في شهر ربيع الاول من كل عام تهب جموع من المؤمنين والمؤمنات لزيارة مرقد الشهيد سعيد بن جبير (رضوان الله عليه) ومنهم من يمشي سيرا على الاقدام.
ويأتي موكب اهالي شيخ سعد ويباشر المسير التمثيلي من مدينة الناصرية وصولا الى قضاء الغراف مستعرضين الاحداث التي حصلت للشهيد سعيد بن جبير الى ان يصلوا المرقد الطاهر.
وقد كتبنا مقال بحثي في عام 2012 نوضح فيه بعض الاشتباهات في رواية ذكرى استشهاد التابعي سعيد (رضوان الله عليه) واثناء المطالعة في بعض المصادر عن هذا التابعي الجليل وجدت بعض الباحثين والكتاب ينسبون الشيخ المفيد الى المجاهد الشهيد الشيخ سعيد بن جبير.
وقد كتب عن شخصية التابعي سعيد بن جبير ثلاثة عشر مؤلفا من عدا التراجم القديمة كلها ذو شجون حيث يجد القارئ الكثير من التفاصيل.
ولكن لم نجد احد من هذه المؤلفات تبين لنا علاقة الشهيد السعيد بن جبير بالشيخ المفيد (رضوان الله عليهما). ماعدا منشور مركز الامام الصادق (عليه السلام) الذي ذكر ربط النسب بدون تحقيق الموضوع.
ايضاح عن الشيخ المفيد:
يقول الشيخ الطوسي المفيد تلميذه النجاشي الذي يعد خريت فن علم الرجال في عصره، وكان كثير من العلماء يقدمون رأيه على رأي غيره عند تعارض الأقوال لما امتاز به معرفة خصوصيات من يترجم لهم، يورد اسم الشيخ المفيد كاملا ويقول: هو محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام، ثم يذكر بعد ذلك 30 واسطة من أسماء الأجداد إلى أن يصل النسب إلى يعرب بن قحطان.. (اهـ).
وفي منشور مركز الامام الصادق (عليه السلام) قيل ان الجد السادس للشيخ المفيد أعلى الله مقامه (معلم المذهب الشيعي) يقال له سعيد بن جبير فهو محمد بن محمد النعمان بن عبد السلام بن جابر بن النعمان بن سعيد بن جبير بن وهب بن هلال الحارثي نسبه الى الحارث بن كعب من يعرب بن قحطان.
واغلب التراجم للشيخ المفيد تذكر نسبه: الشيخ المفيد بن المعلم أبي عبدالله محمد بن محمد بن النعمان بن عبدالسلام بن جابر بن نعمان بن سعيد بن جبير بن وهب بن هلال بن أوس بن سعيد بن سنان بن عبدالدار (الداري) بن الريان بن قطر بن زياد بن الحارث بن كعب بن غلة بن خالد بن ملك بن أدد بن زيد بن يشجب بن غريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان الحارثي البغدادي..
واذا وضعنا في الحسبان فرق العمر بين الشهيد سعيد بن جبير المولود سنة 40 هـ، والشيخ المفيد المولود سنة 336 وقيل 338 هـ، ونأخذ الاول يكون الفرق 296 سنة. وهذا الفرق لا يستبعد فيه صحة الربط النسبي بينهما اذا قيل الجد السادس. ومع ذلك يحتاج الموضوع الى تحقيق عميق لبيان صحة النسب.
ولكن نرى المؤرخ الكبير العلامة الشيخ محمد حرز الدين يذكر لنا جد سعيد بن جبير بالشكل التالي: سعيد بن جبير بن هشام الاسدي الوالي الكوفي.
ونقف مع اسم جد المفسر للقرآن العالم سعيد! يقول الشيخ اسمه هشام، ويذكر ذلك ابن خلكان، والذهبي.
وعلمنا من خلال التسلسل النسبي للشيخ المفيد ان جده السادس هو سعيد بن جبير بن وهب بن هلال الحارثي. والجد الخامس نعمان الذي يأتي قبل سعيد.
