الأمة الإسلامية لتنشر الفساد وتعم الفوضى على كل مستوياتها الفكرية والإنسانية وغيرها حيث ركز الآخر على بعدها الأنثوي وأهمل البعد الإنساني الذي يشكل أصالتها ويشترك بأرضيته وأبعاده مع البعد الإنساني عند الرجال . ولكن لا نريد هنا أن نلقي باللوم على الحضارة الغربية في عملية الفساد والإفساد, فالمسؤولية موزعة على الجميع , فلماذا تمكن أعداؤنا منا؟ ولماذا لم نحصن نساءنا ضد هذا الوباء الخطير؟ وهل تم تجاهل المرأة أو إهمالها لتصل إلى هذا الوضع الخطير؟ أو هل تم قراءة المرأة دينيا بشكل متشدد مما أدى إلى نفورها؟ وما هو الدور الملقى على عاتقنا جميعا في ظل هذا الانحراف الخطير ؟ هل نقف متفرجين أم ننهض بأنفسنا وفكرنا ونعيد النظر في كثير من مفاهيمنا الدينية التي قد يكون فهمنا لها تأثر بظروف بيئية واجتماعية معينة؟
وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة لنستقرئ تاريخ المرأة الإنساني في عصور مختلفة.
المرأة في عصر الجاهلية(ما قبل الإسلام):
ينقل لنا التاريخ وقائع كثيرة تحدثت عن الجو العام في عصر الجاهلية ونظرة رجالات ذلك العصر للمرأة وكيفية التعامل معها.ولقد ذكر العلامة السيد الطباطبائي في جملة من أحوال المرأة في المجتمع الإنساني من أدوار مختلفة قبل الإسلام وزمن ظهوره ويستنتج من جميع ذلك ما يلي:
أولا : أنهم كانوا يرونها إنسانا في أفق الحيوان العجم, أو إنسانا ضعيف الإنسانية منحطا لا يؤمن شره وفساده لو أطلق من قيد التبعية , واكتسب الحرية في حياته.
ثانيا: أنهم كانوا يرون وزنها الاجتماعي أنها خارجة من هيكل المجتمع المركب غير داخلة فيه , وإنما كالأسير المسترق الذي هي من توابع المجتمع الغالب , ينتفع من عمله ولا يؤمن كيده على اختلاف المسلكين.
ثالثا: أنهم كانوا يرون حرمانها في عامة الحقوق التي أمكن انتفاعها منها إلا بمقدار يرجع انتفاعها إلى انتفاع الرجال القيمين بأمرها.
رابعا: أن أساس معاملتهم معها فيما عاملوا هو غلبة القوي على الضعيف وبعبارة أخرى قريحة الاستخدام.[1]
هذه نبذة مختصرة عن حياة المرأة في العصر الجاهلي , هذا بالإضافة إلى ظاهرة وأد البنات التي تعتبر انتهاكا صارخا لحق الإنسان الطبيعي في الحياة التي وهبها له الله.
وفي غضون ذلك العصر المظلم وفي ظل هذه العقليات التي لا تحمل في فكرها سوى البطش والظلم والإغارة ظهر نور أضاء ظلمة عاكفة تبدد معها الظلام وانقشع مع صباح قدومه الأبصار وهدمت كل أركان الضلال وهو نور السلامة المحمدية التي جاء بها خير البشر محمد (ص) الذي بعث رحمة للعالمين فكيف كان وضع المرأة في هذه الشريعة الجديدة.
المرأة في الإسلام:
جاء الإسلام ليخاطب إنسانية الإنسان لا جنسه ونوعه وتجلى ذلك واضحا في قول الله تعالى ” إني جاعل في الأرض خليفة” فكان الاستخلاف له دلالات عديدة من ضمنها أن هذه الوظيفة الإلهية أنيطت بالإنسان كإنسان وليس كرجل أو امرأة كما أن الأمانة الإلهية التي عرضت على الجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان بإنسانيته دون النظر لجنسه.
فنرى الإسلام جاء ليخاطب المرأة كخطابه للرجل بل قال أكثر من ذلك,بعد أن كانت ليس لها ملكية ولا حكم على نفسها فقال تعالى : ” للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن” , رفع الإسلام هذا المخلوق المضطهد على مر العصور مكانتها وجعلها عزيزة كريمة ساوى بينها وبين الرجال في الأبعاد الإنسانية ولكن حينما تلبست هذه الإنسانية في أجساد مختلفة في البعد المادي والتركيب الظاهري استدعى ذلك الاختلاف في القوالب اختلافا في الأحكام والوظائف والواجبات تتناسب وأبعاد كل جنس المادية وبما يتلاءم مع هذا القالب.
وهكذا أخذت المرأة تحتل مكانتها الطبيعية في المجتمع الإسلامي ولقد قال العلامة الطباطبائي في ذلك بتصرف : أما الإسلام فلقد أبدع في حقها أمرا ما كانت تعرفه الدنيا منذ قطنها قاطنوها, وخالفهم جميعا في بناء بنية فطرية عليها كانت الدنيا هدمتها من أول يوم وأعفت آثارها, وألغى ما كانت تعتقده الدنيا في هويتها اعتقادا وما كانت تسير فيها سيرتها عملا . [2]
ولقد قال تعالى في مقياس التفاضل بين الناس جميعا ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”. فجعل ميزان التفاضل التقوى لا الجنس, ولقد روي الإمام الصادق (ع) أنه قال : ” المرأة الصالحة خير من ألف رجل غير صالح” (وبذلك أشار الإمام أن الإنسانية في نظر الإسلام لها قيمة وميزان واحد للكرامة بغض النظر عن الجنس والصفات الطبيعية وهذا الميزان هو التقوى وأفضلية العمل الصالح . فمتى ما توفرت التقوى والصلاح كانت الإنسانية أفضل وأكمل فلا المرأة بما هي امرأة تفصل الرجل ولا الرجل بما هو رجل يفضل المرأة.)[3]
” ولقد ساوى الإسلام بينها وبين الرجل من حيث تدبير شئون الحياة بالإرادة والعمل فإنهما متساويان من حيث تعلق الإرادة بما يحتاج إليه البنية الإنسانية في الأكل والشرب وغيرهما من لازم البقاء , فلها أن تستقل بالإرادة ولها أن تستقل بالعمل وتمتلك نتاجها كما للرجل ذلك من غير فرق {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } أما التمايز في بعض الأحكام أو الوظائف بينها وبين الرجل فهي ليست من باب الأفضلية فلقد قال تعالى { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم من بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما} يريد أن الأعمال التي يهديها كل من الفريقين إلى المجتمع هي الملاك لما اختص به الفضل وأن هذا الفضل ما تعين لحوقه بالبعض دون البعض كفضل الرجل على المرأة في سهم الإرث وفضل المرأة على الرجل في وضع النفقة عنها , فلا ينبغي أن يتمناه متمن ومنه ما لم يتعين إلا بعمل عامل كائنا من كان كفضل الإيمان والعلم والعقل والتقوى وسائر الفضائل التي يستحسنا الدين وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء”[4]
فالإسلام جعل للمرأة مكانة لم تكن لها من قبل في العصور السابقة له وكما تشير إلى ذلك الشهيدة بنت الهدى” أنه جعلها مهد الحضارات والثقافات فهي المدرسة الأولى في الحياة وهي أحد العنصرين الأساسيين في تكوين المجموعة البشرية فهي مربية الأجيال وهي نقطة انطلاقة المجموعة البشرية وهي المهد الفطري للوليد وصدرها واهب الحياة للجيل لذلك أولاها الإسلام أهمية في شريعته وأحكامه” .
