حذر سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) من مشاريع العولمة المخادعة التي يسُّوقها الاستكبار العالمي لدى شعوب المنطقة من أجل تذويب كل الخصوصيات والهويات والقضاء على المبادئ والقيم التي نؤمن بها وعزل الامة عن موروثها الفكري والأخلاقي والاجتماعي الذي امتازت وارتقت به وصهرها في بوتقة واحدة بمختلف الاصعدة الثقافية والفكرية والاقتصادية والسياسية وغيرها ليكون العالم ذا هوية واحدة ويكون تحت سيطرتهم وهيمنتهم .
وقال سماحته في كلمة القاها في جمع من طلبة الجامعات والفضلاء والنخب المثقفة بمكتبه في النجف الاشرف: إن “الاستكبار العالمي وظف ماكنته العسكرية والاعلامية وغيرها من الأدوات وانشأ مؤسسات باختصاصات متنوعة لبسط سيطرته ونفوذه .. مثلاً في باب الهيمنة الاقتصادية تجد منظمة التجارية العالمية و البنك الدولي والدوائر الملحقة به الذي لا يمنح قرضاً او مساعدةً الى أية دولة إلا وفق شروط قاسية تجبرها على الخضوع لشروطه كما إنهم يستخدمون قوتهم العسكرية لغرض الهيمنة السياسية ويشعلون الحروب العبثية في مناطق المسلمين او ما يسمونه بـ (دول العالم الثالث) من اجل استنزاف الطاقات المادية والبشرية وتخريب البلاد وهدر الثروات لتبقى هذه الدول تابعة لهم”.
واستطرد سماحته (دام ظله)، اما على صعيد العولمة الاجتماعية والثقافية فقد استهدفت هذه الجهات اهم شريحتين لإحداث هذه التغييرات وجعلها أداة لتنفيذ مشاريعها الخبيثة وهما شريحتا الشباب، و النساء .. مستغلين شعور جملة منهم بالإقصاء وعدم الاهتمام والاحترام وعدم توفير احتياجاتهم الاساسية.. وسعوا الى تسيير هاتين الشريحتين وفق رؤاهم ومناهجهم المشبوهة ليصبح المجتمع كلُه بأيديهم بعد تفكيك روابطه الاجتماعية والانسانية .
واستشهد سماحته بالإحصائيات الصادرة من المحاكم العراقية والتي اشرّت الى ارتفاع حالات الطلاق بنسبة قد تصل الى الربع او الثلث من نسب الزواج في بعض المحافظات مثل بغداد .. وهو ما عدّهُ (دام ظله) مؤشراً خطيراً وغريباً على مجتمع لم يألفه من قبل واعتبر سماحته (دام ظله) هذه الاحصائيات من نتاجات التخريب والتغيير الاجتماعي التي اختُرِقَت بها مجتمعاتنا وكذلك بسبب ما ذكره مجموعة من الحقوقيين ومن المختصين بقوانين الاحوال الشخصية وهي الامتيازات الممنوحة للمرأة المطلقة في القانون الوضعي تفوق حقوقها وهي في حالة الزوجية، مما جعلها تستسهل طريق فك ارتباط الزوجية والذهاب في طريق الانفصال .
وعلى ذات السياق، ذكَّر سماحته بالمطالب الحقة لبعض الجهات الواعية والغيورة على دينها بأن يكون المواطن مختاراً في احواله الشخصية بين القانون الوضعي الذي يتضمن مخالفات صريحة للدين والأخلاق ـ والقانون الشرعي الاسلامي، وهذا وجه من وجوه الحرية التي كفلها الدستور وليس فيه إلغاء او استبدال للقانون الوضعي بالقانون الشرعي , فالاعتراض عليه غير مبرّر.
وأكد سماحته ان مصادرة حرية الناس في هذا الموضوع الحيوي الذي له ارتباط بالنسيج الاجتماعي، واجبارهم على التعامل ضمن اطار القانون الذي يخالف تعاليم دينهم وقيمهم الاجتماعية، يعتبر ظلماً لهم وتجاوزاً على حقوقهم.
ودعا سماحته الشباب الى الحذر من المؤامرات التي تحاك ضد مجتمعاتهم ومن البرامج المشبوهة التي تعُد من اجل حَرفِهم عن الطريق الصحيح، والالتفات الى المفصل التاريخي الذي نعيشه والنظر بعين المسؤولية الى المديات الواسعة من التحدي الذي يعصف بالأمة، وان يأخذوا دورهم الحقيقي بفاعلية أكثر وعدم الركون الى المظاهر الشكلية والمطالب الجزئية لأن الرهان عليهم في النهوض والارتقاء، وان لا يكونوا جزءاً من الحجر الاساس الذي يرتكز عليه الاستكبار العالمي لتخريب الشعوب وتدميرها وذكَّرهم بالمواقف الخالدة لصمود اصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في بدر الذي عبّر عنه القرآن الكريم بــ (يوم الفرقان) وبيوم الامام الحسين (عليه السلام) وصموده وصبره وشجاعته لساعات من النهار.. ولكنها كانت طويلة في حساب التاريخ ومازلنا ننعم ببركة التضحيات وتلك الدماء الزاكيات .