بسم الله الرحمن الرحيم
استقبال شهر ذي الحجة الحرام[1]
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد خلقه أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
يحلّ علينا بإذن الله تعالى بعد أيام شهر ذي الحجة الحرام وهو شهر شريف، تضاهي بعض أيامه أيام شهر رمضان المبارك في الفضل وعظيم البركة –على ما قيل- لذا روي أن صلحاء الصحابة والتابعين والسلف الصالح كانوا يترقبونه ويهتمون به ويضعون لهم برامج من العمل والعبادة.
ومن أيامه المباركة ذات الشأن العشر الأوائل منه وقد ورد في الروايات انها الأيام المعلومات التي حث الله تبارك وتعالى عباده على ذكره فيها بكل ما تيسر من اشكال الذكر والطاعة والعبادة ففي معاني الأخبار روى الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال (قال علي (عليه السلام) في قول الله عز وجل (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ) (الحج/28) قال: أيام العشر)[2]
وورد في فضيلة هذه الأيام عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله (ما من أيام أزكى عند الله تعالى ولا أعظم أجراً من عشر الأضحى، قيل: ولا الجهاد في سبيل الله قال (صلى الله عليه وآله وسلم): ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)[3]
فينبغي للمؤمن المراقب لنفسه الراغب في ما عند الله عز وجل أن يتحرى هذا الشهر ويتعرف على أوله حتى لا تفوته فرصة الأعمال المسنونة لهذه العشرة: وأول ذي الحجة لهذه السنة 1432 سيكون على الأرجح بمشيئة الله تعالى يوم السبت 29/10/2011 فمساء يوم الجمعة أي ليلة السبت ستكون الليلة الأولى من ذي الحجة بإذن الله تعالى عندها تبدأ أعمال العشرة الأولى من شهر ذي الحجة:
ومنها: صلاة كل ليلة بين المغرب والعشاء ركعتين يقرأ في كل منهما بعد الحمد سورة التوحيد وقوله تعالى (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (الأعراف/142) فقد ورد أن من صلاّها شارك الحجاج في ثوابهم وإن لم يحج.
ولا يخفى وجه ارتباط الآية بهذه العشرة، حيث ورد في الروايات أن الثلاثين هي شهر ذي القعدة والعشرة هي الأولى من ذي الحجة[4] وقد ذكر أكثر من وجه لأفراد العشرة عن الثلاثين وكان يمكن القول أربعين ليلة في جملة واحدة، والوجه الذي أقوله منسجماً مع ما نحن فيه أن أفراد العشرة لإظهار الاعتناء بها والالتفات إلى فضلها الخاص.
ومنها صوم الأيام التسعة الأولى ويكره صوم يوم عرفة لمن يضعفه الصوم عن الدعاء أو إذا كان خلاف في أول الشهر خشية أن يكون عيداً ففي رواية الشيخ الصدوق عن الإمام موسى بن جعفر أن من صام التسع كتب الله عز وجل له صوم الدهر.[5]
ومن لم يتيسر له صومها كلها لضعف أو انشغال أو تقديم الأهم فليصم أول يوم فإنه يعدل صوم ستين أو ثمانين شهراً. ويصوم اليوم الثامن المسمى بيوم التروية فقد ورد فيه أن صومه كفارة سنة.
ومنها الأدعية والأذكار الموجودة في كتب السنن والمستحبات وقد ذكر بإزاء كل منها ثواب عظيم.
وينبغي مضاعفة الهمة أكثر ليلة عرفة ويومها وليلة العيد ويومه وتوجد أدعية ذات مضامين عالية في هذه الأوقات المباركة الشريفة، كما ينبغي عدم تفويت زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) المخصوصة في يوم عرفة ويوم العيد ولو من بعد لمن لم يتيسر له التشرف بلثم تربته المباركة.
وكذا ينبغي إحياء شعائر أهل البيت (عليهم السلام) ومنها ذكرى استشهاد الإمام الباقر (عليه السلام) في السابع من ذي الحجة.
إن من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان توفير هذه الفرص الخاصة للألطاف الإلهية ليسرِّع الله تبارك وتعالى لعباده التكامل والرقي ويطوي لهم المسافات المعنوية نحو الكمال، لذا فإن من الذكر الذي أمرنا به في هذه الأيام المباركة، الالتفات إلى هذه النعم الخاصة والشكر عليها قولاً وفعلاً ولذا ورد في أدعية الأيام العشرة الأولى (اللهم هذه الأيام التي فضلتها على الأيام وشرّفتها وقد بلغتنيها بمنك ورحمتك فأنزل علينا من بركاتك وأوسع علينا فيها من نعمائك) ولتكن طلباتك سامية كالتي ذكرها الدعاء لأن عطاء الله تعالى واسع فيها.
وأوّد ألفات نظر الأحبّة إلى انه توجد أعمال للشهر القمري كشهر بغضّ النظر عن أعمال أيامه، يستحب المواظبة عليها في كل شهر قمري، وإذا لم يتسنّ الالتزام بها في كل شهر فلا أقل من العمل بها في مثل هذه الأشهر الشريفة حتى لا يكون تاركاً لها، فللملتزم بعمل –كصلاة الليل- منزلة، ولمن لم يكن من تاركي العمل منزلة، فإن لم تكن من أهل الأولى فكن من أهل الثانية.
ومن الأعمال المتعلقة بكل شهر قمري:
1- صلاة أول الشهر وهي ركعتان يقرأ في الأولى الحمد مرة والتوحيد ثلاثين وفي الثانية الحمد مرة وسورة القدر ثلاثين، ثم يتصدق بما يتيسر ليشتري سلامة ذلك الشهر، والسلامة المذكورة مطلقة فلا تختص بالسلامة من الآفات والكوارث والمصائب وإنما تشمل السلامة المعنوية من الذنوب والمعاصي والتقصيرات والانشغال عن الله تبارك وتعالى.
وإنما يُذكر الثواب بإزاء العمل لتحفيز البعض من المؤمنين وإلا فإن مجرد كون العمل محبوباً عند الله تعالى ومطلوباً عنده كافٍ للمبادرة إلى فعله.
2- صوم ثلاثة أيام من الشهر والأفضل أن تكون أول خميس وآخر خميس والأربعاء في العشرة الوسطى وهذه سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي علّمها أمير المؤمنين (عليه السلام) وواظب عليها حتى وفاته (صلى الله عليه وآله).
3- ختم القرآن مرة واحدة كما ورد في الكافي عن الإمام الصادق (عليه السلام) وإن لم يتيسّر في سائر الشهور ففي شهرين مرة.
إن هذه الأيام الشريفة محل للحديث النبوي الشريف (إن لربكم في أيام دهركم نفحات، الا فتعرضّوا لها، ولا تعرضوا عنها) والعياذ بالله، والتعرض لها إنما يكون بالتعرض لأسبابها، والإعراض عنها إنما يكون بالأعراض عن أسبابها، فإن الفرص تمرّ مرَّ السحاب والعاقل من اغتنم الفرصة قبل أن يندم لفواتها ولا ينفع الندم. والله ولي التوفيق.
[1]) كلمة وجهها سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) من خلال قناة (النعيم) الفضائية بمناسبة قرب حلول شهر ذي الحجة الحرام/ 1432.
[2]) معاني الأخبار: 296 باب معنى الأيام المعلومات والأيام المعدودات.
[3]) المراقبات للمرحوم ملكي تبريزي: 273.
[4]) تفسير الصافي: 3/235.
[5]) وسائل الشيعة، أبواب الصوم المندوب، باب 18 وكذا ما بعدها من الروايات.