المرأة في الحضارة الغربية:
في العصر الحديث عندما قامت الثورة الفرنسية التي ينظر إليها الأوروبيون على أنها أم الثورات، وأم الحريات؛ حتى أصبحت محل فخر الدول الأوروبية المسيحية، فإنها اعتبرت المرأة إنسانًا قاصرًا لا تستغل بشؤونها إلى أن عدلت تلك القوانين لصالح المرأة وأخذت بعض الحقوق. عقد في فرنسا اجتماع سنة 1586 م ليبحث شأن المرأة، وما إذا كانت تُعدُّ إنساناً أو لا تُعدُّ إنساناً. وبعد النقاش قرر المجتمعون أن المرأة إنسان ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل. وفي شباط عام 1938 م، صدر قانون يلغي القوانين التي كانت تمنع المرأة الفرنسية من بعض التصرفات المالية، وجاز لها ولأول مرة – في تاريخ المرأة الفرنسية – أن تفتح حساباً جارياً باسمها في المصارف. وفي إنكلترا بقيت النساء حتى السنة 1850م غير معدودات من المواطنين، وظلت المرأة حتى سنة 1882م وليس لها حقوق شخصية، فلا حق لها بالتملك. ولم تُسَوِّ جامعة أكسفورد بين الطالبات والطلاب في الحقوق (في الأندية واتحاد الطلبة) إلا بقرار صدر في 26 تموز 1964م.
“إن قضية المساواة بين الرجل والمرأة لم تأت عقب الثورة الصناعية وحاجة المصانع إلي أيدي عاملة من الجنسين وإنما ترجع بجذورها إلي الثورة الفرنسية 1789 في ظل أجواء تبنتها الثورة عن الحرية والمساواة والإخاء.. حيث شعرت المرأة أنها تعيش في ظلم حقيقي رسمت ملامحه الثقافة السائدة وطبيعة القوانين الجائرة، فطالبت بحقها في توسيع فرص التعليم للمرأة وتحسينها والمساواة في ذلك، والمساواة القانونية في العمل وتولى الوظائف الحكومية ورفعت عدة شعارات منها” إذا كان يحق للمرأة أن ترتقي منصة الإعدام فمن حقها أيضا أن ترتقي المنبر”[5]
وبمثل هذه الشعارات التي اجتاحت دول أوروبا وأمريكا في القرن الثامن عشر، انطلقت الحركة النسائية في أوروبا تطالب بعد أن نزلت إلي ميدان العمل وما صاحبه من تغيرات بتوفير دور للحضانة ورعاية الأطفال والحق في الأجر المتساوي وفي تشريعات تحمي النساء العاملات، وحق الملكية، الطلاق، وحق التعليم العالي وممارسة المهن الطبية وحق الانتخاب والترشيح.
وفي أمريكا عام 1848 عقد في “سينيكا فولز” أول مؤتمر للنساء أعلنت فيه النساء المشاركات عن رغبتهن في تنظيم جهودهن كحركة مجتمعية تسعى للإصلاح الاجتماعي .
وشكلت المطالب الاجتماعية للمرأة أهم ملامح هذه المرحلة ومع هذا استمرت أوضاع المرأة على ما هي عليه وتعنتت الأنظمة الحكومية في الرد علي المطالب الأنثوية حتى ولو كانت عادلة وحقه، حتى بدايات القرن العشرين خاصة مع الحرب العالمية الأولى التي أدت إلى زيادة حجم التواجد النسائي وبدأت كفة الحركات النسائية في الرجحان لصالحها .ومن هنا نجد أن المرأة الأوروبية أظهرت حراكا سياسيا واضحا وكان لها وجودا مؤثرا تجلى في الحربين الكونيتين الأولى والثانية ومارست مصداقا واضحا للمشاركة السياسية من خلال الضغط الشعبي لتحصيل حقوقها وبالتالي أحدثت تغييرا في مسيرتها وإن كانت هذا التغيير سار بشكل بطيء إلا أنها استطاعت أن تحقق لها مكاسب ما كانت لتحلم بها بعد الظلم الذي مورس عليها في ظل الحكم الكنسي ولكن أين وصلت المرأة الأوروبية بعد إعلائها شعار التحرر ومطالبتها بحقوقها والمساواة بين الجنسين ؟
ويقول الكاتب والمفكر مروة أحمد إبراهيم عن وضع المرأة في الغرب الحديث “ويكفي أن نشير إلى أن إحدى السيدات الأمريكيات في 1986 م قد ألفت كتابا أسمته (حياة مهانة: أسطورة تحرير المرأة) واعتمدت في كتابها على إحصائيات دقيقة، حيث أكدت أن الأجر ( الراتب الشهري ) للمرأة في أمريكا لا يزيد على نسبة 64% من أجر الرجل عن العمل المؤدى نفسه، وفي السويد لا تبلغ النسبة إلا 81% فقط، أما عن حوادث الاغتصاب التي نتجت عن حرية المرأة المزعومة، فقد سجلت التقارير أن نسبة إمكان اغتصاب الأنثى في أمريكا من 1: 5، والتقديرات المحافظة من 1: 7، أي أنه على أفضل تقدير فإن واحدة من كل سبع نساء يتعرضن للاغتصاب في أمريكا.
وفي إحصائيات أخرى كان عدد المغتصبات اللاتي سجلن حوادث اغتصاب في الشرطة في عام 1996 م هو 90430 حالة، أما اللاتي لم يسجلن فيقدرن بحوالي 310000 حالة، وسبب عدم الشكوى هو اليأس من إمكان الشرطة أن تساعد أو تعرف، وعدم جدوى التقرير. وفي كندا سجلت 20530 حالة اغتصاب، وليس هناك إحصاء لغير المسجلين، ويوجد في كندا 150 مركزا لمساعدة المغتصبات، وفي استراليا 75 مركزا، وفي نيوزلندا 66 مركزا، وفي إسرائيل سبعة مراكز.
أما عن قتل النساء في الولايات المتحدة؛ فإنه يقتل كل يوم عشر نساء من قبل الزوج أو الصديق، من هذه الحالات 75% يتم القتل بعد أن تترك المرأة صديقها، فينتقم منها بالقتل، أو تطلب الطلاق من زوجها أو تعصيه، وفي روسيا عام 1995 م كانت نصف حالات القتل ضد النساء من قبل أزواجهن أو أصدقائهن، وفي 1993م كان عدد القتلى (14000)، وجرح(54000) جراحات شديدة.