ماذا نلاحظ من اشتباه؟
في ترجمة سعيد بن جبير المصادر التي ذكرناها تقول ان جده هشام. وفي تسلسل الشيخ المفيد بعد ذكر سعيد وهب وقبله تعمان.
وكلاهما لا علاقة له بالشهيد التابعي سعيد بن جبير لان سعيد في المصادر التاريخية اولاده ثلاثة هم محمد وعبد الملك وعبد الله، فلم تذكر لنا التراجم لسعيد ولد اسمه النعمان.
ويتضح لنا بأن ما يرد من تنسيب للشيخ المفيد بان جده السادس هو التابعي الشهيد سعيد بن جبير غير صحيح، وهو مجرد اشتباه لتشابه الاسماء.
وهذا يحصل في الكثير من الاحيان لعدم دراية الكاتب في علم النسب او كتابة التسلسل النسبي، ولكن هذا لا يدعونا الى أن نتوقف في البحث، بل علينا أن نتعمق في البحث لغرض الوصول لمعرفة صحة الموضوع من عدمه.
انتساب الشهيد التابعي سعيد بن جبير (رضوان الله عليه):
يعرفنا سعيد بن جبير بنفسه في محاورة بينه وبين استاذه عبد الله بن عباس وهذا نصها:.
عبد الله بن عباس: ممن أنت؟
سعيد بن جبير: من بني أسد
عبد الله: من عربهم او من مواليهم؟
سعيد: بل من مواليهم.
عبد الله: فقل أنا ممن أنعم الله عليهم من بني اسد.
ولد المجاهد العالم الجليل سعيد بن جبير عام 40هـ في الكوفة. واستشهد في سنة 94ـ95 بواسط.
والده كان راويا للحديث عن أمير المؤمنين الأمام علي (عليه السلام).
أمه معروفة من بني كليب بن وبرة، مشهوره بـ(أم الدهماء).
اعقاب سعيد: محمد وكان يكنى به. ويذكر ابن كثير من الاولاد عبد الملك، وعبد الله وقال عن الثاني: له روايات كثيرة فقد كان من أفضل اهل زمانه.
ويقول الامام الخوئي في رجاله: أبو محمد مولى بني والبة أصله الكوفة نزل مكة تابعى من أصحاب السجّاد (عليه السلام)، ويستشهد بقول ابن شهر أشوب عن الامام علي بن الحسين (عليه السلام)ومن رجاله من التابعين: أبو محمد سعيد بن جبير مولى بني أسد نزيل مكة وكان يسمّى جهبذ العلماء ويقرأ القرآن في ركعتين.
اساتذة سعيد بن جبير
1. عبد الله بن عباس.
لازم بن عباس في مكة لحين وفاته سنة 68هـ
يقول سعيد عن ابن عباس: كنت اسمع الحديث عن ابن عباس، فلو يأذن لي لقبلت راسه.
ويروى عندما اجاز ابن عباس سعيد في الحديث قال سعيد: أحدث وانت هاهنا، فيقول بن عباس: أوليس من نعمت الله عليك أن تحدث وأنا شاهد فأن اصبت فذاك وان اخطأت علمتك.
2. ابو عبد الرحمن عبد الله بن عمر
يقول السيوطي في ترجمة سعيد: احد علماء التابعين، اخذ العلم عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر.
وقد جاء رجل يسأل عبد الله بن عمر فقال له.: أتي سعيد بن جبير فأنه اعلم بالحساب مني وهو يفرض فيها ما افرض
3. الامام علي بن الحسين (عليه السلام).
قال الامام (عليه السلام) الى مسعود بن مالك: تستطيع ان تجمع بيني وبين سعيد بن جبير؟
مسعود: ماحاجتك اليه؟
الامام (عليه السلام): اشياء اريد ان اساله عنها، ان الناس يأتوننا بما ليس عندنا.
وكانت صحبة سعيد الى الامام (عليه السلام) في المدينة المنورة من سنة 60ـ 95هـ.
