البَقيعْ، هي مقبرة بجوار قبر رسول الله (ص)، في الجنوب الشرقي مقابل المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، وأول من دفن فيه من المسلمين هو أسعد بن زرارة الأنصاري، ثم دفن بعده الصحابي الجليل عثمان بن مظعون، كما أنها تضم فيها أئمة البقيع (ع) أيضاً.
فأين كان علماء المدينة المنوّرة عن منع البناء على القبور ؟ ووجوب هدمه قبل هذا التاريخ؟! ولماذا كانوا ساكتين عن البناء طيلة هذه القرون ؟! من صدر الإسلام، وما قبل الإسلام ، وإلى يومنا هذا! ألم تكن قبور الشهداء والصحابة مبنيّ عليها؟ ألم تكن هذه الأماكن مزارات تاريخية موثّقة لأصحابها ; مثل مكان : مولد النبي (ص)، ومولد فاطمة (عليها السلام)، وقبر حوّاء أُم البشر والقبّة التي عليه ، أين قبر حوّاء اليوم؟ ألم يكن وجوده تحفة نادرة؟ يدل على موضع موت أوّل امرأة في البشرية ؟ أين مسجد حمزة في المدينة؟ ومزاره الذي كان؟ أين …؟ وأين…
في المدينة المنورة هنالك بقعة شريفة طاهرة هي البقيع. وقرب المسجد النبوي الشريف ومرقد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) . وفيها مراقد الأئمة الأربعة المعصومين من أهل بيت النبوّة والرسالة (عليهم السلام)عليها قبب وأضرحة ومعالم تدل على قدسيتهم.
وقد كانت على هذه القبور قباب وبناء، وكان لها صحن وحرم، فكانت عظيمة في أعين الناس، شامخة في قلوب المسلمين… محفوظة حُرمتها وكرامتها، وكان الناس يتوافدون على هذه البقعة المقدسة لزيارة المدفونين فيها ـ عملاً بالسنة الإسلامية من استحباب زيارة القبور وخاصة قبور ذرية رسول الله وأولياء الله تعالى.
الوهابيون وكما هو معروف قد ورثوا الحقد الدفين ضد الحضارة الإسلامية من أسلافهم الطغاة والخوارج الجهلاء فكانوا المثال الصادق للجهل والظلم والفساد فقاموا بتهديم قبور “بقيع الغرقد” مرتين:
الأولى عام 1220هـ:
فكانت الجريمة التي لاتنسى، عند قيام الدولة السعودية الأولى حيث قام آل سعود بأول هدم للبقيع وذلك عام 1220 هـ، وعندما سقطت الدولة على يد العثمانيين أعاد المسلمون بناءها على أحسن هيئة من تبرعات المسلمين، فبنيت القبب والمساجد بشكل فني رائع حيث عادت هذه القبور المقدسة محط رحال المؤمنين بعد أن ولى خط الوهابيين لحين من الوقت.
الثاني: عام 1344هـ:
استولى آل سعود على مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة وضواحيهما عام 1344 هـ،وقاموا في اليوم الثامن من شوال بهدم قبور أئمة البقيع (عليهم السلام)وهم:ـ
• الإمام الحسن المجتبى ابن أمير المؤمنين.
• والإمام علي بن الحسين زين العابدين.
• والإمام محمد الباقر ابنه.
• والإمام جعفر الصادق ابن الإمام الباقر (عليهم السلام).
وبعد استفتاءً علماء المدينة بيد قاضي قضاة الوهابيين سليمان بن بليهد (لعنة الله عليه ) التهديد والترهيب وقع العلماء على جواب نُوّه عنه في الاستفتاء بحُرمة البناء على القبور ، تأييداً لرأي الجماعة التي كتبت الاستفتاء . فنشرت جريدة أم القرى بعددها 69 في 17 / شوّال 1344 هـ نص الاستفتاء وجوابه ـ وكأن الجواب قد أعدّ تأكيداً على تهديم القبور.
واعتبرت الحكومة السعودية ذلك مبرّراً مشروعاً لهدم قبور الصحابة والتابعين ليقدموا إهانة لهم ولآل الرسول (صلى الله عليه وآله) . فتسارعت قوى الشرك والوهابيّة إلى هدم قبور آل الرسول (صلى الله عليه وآله) في الثامن من شوّال من نفس السنة ـ أي عام 1344 هـ ـ فهدّموا قبور الأئمة الأطهار والصحابة في البقيع ، وسوّوها بالأرض ، وشوّهوا محاسنها ، وتركوها معرضاً لوطئ الأقدام ، ودوس الكلاب والدواب ..