أما عن الملاجئ التي خصصت للنساء المضروبات أو الهاربات من أزواجهن، وهن اللاتي لا يجدن ملجأً عند أهل أو أقارب؛ فيوجد في الولايات المتحدة ( 1400) ملجأ، وفي كندا (400)، وفي ألمانيا (325)، وفي بريطانيا (300)، وفي استراليا (270)، وفي نيوزيلندا (53)، وفي هولندا (40)، وفي أيرلندا (10)، وفي اليابان (5). كما أن دعارة النساء تمثل جانبا كبير الأهمية في اقتصاد بعض الدول ودخلها القومي مثل روسيا، وكوبا… وغيرهما.
وسيلة للضغط السياسي:
وقد كان للحديث عن حقوق المرأة أبعاداً في غاية الخطورة؛ حيث جرى التعامل مع هذه الحقوق على أنها مادة خام يمكن تصنيعها وتحويلها إلى أدوات تتجاوز وظيفتها التقليدية (الدفاع عن المرأة وحريتها) إلى أدوات شديدة الفاعلية في ممارسة الدول الكبرى للإكراه السياسي والاقتصادي على الدول الأخرى؛ وذلك لحمل هذه الدول على قبول شروطها في إدارة سياساتها الخارجية والداخلية، أو في الدعاية الرخيصة ضد ثقافة المجتمعات التي لا تروق للدول أو المنظمات والأحزاب المحتضنة لثقافات مغايرة، ومن تحول جسد المرأة من الاستثمار الاقتصادي إلى الاستثمار السياسي”.
وحول تجاوز المهام المركزية للمرأة, ودورها الحقيقي في البناء الحضاري السليم, وما وقعت فيه أوروبا الحديثة من أخطاء بسبب مبالغتها في تجاوز وظيفة المرأة في الحياة الإنسانية يقول غورباتشوف في البيريسترويكا ما يلي: “لقد قضت الدولة السوفييتية بحزم وبلا هوادة على كل تمييز بحق المرأة مما كان يميز روسيا القيصرية.وهي قد ساوت بينها وبين الرجل من الناحية الاجتماعية وضمنت هذه المساواة بالقانون. نحن نعتز بما قدمته السلطة السوفييتية للنساء: الحق المتساوي مع الرجل في العمل ولا وجود لأية فوارق في الأجور والحماية الاجتماعية. وحصلت المرأة على كل الإمكانيات للحصول على التعليم والترقية والمشاركة في النشاط الاجتماعي والسياسي.ولولا المساهمة النشيطة للمرأة وتفانيها ما كان بإمكانها بناء المجتمع الجديد ولا الصمود في الحرب ضد الفاشية. وببساطة لم يعد للمرأة العاملة في البناء والإنتاج ومجال الخدمات وفي العلوم ولدى تلك الغارقة في العمل الإبداعي,الوقت الكافي للشؤون الأكثر حيوية وهي شؤون الأسرة, وتبين أن مصائب كثيرة ,سواء في مجال تصرف الأطفال والشبيبة أو في مسائل الأخلاق الاجتماعية والتهذيب حتى في الإنتاج مرتبطة بضعف الأواصر العائلية وهبوط مستوى الواجب الأسري.هذه هي المفارقة التي حدثت رغما عن أنه كان لدينا طموح مخلص تم التأكيد على صحته سياسيا بتساوي المرأة مع الرجل في كل شيء.ولكن بدأنا تصحيح هذا التقصير الذي كما لو كان قد أصبح من أفضليات المجتمع, في مسار البيريسترويكا. ولذا تناقش عندنا الآن بحدة ونشاط في الصحافة والمنظمات الاجتماعية بل حتى في كل مكان,في العمل والمنزل,مسألة كيفية استعادة المرأة لوضعها الحقيقي كامرأة”.
وهنا يتضح لنا أن التقدم الذي أنجزته المرأة الغربية في أوروبا الحديثة هو تقدم موهوم في كثير من نواحيه خاصة الإنسانية منها والتي أبعدت المرأة عن دورها الحقيقي وأدخلتها في عالم المساواة مع الرجل والذي تختلف عنه في تركيبتها السيكولوجية والبيولوجية كما أثبتت الدراسات الحديثة حيث أن الأساس في العلاقة بين الرجل والمرأة هو العدالة. ولكن لماذا فشلت المرأة الغربية رغم أنها تحررت من الحكم الأبوي والتسلطي وأصبحت شريكة حقيقية في الدخل القومي الذي يؤثر بشكل إيجابي وكبير على السياسة العامة للدولة.
وبإطلالة على الإيديولوجية الغربية والرؤية الكونية التي تعتمدها في نظرية المعرفة والتي هي الأساس في الفروقات والجدل الفكري العام في العالم ككل.
فنظرية المعرفة التي تعبر عن منظومة الفكر الغربي تعتمد على النظرية الحسية والتجربة والتي تعتبر فيها الحس هو المصدر الرئيسي للمعرفة الإنسانية على مستوى التصور والتجربة على مستوى التصديق,وانطلقت نحو رسم مشروعها الفكري والسياسي ورؤيتها الكونية لتنتهي إلى إيديولوجيا اعتمدتها في منظومتها السياسية ضمن ثالوت (الديمقراطية-الليبرالية-الرأسمالية) مثل الأول نظام الحكم والثاني اعتمد الفرد كأساس للمجتمع أي آمن بأصالة الفرد والثالث النظام الاقتصادي.ولعل ما حرك المجتمع الإنساني نحو التفكير في وضع نظام معرفي ينطلق منه ليحدد إيديولوجيته في هذه الحياة المترامية الأطراف هو السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو النظام الذي يصلح للإنسانية وتسعد به في حياتها الاجتماعية؟
وتصدى الغرب للإجابة عن هذا السؤال بعد مروره في تجربة الحكم الكنسي الذي حكم باسم الدين فقمع الحريات وأنشأ محاكم التفتيش التي تعتبر وصمة عار في جبين العصور الوسطى, لذلك كانت هناك ثورة غربية على كل ما هو ديني وكانت الثورة نتاج ردة فعل لما مارسته الكنيسة على المجتمع الغربي فانطلقت الثورة وتبنت إيديولوجية “أطاح بلون من الظلم في الحياة الاقتصادية وبالحكم الديكتاتوري في الحياة السياسية وبجمود الكنيسة وما إليها في الحياة الفكرية وهيأ مقاليد الحكم والنفوذ لفئة حاكمة جديدة حلت محل السابقين وقامت بنفس دورهم الاجتماعي في أسلوب جديد”[6]
وكان النظام الجديد هو النظام الديمقراطي الرأسمالي والذي قام- كما يقول الشهيد محمد باقر الصدر- على الإيمان بالفرد إيمانا لا حد له, وبأن مصالحه الخاصة بنفسها تكفل-بصورة طبيعية- مصلحة المجتمع في مختلف الميادين.. وأن فكرة الدولة إنما تستهدف حماية الأفراد ومصالحهم الخاصة,فلا يجوز لها أن تتعدى حدود هذا الهدف في نشاطها ومجالات عملها.
