كانت بيعة الناس لأمير المؤمنين عليه السلام بمنزلة صاعقة حلت على بني أمية وكل من يكن العداء للإسلام، وكان كلٌّ من طلحة والزبير يرى نفسه قريناً للإمام عليه السلام. وكان لعائشة المقام المرموق لدى الخلفاء السابقين حيث كانت تتحدث كما تشاء. وكان معاوية يتصرف في الشام تصرف الحاكم المطلق الطامع في السيادة على الأمة الإسلامية وتولي أمورها بصورة تامة. فكانت قرارات الإمام عليه السلام وتخطيطه للإصلاح الشامل ضربة قاصمة لكل هؤلاء، وتضررت مجموعات كانت تستغل مناصبها للحصول على الثروة الطائلة في عهد عثمان. ولهذا كان وجود الإمام عليه السلام في قمة السلطة يُعد تهديداً صارخاً لمصالح الكثير من أولئك القوم.
من هنا اجتمع بعضٌ على إثارة الفتن للحيلولة دون استقرار الحكم الجديد. وفي الوقت الذي كانوا يحرضون فيه الناس على الخليفة الثالث، والمطالبة بقتله – وكانت الغاية من ذلك أن يفوز طلحة وأمثاله بالخلافة – كانت المفاجأة الكبرى بمبايعة الناس للإمام علي عليه السلام بالخلافة، فما كان منهم إلا أن أعلنوا الحرب على وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخداع المسلمين ببعض الشعارات الزائفة للوقوف إلى جانبهم في حربهم ضد الإمام عليه السلام.
وكان لمعاوية بن أبي سفيان الدور الأكبر في تأجيج نار الفتنة المشتعلة بسبب مقتل الخليفة الثالث من خلال مراسلة المتضررين من وصول الإمام علي عليه السلام إلى الحكم، وكان من أولئك الذين راسلهم عبد الله بن الزبير مع البيعة له1 .
اجتمع في مكة الخارجون على بيعة الإمام عليه السلام كالزبير وطلحة ومروان بن الحكم وتعاهدوا على أن يتخذوا من دم عثمان شعاراً لتعبئة الناس ضد الإمام عليه السلام. وأشاعوا أن الإمام عليه السلام هو المسؤول عن إراقة دم عثمان، وخرجوا جميعاً إلى البصرة.
حاول الإمام علي عليه السلام أن يجنب الأمة المصائب وسفك الدماء، وراسل رؤوس الفتنة، فلم يلقَ تجاوباً، وبقي عليه السلام يأمل حتى آخر لحظة قبل نشوب القتال في أن يرتدع الناكثون عن غيهم، فلم يأذن بالقتال حتى شرعوا هم بذلك، فالتحم الجيشان في قتال رهيب، ووصل أصحابه إلى الجمل فعقروه، وانتهت فصول المعركة بانتصار جيش الإمام عليه السلام على مخالفيه.
وبعد هذه المعركة تحرك الإمام نحو الكوفة ليتخذها مقراً له نظراً لكونها تشكل ثكنة عسكرية، حيث كان يقال لها كوفة الجند، ولتوسع رقعة العالم الإسلامي ولقربها من الشام حيث يتحصن معاوية، ولوقوف أهلها معه عليه السلام.