أبو جعفر موسى بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام هو أخو الإمام علي الهادي لأبيه وأمه.
اشتهر بعدالته وأمانته وديانته وكياسته وبالفضل والعلم والتقوى وأسمى درجات الكمال، شأنه في ذلك شأن آبائه الطاهرين عليهم السلام.
ولادته
وُلد بالمدينة سنة 214 للهجرة وهو يصغر أخاه الإمام علي الهادي بسنتين وعاش في كنف والده ست سنين وعندما أراد والده الإمام الجواد الخروج من المدينة إلى العراق ومعاودتها أجلس أبا الحسن في حجره بعد النص عليه وقال له: ما الذي تحب أن أهدي إليك من طرائف العراق ؟ فقال (عليه السلام): سيفا كأنه شعلة نار ثم التفت إلى موسى ابنه وقال له: ما تحب أنت ؟ فقال فرسا، فقال (عليه السلام): أشبهني أبو الحسن، أشبه هذا أمه (1).
لقبه
وكان يسدل على وجهه برقعا دائما، لما قيل من أنه كان حسن الوجه، جميل الصورة، وكان يشبّه بالنبي يوسف عليه السلام لحسنه وجماله وكان الناس – رجالا ونساء – يطيلون النظر إليه، انبهارا بجماله، ويزدحمون في الطرق والأسواق لانشدادهم إليه، فكان – عليه السلام – يتضايق من هذا الأمر، ولهذا ستر وجهه ببرقع حتى يستريح من كثرة نظر الناس إليه، ولذلك سُمّي بالمبرقع.
خروجه من المدينة
كان خروجه من المدينة إلى الكوفة بعد خروج أخيه إلى سر من رآى وذلك في مطلع شبابه ثم تركها إلى قم سنة مئتين وست وخمسين أي بعد وفاة أخيه الهادي بسنتين وله من العمر اثنان وأربعون سنة إلا أنه لم يستقر في قم بسبب بعض جهالها الذين أمروه بالخروج منها، فرحل إلى كاشان واستقبله هناك أحمد بن عبد العزيز بن دلف العجلي، فأكرمه وأنزله مقاما جميلا، وبعد ذلك فإن أهالي قم قد أصابهم الندم، وشعروا بالتقصير والتخاذل من فعلتهم القبيحة تلك، فجاءوا إلى كاشان نادمين أذلاء، معتذرين مما صدر من بعضهم، وأصروا على مجيء أبي جعفر موسى المبرقع إلى قم ثانية، فحملوه معززا مكرما إليها.
حاله مع أهل قم
قال الحسن بن علي القمي في ترجمة تاريخ قم نقلا عن الرضائية للحسين بن محمد بن نصر: أول من انتقل من الكوفة إلى قم من السادات الرضوية كان أبا جعفر موسى بن محمد بن علي الرضا عليهم السلام في سنة ست وخمسين ومائتين وكان يسدل على وجهه برقعا دائما فأرسلت إليه العرب أن اخرج من مدينتنا وجوارنا… (2).
ولم يذكر لنا التاريخ سببا مقنعا لفعل أهل قم هذا فقد ذكر الشيخ عبد الرسول الغفار: هو أول من نزح من الكوفة وسكن قم من أولاد الإمام الرضا عليه السلام، وكان في سنة 256 ه، إلا أنه لم يستقر في قم بسبب بعض جهالها الذين أمروه بالخروج منها… (3).
وقال الحاج حسين الشاكري: …وارتاب منه أهالي قم لعدم معرفتهم إياه، فأخرجه جماعة العرب المقيمين بها فرحل عنها… (4).
وقال في موضع آخر: … وكان موسى يلقي على وجهه برقعا، ولذلك قيل له المبرقع لجمال وجهه الباهر، ولعل ذلك هو السبب في إخراجه من قم، لأن أهلها لم يعرفوه وكانوا في شك وريبة من أمره أولا… (5).
وقال الشيخ عبد الرسول الغفار في شبهة الغلو عند الشيعة: ومن الذين أخرجوا من قم ـ قهرا ـ السيد أبو جعفر موسى بن محمد بن علي بن موسى الكاظم عليه السلام وإليه تنسب عائلة المبرقع ولا يزال لهم أحفاد وأبناء في قم منتشرين في كل نواحيها داخلها وخارجها والأراضي المجاورة لها من النواحي والقرى.