ويتلخص النظام الديمقراطي الرأسمالي: في إعلان الحريات الأربع: السياسية, والاقتصادية, والفكرية والشخصية.
ومن وجهة نظرنا نرى أن العالم اتجه نحو الرأسمالية الاقتصادية والتي نعتبرها البوابة التي من خلالها سيطرت القوى الكبرى على العالم وأصبحت الحريات الأخرى فروع لا أصالة لها في المنظومة الغربية الجديدة. لذلك قامت هذه القوى بتسخير كل الطاقات البشرية من الرجال والنساء في عملية الإنتاج.
ولعل الاطلاع على ما يحدث حاليا في الغرب من حراك سياسي- حقوقي- اجتماعي نسائي يدلل على مدى معاناة المرأة الغربية وعدم وصولها إلى الكمال الذي حلمت به بعد الثورة الغربية على الكنيسة وبعد عزل كل ما هو ديني عن الحياة العامة للإنسان الغربي, “فالروائية الإنجليزية فرجينيا وولف (1941) والأديبة الفرنسية سيمون دي بوفوار (1986), عالجتا قضايا المرأة وهمومها, وعاشتا مع آلامها وتطلعاتها, وتحدثتا عن إيجاد الطرق الكفيلة بمعالجة الضمير الإنساني ومشكلات الزواج, والسعي نحو الحط من الآخر, والدعوة بشكل صريح إلى المساواة بين المرأة والرجل, فضلا عن إتاحة الخيارات المناسبة والرئيسة للمرأة والتي يجب أن تتصف – حسب دعوتهما- بالخيارات نفسها المتاحة للرجل, وبشكل مستقل عن التحيز الجنسي أو العرقي, وقد أكدت دي بوفوار- في إطار دعوتها إلى تحرير المرأة ومساواتها بالرجل- على إلغاء الدعوة إلى (الأنوثة السرمدية Eternal Feminine) التي تشير إلى المعنى المتوارث عن المرأة[7].
والحقيقة العلمية تؤكد على موضوعية أطروحات وولف ودي بوفوار القاضية بمنح الفرصة للمرأة كي تثبت وجودها وإتاحة المجال لبناء الحضارة بوساطة المشاركة الفاعلة بين الرجل والمرأة, من دون الجنوح إلى فنتازيا تقر بوجود مجتمع رجولي بلا أنثى, أو وجود مجتمع أنثوي بلا رجل, لذلك فالعلاقة الضرورية الواجب توفرها هي علاقة تفاعلية تكاملية وليست علاقة هيمنة أو اتحاد مفتعل”[8]
وقد أشار برنادشو إلى أن وطأة النظام الرأسمالي كانت أشد وأقسى على المرأة منها على الرجل في بعض النواحي, لا سيما الاجتماعية والسياسية.[9]
وقد ذكر الرويلي أن المتتبع للفكر الغربي يدرك أنه فكر استعبد الأنثى وبنى على ذلك مسيرة المعرفة القائمة على الذكور, المؤهلة للقيام بالمسالك المعرفية من دون تأثير عاطفي غير موضوعي, وقد تسنى لتلك المسيرة الكبيرة الخلط بين مفهوم الجنوسة وبين مفهوم التكوين الجنسي للإنسان فالمفهوم الأول يقابل (Gender) وهو مفهوم اجتماعي نفسي, والمفهوم الثاني يقابل (Sex) وهو مفهوم وجودي بيولوجي, وأدى هذا الخلط إلى الاشتباك مع القضايا السياسية وقضايا البناء الاجتماعي, ومفاهيم اجتماعية أخرى وقد قصدت مباحث الجنوسة لإزاحة الأسباب الكامنة وراء الخلط السابق”[10]
ورغم قيام ثورة المثقف الغربي وما ادعاه الرجل المثقف الغربي عن إيمانه بضرورة تحرير المرأة الغربية من استبداد الكنيسة وإعطائها حقوقها ومساواتها بالرجل إلا أن كلمات بعض المفكرين الغربيين بعد الثورة لا تدل أبدا على حقيقة هذا الإيمان أو حتى العمل بهذا الشعار وأن تحرير المرأة ظل شعارا ومازال شعارا لم ينزل إلى الآن إلى مستوى التطبيق الفعلي والعملي.
فعلى سبيل المثال لا الحصر يعتبر “رامان سلدن” أن الرجل هو الأحق في تمثيل الإنسان وليس المرأة وحدد خمسة بؤر للاختلاف الجنسي: (علم الحياة, البيولوجي, الخبرة, الخطاب اللاوعي, الظروف الاجتماعية والاقتصادية) وقد حققت الرجولة هيمنة كاملة على خط سير هذه البؤر على حد قول سلدن.”[11]
لذلك نجد أن الحضارة الغربية رغم تقدمها المادي إلا أنها لم تقدم شيئا جديدا للمرأة على المستوى الإنساني بل بالعكس فالممارسات التعسفية الناتجة عن التمييز الجنسي وعدم الأخذ بمقياس الكفاءة والإبداع كمعايير أولية للتعامل مع الإنسان لا لكونه ذكرا أو أنثى بل لكونه إنسانا يتميز بإبداعات وكفاءة عالية أهلته للتميز فإن ذلك أدى إلى ظهور حركات نسائية ذات فاعلية كبيرة تحت عنوان النقد النسوي (Feminism (Criticism وهو من وجهة نظرنا رد فعل منعكس للممارسات العنصرية ضد المرأة في المجتمع الغربي, وكان الإفراط سمة واضحة في هذا الحراك والذي أدى أيضا إلى ترسيخ فكرة النظر إلى المرأة كجسد وإعطاء هذا الجسد كل الصلاحيات في الممارسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها وبالتالي سقوط المرأة الغربية من جديد في فخ أغرقت فيه نفسها ولم تستطع إيجاد الحل المناسب لتخرج بذاتها الإنسانية وترتقي بها كإنسانة وليس كوجود جسدي.