قال الفضل بن شاذان: كان يأتم بعلي بن الحسين (عليه السلام) وكان يثني عليه، وماكان سبب قتل الحجاج له الا هذا الامر وكان مستقيما.
قال الفضل بن شاذان: ولم يكن في زمن علي بن الحسين في أول أمره إلا خمسة أنفس: سعيد بن جبير، سعيد بن المسيب، محمّد بن جبير، يحيى بن أم الطويل، أبو خالد الكابلي واسمه: وردان، ولقبه: كنكر..
الروايات عن العالم سعيد بن جبير
روى عن ابن عبّاس وروى عنه سليمان الاعمش. تفسير القمّى: سورة القلم في تفسير قوله تعالى: (إنا بلوناكم كما بلونا أصحاب الجنة).
وروى عنه الحكم: الفقيه: الجزء 4 باب الوصية من لدن آدم عليه السلام الحديث 455 وباب النوادر وهو آخر أبواب الكتاب الحديث 916.
وروى عن النعمان بن سعيد وروى عنه ثابت بن أبي صفية. مشيخة الفقيه: في طريقه إلى النعمان بن سعيد..
وروى الشيخ الصدوق في معاني الاخبار عن سعيد بن جبير عن عائشة قالت، كنت عند رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فأقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: ((هذا سيد العرب))، فقلت يارسول الله ألست سيد العرب؟ قال (صلى الله عليه واله وسلم): ((أنا سيد ولد أدم وعلي سيد العرب)).
ويقول الشيخ حرز الدين: كان سعيد بن جبير من التابعين المشهورين بالفقه في الدين الاسلامي، وكان عالما بتفسير القرآن زاهدا عابدا. ويعرف ايضا بجهد العلماء، أخذ العلم عن الامام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام).
وفي ((طبقات الشعراني)) كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء في رمضان، ويختم القرآن في كل ركعة في جوف الكعبة.
كان الامام زين العابدين يثني عليه ثناءا عطرا حيث كان مستقيم الرأي، يرى في أئمة الحق المعصومين مالايراه في غيرهم، وكان شيعيا صلب الايمان.
وما روي عنه في تفسير القرآن الكريم:
ـ قال تعالى {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً}، عن سعيد بن جبير يعني: عليّ بن أبي طالبٍ والحسن والحسين عليهم السّلام وفاطمة..
ـ وقال تبارك وتعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} فقد قال سعيد بن جبير في تفسيرها هو المهدي من عترة فاطمة عليها السلام…
ـ وقال عزوجل: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت (الاية): «قل لا اسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى» قالوا: يا رسول الله! من هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة والحسن والحسين.
وكما نرى من روايات وتفسير آيات القرآن الكريم عن سعيد بن جبير، فهي كفيلة بأن يقوم الحجاج بقتله لأنه داعيا لأهل البيت (عليهم السلام). ولذلك قيل أما سعيد بن جبير رضي الله عنه، فقد قتله الحجاج الثقفي، (40 – 95 ه/660 – 714 م) بسبب حبه لآل البيت.
وذُكر سعيد عند أئمّة المذاهب الأربعة أنّه جِهبذ العلماء، وصحاحهم من البخاري وغيره تزخر برواياته، وكتبهم الفقهية لا تخلو من فتاواه، وقد وصفوه بـ « الشهيد »، ونقموا على الحجّاج لقتله إيّاه. وقد ذكره الذهبي وأورد قول ميمون بن مهران: مات سعيد بن جبير وما على ظَهر الأرض رجلٌ إلاّ وهو يحتاج إلى علمه.
من أقوال وحكم سعيد بن جبير
ـ ما بلغني حديث عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) على وجه الا وجدت مصداقه في كتاب الله.
ـ ليس في كل حين أحلب فاشرب. وقد نسب هذا القول في لسان العرب الى سعيد بن جبير
ـ ما مت عليه ليلتان، ألا اقرأ القرآن مريض او مسافر.
ـ: لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيت أن يفسد على قلبي.