وما اشتهر بين القميين من لقب ( برقعي ) إنما المعنيون هم آل المبرقع نسبة إلى جدهم الكبير موسى بن محمد المبرقع. وكان سبب إخراج هذا السيد من قم هو بفعل بعض من ينسب إلى العلم والعلماء بل من نسبته إلى الجهل أقرب منه إلى العلم وتظافرت جهود بعض الحاسدين ومن له مقربة من السلطان فغرر بالوالي مما أعانهم على إخراج السيد فالتجأ أبو جعفر موسى المبرقع إلى كاشان حيث استقبله هناك أحمد بن عبد العزيز بن دلف العجلي، فأنزله المكان وأكرمه بما يليق بشأنه على ما في ذلك من آيات التكريم والحفاوة والتعظيم … .
وقال العطاري صاحب مسند الإمام الجواد: الظاهر أن مخالفة أهل قم مع موسى المبرقع وإخراجه عن بلدهم كان لعدم معرفتهم إياه لأنه كان يستر وجهه بالبرقع ولا يظهره للناس، وكانوا في شكٍ وترديد في شخصه وأمره، فلما ألقى البرقع، وكشف عن وجهه عرفوه وأكرموه نهاية الإكرام.
ولعل السبب الحقيقي الكامن وراء إخراجه من قم هو رفضه منصب الإمامة في حياة أخيه وبعد وفاته حيث نجد ذلك في كتاب النحلة الواقفية للحاج حسين الشاكري نقلا عن كتاب فرق الشيعة للنوبختي وكتاب المقالات والفرق قال: إن الذين قالوا بإمامة أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) اختلفوا في كيفية علمه لحداثة سنه ضروبا من الاختلاف، قال أصحاب الإمام محمد بن علي الرضا (عليه السلام) الذين ثبتوا على إمامته إلى القول بإمامة ابنه ووصيه علي بن محمد الهادي (عليه السلام) فلم يزالوا على ذلك سوى نفر يسير عدلوا عنه إلى القول بإمامة أخيه موسى بن محمد، ثم لم يلبثوا على ذلك إلا قليلا حتى رجعوا إلى إمامة علي بن محمد الهادي (عليه السلام) ورفضوا إمامة موسى بن محمد المبرقع، فلم يزالوا على ذلك حتى توفي علي بن محمد الهادي (عليه السلام) وقال: لأن موسى المبرقع كذبهم وتبرأ منهم، ومن ادعى إمامته فلم يزل كذلك حتى توفي علي بن محمد الهادي (ع).
خروجه إلى كاشان
نقل العلامة المجلسي عن الحسن بن علي القمي في ترجمته لتاريخ قم نقلا عن الرضائية: …فانتقل عنهم إلى كاشان فأكرمه أحمد بن عبد العزيز بن دلف العجلي فرحب به، وألبسه خلاعا فاخرة، وأفراسا جيادا ووظفه في كل سنة ألف مثقال من الذهب وفرسا مسرجا… (6)
ولم يذكر لنا المؤرخون مدة إقامته في كاشان بجوار أحمد بن عبد العزيز بن دلف العجلي إلا أننا نستنتج من الروايات أن إقامته لم تطل كثيرا في كاشان حيث دخل قم بعد خروج موسى منها أبو الصديم الحسين بن علي بن آدم ورجل آخر من رؤساء العرب وأنباهم على إخراجه وسوء معاشرتهم له فعند ذلك ندم أهل قم، واستشفعوا برؤساء العرب الذين قدموا قم من الكوفة، فقبل موسى شفاعتهم وعفى عن أهل قم، فأرسلوا رؤساء العرب لطلب موسى وردوه إلى قم واعتذروا منه وأكرموه واشتروا من مالهم له دارا ووهبوا له سهاما من قرى هنبرد واندريقان وكارچة وأعطوه عشرين ألف درهم واشترى ضياعا كثيرة وأحاطوا به واستفادوا من علمه وفضله، فأتته أخواته زينب، وأم محمد، وميمونة بنات الجواد عليه السلام ونزلن عنده فلما متن دفن عند فاطمة بنت موسى عليهما السلام.
روايته
وهناك خبر مروي عن يعقوب بن ياسر، يمس بكرامة موسى المبرقع ويطعن فيه (7)، وهو خبر لا اعتماد عليه؛ لمجهولية الراوي، وعدم الاعتبار بحديثه. وقد ألف الشيخ النوري – رحمه الله – رسالة سماها: ( البدر المشعشع في أحوال ذرية موسى المبرقع ) زيف فيها ذلك الخبر، وذكر بعض الأدلة على استقامة حاله واعتداله وكذلك فعل السيد الخوئي في معجم رجال الحديث إلا أن البعض ممن تعرض لسيرته ينقل الخبر دون تثبت.