ولكن ما هو سبب انجذاب البعض لهذه الشعارات هل لأن الإسلام كما يعتقد البعض منهن ظلمهن أو أن العادات والتقاليد التي مورست عليهن باسم الإسلام هي السبب في بعدهن عن الإسلام وهل أن فهم الدين وما نتج عن بعض الفقهاء نتيجة هذا الفهم من أحكام قد تعتبر شديدة في حق المرأة ؟
المرأة في نظر الفقهاء:
لعل السبب في سياق العنوان بهذا الشكل هو غيبة الإمام المعصوم عليه السلام والذي يعتبر لسان الشريعة الناطق بحقائقها الواقعية كما يريدها الله وتصدي فقهاؤنا لهذه العملية التي تعتمد على استنباط الفقيه للأحكام وفق أسس علمية ومنهجية وأصولية ووفق فهمه للنص وقبل الخوض في هذا الموضوع لا بد من مقدمة صغيرة:
” فالشريعة الإسلامية عبارة عن مجموعة من الأركان والأصول والفروع المنزلة على النبي (ص) إضافة إلى سير الأولياء وسننهم , أما المعرفة الدينية فهي فهم الناس المنهجي والمضبوط للشريعة , ولها كما لغيرها من المعارف في مقام التحقق هوية جمعية وجارية. فالمعفرة الدينية كالمعارف الأخرى يمكن ملاحظتها في مقامين:
مقام يجب أو مقام التعريف ومقام يوجد أي مقام التحقق.
في مقام التعريف : المعرفة كاملة وخاصة وصادقة , أي ما يجب أن تكون عليه, أما في مقام التحقق فهي ما أنتجه العلماء وأعلنوا عنه , وهي موضوع التعلم والتعليم وهي ناقصة حتما وكثيرة الأخطاء. فالمعرفة الدينية هي جهد إنساني لفهم الشريعة , مضبوط ومنهجي وجمعي ومتحرك….. فالمعرفة الدينية على الرغم من أنها مبنية على الدين ومرآة له , ولكنها ليست الدين نفسه , فالدين بنظر المؤمنين به, لا تناقض فيه ولا اختلاف أما المعرفة الدينية فتتضمن تناقضا واختلافا , أي أن آراء علماء الدين وفهم المفكرين للنصوص الدينية الكثير من التناقض والاختلاف : في الفقه أو في علم الكلام أ, التفسير أو علم الأخلاق وغير ذلك و فالدين في نظر المؤمنين به حق كله أما المعرفة الدينية فمزيج من الحق والباطل”[12]
.إلا أننا نختلف مع هذه النظرية في إطلاقها للمعرفة الدينية وعدم تخصيصها بمعنى أن فهم الفقهاء في الاحكام الشرعية الفقهية والاصولية وخاصة في الأدلة الظنية هو المعني بقضية فهم الدين وفق خلفية الفقيه البيئية والفكرية.أي أن فهم النص الشرعي يعتمد على عاملي الزمان والمكان وهما الوعاءان اللذان يحتويان المجتمعات الإنسانية وهما عبارة عن مجموع الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والطبيعية ومجموع العادات والتقاليد والأعراف البيئية المحيطة بالنص.إذا ففهم أهل الدين الذي هو محل بحثنا ليس كما أطلقه سروش وإنما محدد في علوم الفقه وأبحاثها.
ومن يقرأ الأحكام الخاصة بالنساء قد يخرج بتصور يشعره بنوع من الغبن في بعض الأحكام إذا ما قارن وضع المرأة في العصر الحالي وقد يثير ذلك تساؤل مفاده هل الإسلام واقعا صرح بذلك أم أن بعض هذه الأحكام هي خلاصة جهد الفقيه لفهمه واستنباطه؟ وهل تأثر فهم الفقيه بالظروف الاجتماعية المحيطة به ؟
“إن الفقهاء لا يزعمون أبدا أن الفقه هو نفس الكتاب والسنة والحقيقة أن هناك إفراطا وتفريطا في كل واحدة من هاتين الرؤيتين , سواء القائلة بأن الفقه هو نفس الكتاب والسنة أو القائلة بالفصل التام بينهما . وهاتان الرؤيتان كلتاهما خاطئتان , وإنما نحن نقول بأن الفقه يستند للكتاب والسنة وهو ليس عينهما والفقيه يؤدي عمله في هذا الإطار… وصحيح أن الظروف الاجتماعية تؤثر في طريقة فهم الفقيه للأمور هذا فيما إذا كان المرء ينظر إلى الفقه من الخارج ولكننا لو سألنا الفقيه ماذا تفعل لقال إنني أبين أحكام كتاب الله وسنة الرسول أي أنه لا يرى لنفسه هوية غير الهوية التي رسمها له الدين ” ويضيف ” إن صور العادات والتقاليد قد تسربت إلى الفقه بالإضافة إلى أن المعرفة الفقهية المنتجة في قضايا المرأة لا تساهم في إنتاجها الأنثى في الغالب,وإنما تصدر عادة عن الرجل , والرجل بطبيعته لا يستطيع أن يتحسس بعمق آلام وآمال النساء وعواطف المرأة مثلما تعيشها المرأة نفسها , كذلك لا يمكن الجزم بعدم انحياز الرجل إلى قضاياه وهمومه سواء كان واعيا لذلك أم لا”[13]
ويذكر الشيخ محمد مهدي شمس الدين بهذا الصدد قائلا ” فقد جرى كثير من الفقهاء في فقه المرأة على العمل بما روي من النصوص, من دون احتراز عن الأحاديث الضعيفة,ومن دون محاكمة لمتون الأحاديث المعتبرة, وقد اعتبروا العرف مرجعا في فهم كثير من النصوص وهو عرف لم يثبت أنه بجميع تفاصيله سائدا في عهد النبي(ص) والأئمة المعصومين (ع) ليصلح مرجعا في فهم النصوص, بل من المعلوم إجمالا في بعض الحالات وتفصيلا في بعض الحالات,أن بعض عناصر هذا العرف تكون من العادات والأعراف الدخيلة المستحدثة التي لم يضعها الشرع وإنما أنتجها الإرث الثقافي الذي تأثرت به المجتمعات الإسلامية نتيجة لتفاعلها مع أهل الأديان والثقافات الأخرى وهذا النوع من الأعراف لا يصلح مرجعا لفهم النص الشرعي” انتهى
ومثالا على ما قاله الشيخ شمس الدين نذكر ما ذكره الشهيد مطهري في كتابه الحجاب ” إن ستر الوجه واليدين إلى الرسغ غير واجب على المرأة, وأضاف أن ظاهرة ستر الوجه التي انتشرت في العهود الأخيرة استحدثت في الفقه , ولم تكن موجودة من قبل وهي من التقاليد الإيرانية التي تسربت إلى الفقه”.
ولكننا لا نستطيع أن نعزي انفصال المرأة عن المجتمع وعزلتها إلى الآراء الفقهية,فالعزلة هي نتاج موروث ثقافي وعادات وتقاليد فرضت في المجتمعات باسم الدين ولا يوجد ما يثبت أن السبب الرئيسي في عزلة المرأة هو أحكام المرأة الفقهية , قد تكون سببا غير مباشر في ذلك ,” لأن بعض المسائل لها حيثيات زمانية ومكانية فبحث الزمان والمكان الذي طرحه الإمام الخميني يحمل بعدين : بعد يتعلق بمن يريد استنباط الحكم وآخر يتعلق بزمن صدور الحديث وأكد بعض الفقهاء كالمرحوم آية الله بروجردي على أننا يجب أن نعرف زمن صدور الحديث لنفقهه بشكل أفضل”.[14]
وللأسف استسلمت المرأة المسلمة لهذا الوضع دون محاولة منها للتغيير والنهوض بمستواها الفكري والديني لتفرض ما يريده الله لا ما تريده العادات والتقاليد التي يرفضها الدين.
