مَن هو القاسم ؟
ذلك هو النَّبعة الطيّبة من الإمام موسى الكاظم عليه السّلام، سيّد جليل القَدْر من سلالةٍ هي أشرف سلالات الخَلق، إذ تتّصل بأشرف العِباد وأزكاهم.. محمّدٍ وآل محمّد صلوات الله عليهم.
أمُّه تُكنّى « أمَّ البنين »، وقيل: القاسم هو أخو الإمام عليّ الرضا عليه السّلام أباً وأمّاً، فيقتضي أن تكون أمّه هي « تُكْتَم » رضوان الله تعالى عليها.
وكان من فضل القاسم أن قال فيه أبوه الإمام موسى بن جعفر عليهما السّلام لأبي عُمارة: أُخبرك يا أبا عُمارة أنّي خرجتُ من منزلي فأوصيتُ إلى ابني عليّ ( أي الإمام الرضا صلوات الله عليه )، وأشركتُ معه بَنِيَّ في الظاهر وأوصَيتُه في الباطن، وأفرَدتُه وحدَه، ولو كان الأمر إليّ جعلتُه ( أي أمر الإمامة ) في القاسم ابني؛ لحبّي إيّاه ورأفتي عليه، ولكنّ ذلك إلى الله تعالى يجعله حيث يشاء (1).
ولمّا استُشهد الإمام موسى الكاظم سلام الله عليه في سجن هارون الرشيد توارى القاسم عن الأعداء واختفى في ناحيةٍ من مدينة الحِلّة في الطريق المؤدّي اليوم إلى مدينة الديوانيّة، فعاش هناك زمناً متخفّياً متنكّراً لا يُعرَف نسبه، حتّى أباح بتعريف نفسه عند احتضاره ليُعرَف نسب ابنته « فاطمة » فتُؤخَذ إلى بيت جدّتها هناك في المدينة.
وكان له قبر مجلّل هناك، دعا أخوه الإمام الرضا عليه السّلام إلى الوفادة عليه حيث قال: مَن لم يَقدِرْ على زيارتي، فليَزُرْ أخي القاسم. ونصّ السيّد ابن طاووس رضوان الله عليه على استحباب زيارة القاسم بن الإمام موسى الكاظم عليهما السّلام ورغّب في ذلك (2).
تحقيق
المشهور أنّ قبر السيّد قاسم بن الإمام الكاظم عليهما السّلام بقرب مدينة الحلّة، أو في طريق الحلّة نحو الديوانية، وهو اليوم واقعٌ في ناحيةٍ عامرة تُسمى باسمه ( ناحية القاسم )، لكنّ البعض قد توهّم بينه وبين مرقدٍ آخر باسم القاسم.. فقال الحموي: « شوشه » قرية بأرض بابل أسفلَ من حلّة بني مَزيد، بها قبر القاسم بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق، بالقرب منها قبر ذي الكِفْل وهو « حِزْقيل » (3).
وقد ردّ عليه حرز الدين قائلاً: هذا خلط منه بل اشتباه؛ لأنّ القبر الذي في شوشة هو قبر القاسم بن العبّاس بن موسى الكاظم عليه السّلام، وقد صرّح بذلك ( النسّابة ) ابن عنبة في كتابه ( عمدة الطالب ) أيضاً. وشوشة قرية من قرى الكوفة تقرب من الكِفْل بفرسخ شرقاً، وفي زماننا يعرف هذا القبر بقبر القاسم بن موسى (4).
من تاريخ المرقد النيّر
كان للقاسم بن الإمام موسى الكاظم عليهما السّلام مرقد ومشهد قديم البناء، تَداعى وطرأت عليه عمارات آخِرُها العمارة القائمة اليوم، ويُعهَد تاريخ بنائها إلى أواخر القرن الثالث عشر الهجري. وقد أمكننا معرفة التواريخ التالية:
ـ في عام 1214 هـ جدّد البناءَ السلطان إسماعيل الأوّل، ووضع فيه صندوقاً خشبياً خاصّاً باسمه.
ـ في عام 1288 هـ جُدّدت العمارة على نفقة السيّد أغا علي شاه الحسيني.
ـ في عام 1325 هـ أجرى السيّد محمّد نجل السيّد مهدي القزويني إصلاحات عديدة، ونصب شبّاكاً من الفضّة على نفقة الشيخ خزعل الكعبي وجيه خوزستان، وكتب على الشبّاك في تاريخه:
ظ
شـاد أبـو المُعـزِّ عَـزِّ قَدْرُهُ
خيرَ ضريحٍ لأبن موسى الكاظمِ
إنْ فاخَرَ الضراحَ في تـاريخِهِ
فأرَّخُـوه: فضـريـحُ القـاسمِ
ـ في عام 1369 هـ كُسِيَت القبّة بالقاشاني بسعي الشيخ قاسم محيي الدين.
ـ في عام 1371 هـ قامت عشيرة الجُبور ببناء الصحن الشريف.
ـ في عام 1380 هـ أسّس السيّد محسن الحكيم مكتبةً عامّةً في الصحن الشريف.
ـ في عام 1385 هـ قام الشهيد السيّد محمد تقي الجلالي بتوسيع الصحن الشريف بما يناسب الزائرين، واهتمّ اهتماماً كبيراً بتجديد الضريح المقدّس.
وتوجد اليوم رخامة تكشف عن تاريخ العمارة، هذا نصّها:
( قد بنى هذا المشهد الشريف والضريح المبارك؛ قربةً إلى الله تعالى وطلباً لمرضاته، لسيّدنا المحترم القاسم بن الإمام الهمام موسى بن جعفر عليهما السّلام والإكرام، السيّد الجليل والسند النبيل العلويُّ الفاطمي آغا علي شاه الحسينيّ ابن السيّدين المحتشمين السيّد حسن الحسينيّ المدعوّ بآغا خان والمخدَّرة بيبي سركار، وكان ذلك في شهر ذي القعدة الحرام سنة 1288 من الهجرة ) (5).