الجزء الأول
ركز الإسلام على البعد الإجتماعي وما يتعلق به من تربية نفسية وتربوية تتطلب من الإنسان البذل والإجتهاد ليحقق لنفسه الراحة والإستقرار.
وإذا رجعنا الى ثقافة وعلم الإسلام المحمدي الأصيل وما نقله أهل البيت (ع) مم معارف نجد تركيزًا كبيرًا على الجانب التربوي وبناء الشخصية القوية، القادرة على مواجهة الحياة والمتمكنة من التعامل مع كافة صنوف الناس.
في مقالي هذا أسلط الضوء على مقطع جميل جدًا مقتبس من دعاء مكارم الأخلاق للإمام السجاد زين العابدين (ع) ومن خلاله تبرز الخطوات التي من خلال يستطيع العبد الصالح أن يحقق رضا الله وبالتالي سعادته في الدنيا والآخرة.
يقول الإمام عليه السلام، “اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمَتِّعْنِي بِهُدًى صَالِحٍ لا أَسْتَبْدِلُ بِهِ، وَطَرِيقَةِ حَقٍّ لا أَزِيغُ عَنْهَا، وَنِيَّةِ رُشْدٍ لا أَشُكُّ فِيهَا، وَعَمِّرْنِي مَا كَانَ عُمُرِي بِذْلَةً فِي طَاعَتِكَ، فَإِذَا كَانَ عُمُرِي مَرْتَعاً لِلشَّيْطَانِ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَ مَقْتُكَ إِلَيَّ، أَوْ يَسْتَحْكِمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ. اللَّهُمَّ لا تَدَعْ خَصْلَةً تُعَابُ مِنِّي إِلاَّ أَصْلَحْتَهَا، وَلا عَائِبَةً أُوَنَّبُ بِهَا إِلاَّ حَسَّنْتَهَا، وَلا أُكْرُومَةً فِيَّ نَاقِصَةً إِلاَّ أَتْمَمْتَهَا.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَبْدِلْنِي مِنْ بِغْضَةِ أَهْلِ الشَّنَآنِ الْمَحَبَّةَ، وَمِنْ حَسَدِ أَهْلِ الْبَغْيِ الْمَوَدَّةَ، وَمِنْ ظِنَّةِ أَهْلِ الصَّلاحِ الثِّقَةَ، وَمِنْ عَدَاوَةِ الأَدْنَيْنَ الْوَلايَةَ، وَمِنْ عُقُوقِ ذَوِي الأَرْحَامِ الْمَبَرَّةَ، وَمِنْ خِذْلانِ الأَقْرَبِينَ النُّصْرَةَ، وَمِنْ حُبِّ الْمُدَارِينَ تَصْحِيحَ الْمِقَةِ، وَمِنْ رَدِّ الْمُلابِسِينَ كَرَمَ الْعِشْرَةِ، وَمِنْ مَرَارَةِ خَوْفِ الظَّالِمِينَ حَلاوَةَ الأَمَنَةِ.”
مما لا شك فيه أن الإستقامة والثبات على تعاليم الدين المحمدي الأصيل وعلوم آل البيت (ع) امر في غاية الأهمية. فما هي الصفات التي يجب أن يتحلى بها العبد الصالح في ضوء هذا الدعاء؟
يطلب الإمام (ع) من الله سبحانه وتعالى أن يمتعه بهدىً صالح، وهذا الهدى هو العقائد والمعارف السليمة التي نتعلمها من كتاب الله وأحاديث أهل البيت، التي تزخر بكل القيم والمبادئ السلوكية والأخلاقية التي لا بد من التزود بها لنسلك دروب هذه الحياة الصعبة. وهو كذلك لا يريد أن يستبدل الوحي الإلهي بالفكر الباطل وما يروجه أعداء الإسلام من أباطيل تهدف إلى إسقاط الإنسان في بحور الملذات وزبارج الدنيا ومغرياتها المادية الزائلة. يريد أن يستقيم على هدي الإسلام الرصين وعباداته وطاعة رسوله وأهل بيته.
العبد الصالح يطلب من الله ان يهديه إلى طريقة حق لا يزيغ عنها، فيعبد الله عبادة مخلصة صحيحة يتعلمها من خلال السيرة العبادية لأهل البيت (ع)، كطريقة الوضوء والصلاة والحج والسنن المحمدية، وما إلى هناك من سائر الطاعات والأعمال. ويبتعد كذلك عن كل البدع التي استنبطها وأوجدها أشياع الضلال، والتي لا تتناسق ولا تتلأم مع السنن النبوية والمحمدية.
وكي يكون عبدًا صالحًا يجب على المؤمن أن تكون نيته ثابتة، نية رشد خالصة ترضي الله عزّ وجل. نيةٌ لا يستجدي من وراءها السمعة والعلو في الأرض. ويطلب من الله أن يجعل عمره بذلة في طاعته، فيحرره من عبودية الحياة الدنيا ولذاتها، باذلًا عمره في طاعة الله والقيام بالأعمال الصالحة التي يعمّر فيها داره الأبدية في الآخرة.
أما إذا كان عمره مرتعًا للشيطان، تابعاً ومقلداً لأعمال الشيطان ولأهوائه وشهواته، فيفضل أن يقبضه الله اليه. أي إذا كان عمره لمرضاة الشيطان فيرفض هذه الحياة، ولا يسمح للشيطان بأن يستحوذ عليه في الأمور البسيطة وصغائر الذنوب كي يتقي الكبائر، والعياذ بالله.
يركز الإمام على صفات أحباء الله وعباده الصالحين، الذين يحرصون على مرضاة الله ويجتنبون مقتته وسخطه. أحباء الله وعباده الصالحين الذين يجاهدون في سبيل الله عز وجل ويستعينون به في إصلاح الخصال المعيبة الظاهرة للناس أو الخفية عنهم. فالمؤمن الحقّ يصلح كل عيوبه كي يرضي الله ويسعى في تحسينها واتمامها، وهذا قمة الجهاد أي جهاد النفس التي تتحقق من خلالها مرضاة الله.
بقلم: بتول عرندس
يتبع في الجزء الثاني