بمعنى أن هناك آراء فقهية تخص المرأة يجب إعادة النظر فيها وما يقصد من إعادة النظر كما يقول الشيخ مهدي مهريزي هو أحد أمور ثلاثة :
- أن يقدم الفقيه لقوله تبريرا معقولا يمكن الدفاع عنه فيكون كلامه مبنيا على قاعدة رصينة فبالأمس كان إصدار الحكم وحده يكفي أما اليوم فلا بد من بيان فلسفته.
- أن يتمكن الفقيه من تفنيد الشبهات التي تثار بخصوص المسألة
- أن تتغير نتيجة الاستنباط كليا فمثلا إلى الأمس كانوا يقولون أن بلوغ الفتاة بتمام السنة التاسعة واليوم قد يقولون لا, الملاك هو الحيض أو سن الثالثة عشر, أو أن المرأة يمكن أن تصبح قاضية بعدما كان يقال بأن المرأة لا يمكن أن تصبح قاضية.
وبهذا نرى أن الرأي الفقهي ليس هو عين الكتاب والسنة بل هو رأي مستند إلى الكتاب والسنة وبذلك اشتهر الفقه الشيعي بالاجتهاد وأثبت هذا الفقه أن الدين صالح لكل زمان ومكان.
وما الهجمة الشرسة على الدين ووجود صدى لهذه الهجمة بين صفوف المسلمات باسم المساواة ورفض الاضطهاد الديني كما يقولون هو نتاج بعدنا عن الدين وعن أحكام فقهائنا وعدم معرفتنا لواقع الفقه وعدم اعتناء النساء بفقههن وأحكامهن وبعدهن عن الساحة الفقهية التي قد تكون نتاج التزمت والتشدد باسم الدين.
وما نحتاج له في أحكام المرأة كما يقول الشيخ مهدي مهريزي هو :
- أن يقوم الفقهاء بعملية نقد لمضمون الحديث أي يعرض الحديث على القرآن والسنة القطعية والواقع الخارجي والعقل القطعي .
- أن تدرس الأحاديث والسيرة بمجموعها
- بالإضافة إلى وجوب ملاحظة زمان ومكان صدور الأحاديث والأفعال عن الأئمة عليهم السلام.
ما هو النموذج الحضاري في الإسلام وخاصة حول شخصية المرأة:
هناك عنصران يعتبران من لوازم الاعتقاد بخاتمية الإسلام وخلوده هما الأصالة والخلود.فالأول يؤكد على الحفاظ على الثوابت والقيم وأصالة التشريع والثاني يؤكد على ضرورة طرح الإسلام طرحا آخذا في الحسبان عنصري الزمان والمكان ليحافظ على خلود الإسلام بتشريعاته الأصيلة لكل أمة وجيل وزمن.
ومن الموضوعات التي أحدثت جدليات واسعة في القرون الاخيرة وخاصة القرون الوسطى بعد ثورة التنويريين الغربيين ضد اللاهوت المسيحي المتمثل بالكنيسة ورجالاتها بعد أن مارسوا كل أنواع التعسف والاضطهاد والديكتاتورية باسم الدين هي موضوعة المرأة لأنها العنصر الاكثر فعالية في واقع الحياة والأكثر تضررا واضطهادا وظلما.
وقد نكون إلى الآن في معزل عن تلك الجدليات في مجتمعنا لأننا مازلنا تحت تأثير الرؤية التقليدية الدينية الممتزجة بمجوعة كبيرة من العادات والتقاليد من جهة وبسطوة الرؤية التقليية للمرأة من جهة أخرى.
ولعل المفارقة هنا أن ثقافة التحضر والتمدن ارتبطت قهرا نتيجة العولمة السلبية بتحرر المرأة بطريقة سلبية أيضا ونظر إلى مسألة التحرر والحرية بالنسبة للمرأة من جانبه المادي البحت مركزا في ذلك على تحرر الجسد من كل معوقاته المادية,وأصبحت الحضارة والمدنية في ذهنية الكثيرين ومنهم مثقفين وعلماء مرتبطة بالتحلل من القيم والأخلاق والعفة.
إلا أننا في هذه الإطلالة السريعة نود أن نسلط الضوء على موضوع غاية في الأهمية وهو محور بحث جدي في الحوزة العلمية في قم بين العلماء والمثقفين فيما يتعلق بموضوعة المرأة وهو الرؤية الحضارية الإسلامية للمرأة وشخصيتها وهي رؤية معتدلة نزعت عنها ثوب التقليديين والتجديديين,لأن النظرة التقليدية ضحت بخلود الإسلام في سبيل الحفاظ على الأصالة فيه,بينما يقوم الاتجاه التجديدي بالتخلي عن أصالة التشريع واستمرارها حفاظا على خلود الإسلام.
ولكن كيف ينظر التقليديون لشخصية المرأة وكيف ينظر لها النجديديون وما هي الاسس القائمة عليها رؤية كل جهة؟
1.الاتجاه التقليدي الإسلامي:
وهم مجموعة من العلماء والمتدينين المسلمين الذين عاشوا في القرنين الأخيرين,وحصروا اهتمامهم فقط برفض الثقافة والحضارة الغربية ومحاربتها,وذلك بدافع من غيرتهم على الدين وتمسكهم بالمعارف والأحكام الدينية.[15]
وهم ينظرون لموضوعة المرأة بنظرة جزئية فردية فاقدة لرؤية جامعة ونظرة شمولية منفصلة عن المنظومة الاجتماعية,بل ينظرون للمرأة من وجهة نظر حقوقية تكليفية فردية.
2.الاتجاه التجديدي الإسلامي:
وهم التنويريون الدينيون المطلعون على الحضارة الغربية,فلم يجدوا في ثقافتنا الإسلامية الشائعة في مجتمعاتنا والمختلطة بالعادات والتقاليد ما يستحق القياس والمقارنة مع ذلك الانتاج الغربي العلمي والفني والاجتماعي.والمرأة وفق نظرتهم مشبهة للرجل وأنها في مجال الحياة الأسرية والاجتماعية مفعمة بالرغبات الشخصية,ويستجيب للميول الطبيعية,وتعرف بأنها ذات غاية تنتهي إلى الرفاهية وحقوق المواطنة المتساوية.[16]
ومن الاتجاهين السابقين نلحظ النهج الإفراطي والتفريطي بينهما في رؤية الإسلام للمرأة.