وكان موسى المبرقع من أهل الحديث والدراية، ويروي عنه الطوسي في التهذيب، وابن شعبة في تحف العقول
روى عن أخيه أبي الحسن الثالث عليه السلام، وروى عنه محمد بن سعيد الآذربيجاني، والحسن بن علي بن كيسان. الكافي: الجزء 7 ، كتاب المواريث 2 ، باب بعد باب آخر من ميراث الخنثى 53، الحديث 1. ورواها الشيخ بإسناده، عن الحسن بن علي بن كيسان، عنه، عن أخيه أبي الحسن عليه السلام . التهذيب: الجزء 9، باب ميراث الخنثى، الحديث 1272. روى عن أخيه أبي الحسن العسكري عليه السلام ، وروى عنه محمد بن بعيد. تفسير القمي: سورة الشورى، في تفسير قوله تعالى: ( أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ).
وفاته
وأقام موسى بقم حتى مات ليلة الأربعاء لثمان ليال بقين من ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين ،وسنه اثنان وثمانون عاما وكانت إقامته في قم أربعين سنة ودفن في بيته الذي كان قبل وروده إلى قم لمحمد بن الحسن بن أبي خالد الملقب بشنبولة بعد أن صلى عليه أمير قم العباس بن عمرو الغنوي ومن بعده ماتت بريهة زوجته فدفنت بجنب قبر زوجها وهو المشهد المعروف اليوم.
قبره
وقبره اليوم مزار مشهور، وعليه عمارة حديثة ضخمة وضريح فضي مذهب، ويقع في المحلة المعروفة ب ( دربهشت ) أي باب الجنة في (شارع آذر)، في منطقة (چهل اختران). ودفن معه في هذه البقعة أبو علي محمد الأعرج بن أحمد بن موسى المبرقع، ثم دفنت فيها زينب بنت موسى المبرقع، ثم فاطمة بنت محمد بن أحمد بن موسى و بريهة بنت محمد بن أحمد بن موسى المبرقع، ثم أبو عبد الله أحمد النقيب بن محمد بن أحمد بن موسى المبرقع، ثم أم سلمة بنت محمد بن أحمد، ثم أم كلثوم بنت محمد بن أحمد، ويوجد قبور جماعة آخرين من ذرية موسى المبرقع في تلك البقعة.
ذريته
وعقب السيد موسى المبرقع من ولده أحمد وحده ومنه في ولده محمد الأعرج المعروف بأبي علي وكان رجلاً فاضلاً تقيّاً ورعاً للغاية، حسن المنظر والمناظرة، فصيحاً عاقلاً، وكان رئيساً ونقيباً في قم، وأميراً للحاج، وقد شبهه أمير قم بالأئمة في الفضل والكمال، واعتقد بأنه يصلح للإمامة، ومنه في ولده أحمد النقيب وكان سيداً جليل القدر عظيم الشأن، رفيع المنزلة رئيساً نقيباً في قم، وكان رجلاً متنسكاً متعبداً محبباً إلى قلوب الناس، سخيّاً جواداً واسع الجاه، ولد بقم سنة 311هـ وتوفي في شهر صفر سنة 358هـ وكانت وفاته لأهل قم مصيبة عظمى،وأعقب أحمد النقيب من رجلين هما علي وموسى النقيب وكان أبو الحسن موسى بن أحمد سيد أهل قم ورئيسهم، حسن المعاملة معهم، مراعياً حقوقهم، وفوّضت إليه نقابة السادة في قم ونواحيها، وكان سادة آبة وقم وكاشان وغيرها تحت نظره في جميع أمورهم.
ومنهما انحدرت سلالة السيد موسى المبرقع وانتشرت في العديد من البلدان الإسلامية كالعراق وإيران وغيرهما وقد تولى بعضهم النقابة والإمارة، وكان فيهم العلماء وأهل التدبير والسيادة.
الهوامش
(1) بحار الأنوار للعلامة المجلسي- ج 50 ص 123.
(2) المصدر السابق – ج 50 ص 160.
(3) الكافي والكليني للشيخ عبد الرسول الغفار – ص 68.
(4) موسوعة المصطفى والعترة (ع) للحاج حسين الشاكري – ج 13 ص 32.
(5) المصدر السابق – ج 14 ص 24.
(6) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 50 ص 160 و 161، هامش تحف العقول لابن شعبة الحراني ص 476، الكافي والكليني للشيخ عبد الرسول الغفار ص 68 و 69، موسوعة المصطفى والعترة للحاج حسين الشاكري ج 13 ص 33/ ج 14 ص 23.
(7) عن يعقوب بن ياسر قال : كان المتوكل يقول: وَيْحَكم قد أعياني أمر ابن الرضا، أبى أن يشرب معي أو ينادمني أو أجد منه فرصة في هذا، فقالوا له: فإن لم تجد منه فهذا أخوه موسى قصاف عزاف يأكل ويشرب ويتعشق…..