وكان ممن قتل في هذه الهجمة التاريخية المشهورة التي تدل على همجيتها على البعد البعيد للوهابية عن الإسلام ووجههم المزري والمشوه للإسلام ـ الشيخ الزواوي مفتي الشافعية وجماعة من بني شيبة (سدنة الكعبة)… وكانوا قد بدأوا في تهديم المشاهد والقبور والآثار الإسلامية في مكة والمدينة وغيرهما.. ففي مكة دُمرت مقبرة المعلى، والبيت الذي ولد فيه الرسول (صلى الله عليه وآله)(8).
كما قاموا بفعلة شنيعة في سنة 1216هـ (1801م) بالاعتداء على مباني مدينة كربلاء، فهدّموا المساجد والأسواق، والكثير من البيوت التراثية المحيطة بالمرقدين وعبثوا بالمراقد المقدسة وهدموا سور المدينة..(9).
كما أنهم أرادوا هدم قبة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) لكن تظاهر المسلمون في الهند ومصر ولعل غيرهما أيضاً، أوقفهم عن ذلك في قصة معروفة، وهم يحنّون إلى ذلك إلى الآن، حتى أن عالمهم (بن باز)(10) لا يزور مسجد الرسول قائلاً: ما دام هذا الصنم(أي قبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم) هناك لا أزوره، لكن الزمان مرّ عليه ولا يأبه بكلامه أحد.
كان البقيع قبل هدمه هكذا:
الأئمة الأربعة(عليهم السلام) في قبة، وتزار فاطمة الزهراء(سلام الله عليها) في بقعتهم حيث من المحتمل أنها دفنت هناك، وإن كنت أنا رأيت في المنام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) واقفاً في قبره الشريف.. وقال لي وهو يشير إلى ما بين قبره ومنبره: أن قبر فاطمة ابنتي(سلام الله عليها) هناك، والله العالم بحقيقة الحال.
كما يحتمل أنها(عليها السلام) دفنت في بيتها، ولعل أمير المؤمنين(عليه السلام) حمل صورة جنازة إلى عدة أماكن، كما حمل الإمام الحسن(عليه السلام) صورة جنازة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى البصرة.
ومن هنا(11) لا بأس بزيارة الصديقة الطاهرة(سلام الله عليها) في البقيع، وفي المسجد، وفي بيتها وذلك لخفاء القبر الشريف، وسيظهر ان شاء الله تعالى عند ظهور ولدها الإمام المهدي(عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وإن كان من المحتمل إخفاء قبرها (سلام الله عليها) إلى يوم القيامة ليبقى سنداً على مظلوميتها طول التاريخ.
وكان في نفس تلك القبة مدفن العباس عمّ النبي(ص).
وكانت خارج القبة بفاصلة قليلة قبةٌ مبنية على بيت الأحزان، حيث كانت الزهراء (ع) تخرج إلى ذلك المكان وتبكي على أبيها.
وكانت تشتمل مقبرة البقيع على قباب كثيرة، مثل أزواج النبي وأولاده وبناته ومرضعته(ص) حليمة السعدية، وكانت هناك قبة فاطمة بنت أسد والدة الإمام أمير المؤمنين (ع)، وقبة أم البنين(سلام الله عليها) زوجة الإمام أمير المؤمنين(ع) وقبتها قرب قبة عمات النبي (ص)، وكانت أيضاً قبة جابر بن عبد الله الأنصاري، وغيرهم مما هو مذكور في التاريخ.
المصادر والمراجع:
1. السيّد صدر الدين الصدر (قدس سره):ـ بحوث في الملل والنحل 1/339.
2. البقرة 125 .
3. الكهف: 21.
4. التفسير المعين، محمد هويدي، ص200 هامش القبر.
5. صحيح البخاري: ج2/83.
6. نجد وملحقاته، أمين الريحاني، ص256.
7. حمزة الحسن، الشيعة في المملكة السعودية، ص211..
8. أمين الريحاني، نقلاً عن حمزة الحسن، الشيعة في المملكة السعودية، ج2، ص271 .
9. دراسات حول كربلاء ودورها الحضاري، وقائع ندوة علمية عقدت في لندن، دار الصفوة.ط1، ص607.
10. الشيخ عبد العزيز بن باز(1330- 1420هـ) مفتي السعودية
11. راجع الدعاء والزيارة: ص681، فصل في زيارة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (سلام الله عليها).
12. ليالي بيشاور ـ المجلس الثالث.