3.الاتجاه الحضاري الإسلامي:
هذا الاتجاه يستطيع الحفاظ على عنصري الاعتقاد بخاتمية الإسلام وهما الخلود والاصالة.فهم يعتقدون بأن الطريق الوحيد للخروج من الاشكالية الحالية في المجتمعات الإسلامية ,يكمن في التحرك في سبيل إيجاد حضارة حديثة ,بحيث تعتمد برامج التنمية والتطوير فيها تعتمد على القيم الإسلامية وتهتدي بهداها.[17]
ومن خلال هذا العرض السريع للأفكار الأساسية لكل مدرسة نستطيع أن نشخص بذور وجذور الفكر المنتج لشخصية المرأة في مجتمعنا,وهي بذور عائدة غلى المدرسة التقليدية التي تنظر للمرأة في إطار الاحكام التكليفية والحقوقية الصرفة والمنحصرة في ازمنة سابقة لا تتناسب وزماننا ومكاننا,بل نستطيع القول أن كثير من الرؤية المرسومة للمرأة هنا تختلط بالعادات والتقاليد البعيدة عن روح الشريعة.
ولعل أبرز الأسئلة التي شكلت جدلية واسعة في الدائرة الاجتماعية في الآونة الأخيرة هي قضية خروج المرأة والعمل,وإلى أي مدى تكون هناك مقبولية اجتماعية لتواجد المرأة خارج منزلها؟ وهل الأساس هو خروج المراة أم جلوسها في المنزل؟
ولو نظرنا إلى واقع المرأة المسلمة وجدنا أن الأسئلة المطروحة تعكس المدى الفكري الضيق الذي تعيش فيه المرأة في مجتمعنا إذا ما قارناها بوضع المرأة في دول أخرى مجاورة تخطت فيه المرأة عتبة هذه الأسئلة وجعلت لها بصمة قوية على واقع الحياة أثبتت فيه جدارتها في تادية دورها الاستخلافي على الأرض.
فالمرأة وجود إنساني أي لها كينونة إنسانية وهذه الكينونة لها دور استخلافي هادف على الأرض,وهذا الدور يهدف إلى بناء صرح اجتماعي قائم على العدالة والقيم والمبادئ الأخلاقية التي تحفظ مسيرة المجتمع التكاملية.
إذا هي إنسانة لها وظيفة استخلافية هادفة وتشخصت هذه الوظيفة أكثر حينما تمايزت في نوعها الجنسي إلى إمرأة فحددت لها الشريعة مجموعة من الوظائف الثابتة التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان,وتركت تشخيص الوظائف الاخرى لظروف المكان والزمان لها كمكلفة قادرة على تشخيص دورها في مجتعمها والنهوض به وفق قابلياتها واستعداداتها.
فلا نستطيع القول أن المرأة يقتصر دورها فقط على الاسرة ولا نستطيع أيضا أن نقول أن المرأة يجب أن تخرج للعمل الاجتماعي والسياسي.
فالواجب العيني المؤكد هو دورها الأسري الذي إن نهضت به بشكل متكامل بنت مجتمعها بشكل سليم وقدمت له جيلا مؤهلا من الناحية النفسية والاجتماعية والقيمية وهنا يجب عليها أن تمتلك من الادوات ما يؤهلها لهذه الوظيفة الشرعية العظيمة كالعلم والثقافة والمعرفة والخلق والاطلاع الواسع على آخر النظريات التربوية والاجتماعية من اجل أن تعكس ذلك على سلوكها التربوي مع عائلتها لأنها المدرسة التي يتخرج من أحضانها الاجيال,أي أن دورها البيتي لا يسقط عنها ضرورة العلم والتعلم والمعرفة بل هو واجب في هذا العصر من أجل ان تقوم بشكل سليم بواجبها العيني الذي ستسال عنه يوم القيامة.
أما الخروج من المنزل والنهوض بمتطلبات المجتمع وسد الثغرات التي يعاني منها مجتمعها فهي واجب كفائي,فليس كل إمرأة مؤهلة للخروج وممارسة انشطة سياسية واجتماعية واقتصادية,بل الخروج هنا يكون للمؤهلات اللواتي يمتلكن القابلية العلمية والثقافية والدينية من أجل ممارسة دور الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي مؤهلات تكون كافية لها لكي تشخص حاجة المجتمع وضرورة تواجدها فيه.ولكن هذا لا يعني أبدا أن تجلس المرأة في البيت وتقول أنا غير مؤهلة هروبا منها من تأدية واجبها في الخلافة الإلهية,كما أنه ليس كل إمرأة تستطيع أن تقول أنني مؤهلة للخروج فتخرج ويكون ذلك على حساب بيتها واسرتها. إن المرأة القادرة على الخروج هي المرأة التي تستطيع أن تناغم وتوائم بين عملها وواجبها الاسري وبين واجبها الاجتماعي,وأعتقد أن شخصية الزهراء عليها السلام نموذج يحتذى فيه إذ أنها عاشت التوازن في شخصيتها فكانت الام والزوجة الصالحة وكانت في علاقتها مع الله كاملة وكانت نعم المعين في نصرة الاسلام ومواجهتها للفساد وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر.فكل إمرأة قادرة على أن تعيش هذا التوازن وقادرة على أن تنظم وقتها لتنهض بكل مسؤولياتها على أكمل وجه خاصة
في عصرنا هذا الذي بتنا فيه أحوج ما يكون لكل جهد بشري إنساني مخلص لمواجهة رياح العولمة السلبية التي بدات تفتك بأجيالنا ومجتمعاتنا.
والملاحظ في مجتمعنا أن المرأة تحت ذريعة الجلوس في المنزل لا تقبل على العلم والتعلم وإن أقبلت أصبحت في خانة التفريط أو الإفراط وابتعدت عن الروح المعتدلة,أو أنها اهتمت بالماديات والمظاهر تحت ذريعة حسن التبعل للهروب من مسؤولياتها الاستخلافية في مجتمع بدأ يئن تحت سياط الثقافة الغربية والانحلال القيمي والاخلاقي.
وأعتقد جازمة أن المرأة هي محور الإصلاح في الأسرة وفي المجتمع معا فإن هي صلحت وعفت صلح وعف مجتمعها وأسرتها والعكس بالعكس.
ومن هنا علينا أن نقدم نموذج حضاري لشخصية المرأة ودورها في المجتمع من أجل النهوض بمشروع حضاري قادر على أن يواجه الثقافة الانثوية الغربية التي تريد أن تذهب بالمرأة إلى دور وهمي يفسد مجتمعها واسرتها وأعتقد أن المرأة اليوم معنية في مواجهة التقليديين والتجديديين من خلال مثابرتها في إثبات دورها الحضاري الإسلامي في النهوض بالمجتمع وعدم رضاها بوضعها الحالي الذي اختلطت به العادات والتقاليد بالدين اختلاطا وامتزاجا شوها حقيقة شخصية المرأة في الإسلام.
النموذج الحضاري لشخصية المرأة في الإسلام ” رؤية مقترحة “
من واقع الميدان هناك اختراق حقيقي للمرأة وتمييع لهويتها وشخصيتها انعكس كثيرا على البناء الأسري القائم، أو على كيفية تشكيل الأسرة وحدود دور المرأة فيها، هذا فضلا عن الارتفاع الملحوظ لنسب الطلاق في الوطن العربي والإسلامي، وما فعلته العولمة والحداثة من فعلها في العقول وأنماط التفكير خاصة عند المرأة، وماروجت له النسوية العالمية من مفهوم للحرية مغلوط، ومن حقوق للمرأة خرجت عن جادة العدالة تحت ضربات وصرخات المساواة بين المرأة والرجل.
وكان التأثير الثقافي كبيرا جدا، بسبب حالة الإفراط التي تعيشها كثير من المجتمعات وخاصة الخليجية منها، حيث هناك فهم مغلوط لشخصية المرأة ودورها، وهناك طرح فقهي تجزيئي فردي بات اليوم بعيدا إلى حد كبير عن الواقع، بل لا يغطي المرحلة الزمنية ومتطلباتها، وباتت الشبهات كثيرة عجز أمام ضرباتها كثير من العلماء عن تغطيتها نتيجة القراءات القديمة لفقه المرأة وشخصيتها. وهو ما يجعل الساحة مفتوحة أمام كل نظريات الحداثة والنسوية والعولمة وأمام أساليبها التي اخترقت كل البيوت.
لذلك ارتأينا وضع تصور أولي يحاول تصحيح المسار والنهوض بنموذج حضاري إسلامي حول شخصية المرأة، يواكب العصر ولا يتخلى عن الثوابت، وهو ما يتطلب تضافر جهود العلماء حول هذا المشروع والنهوض به.
الرؤية المقترحة:
* المرحلة الاولى:
١. تفكيك البني التحتية في حياة الأئمة وكيفية تعاملهم مع محيطهم النسوي وانتزاع المنهج واعادة بنائه، وجمع الروايات الخاصة بالمرأة ودراسة السند والمتن وعرضها على القرآن، كون كثير من متون الروايات وإن صح سندها فمتنها مخالف لصريح القرآن وقواعده.
٢.استقراء الجزئيات الفقهية الخاصة بالمرأة كموضوع مستقل واستخراج النظرية الفقهية الخاصة بها ليصبح لدينا نظرية فقهية حول المرأة، وليس فقط مجموعة أحكام تنظر للبعد الفردي، هذه النظرية تأخد بالحسبان الزمان والمكان ومقاصد الشريعة. ثم استقراء المنهج القرآني في موضوع المرأة ، بعد ذلك يمكننا الخروج بهيكل عام يوضح شخصية المرأة والنظر للتعارض في هذا الهيكل يساعدنا استكشاف الخلل. لذلك نحن نحتاج متخصصين في الفقه والقرآن والاستقراء ومفكرين.
– ـ اي نتيجة علمية مكينة نخرج بها نحتاج العمل عليها على مستوى الفتوى في كل من النجف وقم.
* المرحلة الثانية:
ـ رسم الهيكل العام بعد انتهاء الاستقراءات والخروج بشكل الهيكل الأخير للنموذج الاسلامي الحضاري لشخصية المرأة في الاسلام.
* المرحلة الثالثة:
- -ـ دراسة الهيكل وبناه وتعارضاته واكتشاف الخلل والنقص.
* المرحلة الرابعة:
– ـ تشكيل الرؤية الكاملة لشخصية المرأة في النظرية الاسلامية من نواحي عدة اهمها:
١. هي كذات وكشخصية حقيقية : حقوقها وواجباتها وعلاقتها مع الله ووظيفتها المناطة بها من الله
٢. شخصية حقوقية
ـ كزوجة
-كأم
-كأسرة
– وظيفتها في المجتمع:
١. سياسيا
٢. اقتصاديا
٣. اجتماعيا
٣. حدود ولاية الرجل عليها كفرد وكزوجة وكأم وكناشطة في المجتمع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.أي الولاية وفق منظور فقهي اجتماعي وأسري وليس فردي، يحاكي الزمان والمكان.
٤. القيمومة حدودها ،ملابساتها ،فق نفس الشرط السابق في رقم (٣)
٥. الضرب حقيقته وحدوده ضمن منظومة الأسرة الكاملة حقوقيا وليس كمفردة من المفردات.
* المرحلة الخامسة:
– تشكيل غرف فكرية في الخليج والدول العربية لمعرفة خصوصيات كل مجتمع على حدة واشكالياته، وهذا يمكن من خلال مجموعة العلماء المنتشرين والمثقفين والمفكرين النخب.
* المرحلة السادسة:
ـ الخروج بالنظرية كاملة.
* المرحلة السابعة:
ـ عرضها على المرجعيات الدينية والفكرية لتنضيجها.
ـ المرحلة الثامنة:
ورش عمل متنقلة للتعريف والتوعية أو نشرها كمرجعية مستقلة حول المرأة.
قد تتطلب الخطة للتنفيذ من ٥-١٠ سنوات
وهذه الأمور بالطبع بدأت تطرح بين الفقهاء وستكون محور بحث في السنين المقبلة للنهوض بالفقه نهوضا يتناسب مع ما أراده الله في كتابه وسنة نبيه (ص).وكل ما نأمله أن نرى في المستقبل مجتهدات في أحكام النساء في كل مكان ولا يقتصر الأمر على وجودهن في إيران .
نداء وخاتمة:
وسأختم بنداء وجهته الشهيدة بنت الهدى منذ عقدين من الزمن قائلة: وإلى المتزمتين أوجه خطابي: لماذا فرضوا على المرأة قيودا وحدودا لم ينزل الله بها من قرآن؟فالضغط يولد الانفجار والتزمت يدعو إلى النقمة على جميع الأمور حتى الشرعية الضرورية,وقد ينأى بالمرأة عن تعاليم الإسلام الحقيقية لا سيما إذا كانت ناشئة فتية, وفي هذا ما فيه من أخطار تواجه فتياتنا المسلمات.فاسمع يا أخي المسلم ولا تتحكم مع ميولك ولا تندفع وراء أهواءك تحت ستار من الدعوة إلى تطبيق الإسلام فالإسلام سمح وسهل لا يرد للمرأة إلا العزة والكرامة والمكانة اللائقة.
وأوجه ندائي تأكيدا على نداء الشهيدة : إن انحراف فتياتنا وأخواتنا وانبهارهن بالحضارة الغربية وشعاراتها البراقة الكاذبة ما هو إلا نتاج فكر متشدد قامت أسسه على الموروثات والعادات والتقاليد وظهر باسم الدين فانظروا أخوتي ما يريده الله والدين لا ما يريده الناس والعادات والتقاليد البعيدة عن روح الإسلام فرضا الله هو الغاية فإن رضي الناس والله عليك ساخط فهي خسارة الدارين الدنيا والآخرة فإن الله يغضب لاثنين للمرأة والأطفال والمرأة أسيرة الرجل فأحسنوا لأسراكم وكما قال تعالى” وعاشروهن بمعروف أو سرحوهن بإحسان” , وقال ” ومن يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب”.