لم ترث العقيلة زينب (سلام الله عليها) سيدة البيت النبوي بعد أمها فاطمة (عليها السلام) سيدة نساء العالمين من أمها مصائب بالمعنى المتعارف بل ورثت مواقف خالدة يعجز أشجع الرجال وأشدهم صلابة عن تحملها.كانت فاطمة سلوة أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) في محنته وسنده الذي يأوي إليه خلال عمر الرسالة: تُؤنسه وتزيل عنه الهموم وتخفّف عنه الآلام وهكذا كانت العقيلة زينب لأبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد أمها فاطمة ولأخيها الحسين ولولده السجاد (عليهم السلام جميعاً).
هُجّرت فاطمة قسراً من مكة مع أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) وأرغموها على مفارقة وطنها وأهلها، وهاجرت العقيلة زينب مع أخيها الحسين (عليه السلام) من مدينة جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مكة ثم إلى العراق بسبب ظلم يزيد وتعقبه للإمام بالقتل.
شاركت الزهراء (عليه السلام) مع أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) في ميادين الجهاد تضمّد جراح أبيها وتمسح علق الدم عن ذي الفقار، سيف زوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) أُحد والأحزاب وكذا العقيلة زينب (عليها السلام) شهدت مع أخيها الحسين (عليه السلام) كربلاء، وما أدراك ما كر بلاء وما تلاها.
وقفت الزهراء (عليها السلام) في مسجد أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) تدافع عن إمامها أمير المؤمنين (عليه السلام) وتثبّت الحق لأهله، وترد على الافتراءات بالحجج الدامغة، لتصحيح المسيرة وتحمي الدين وأهله من الضلال والانحراف، ووقفت العقيلة زينب (عليها السلام) في الكوفة والشام وكل مراحل السبي وألقت الخطب الرصينة لتفضح المدّعين لخلافة المسلمين زوراً، الذي لا يتورعون عن ارتكاب أفظع الجرائم وانتهاك أعظم المقدسات ومنها قتل ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وصور المقارنة كثيرة، لكن الذي جرى على العقيلة في كل هذه المواقف أمضّ وأألم مما جرى على الزهراء (عليه السلام)، فإن الزهراء (عليها السلام) لم تُسبَ من بلد إلى بلد لتُهدى إلى شر خلق الله تعالى، وكانت حرمتها محفوظة عندما خرجت إلى المسجد، ولم تحرق خيامها وتفرّ في البيداء، وغيرها من المصائب التي صارت أعظم غصة في قلوب أهل البيت (عليهم السلام) وأشدها إيلاماً.إن موقف الزهراء (عليها السلام) لم يكن يستطيع أحدٌ أن يؤديه حتى أمير المؤمنين (عليه السلام) لأن خصومه سيقولون عنه أنه شاب مغامر يهوى السلطة والنفوذ على مشايخ قومه فيخلطون الأوراق وتضيع الحقيقة، لكن الزهراء (عليها السلام) كانت فوق أي تهمة أو إشكال، وما ثبت حق أمير المؤمنين وإمامته بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لو لا تلك النهضة الفاطمية المباركة.
وهكذا العقيلة زينب فإن مبادئ الإمام الحسين (عليه السلام) وأهداف حركته المباركة ما كانت لتعرف وتنتشر لولا خطب العقيلة زينب التي كانت غاية في المتانة والوضوح والحجة البالغة، فإن الإعلام الأموي كان من القوة والتأثير بدرجة تقلب الحقائق تماماً، وقد جعلوا من الحسين (عليه السلام) وأصحابه مجموعة من الخارجين على الدولة المتمردين على النظام المطالبين للشغب والفتنة فاستحقوا القتل، وهكذا تذهب دماؤهم هدراً في الصحراء حيث لا ناقل للحقيقة إلاّ الجيش الأموي الظالم المجرم.
إن قضية (الإمامة) والخلافة بعد رسول الله (صلى الله وآله وسلم) وهي أعظم قضايا الإسلام بعد التوحيد، وأخطرها وامضاها تأثيراً في الأمة تولّت بيانها وإرساء قواعدها، ونفي الزيف عنها امرأتان هما فاطمة الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء العالمين وابنتها زينب عقيلة الهاشميين.والنتيجة التي نريد أن نصل إليها ان للمرأة دوراً لا يقلّ عن الرجل في التصدي لأخطر قضايا الأمة وأعظم التحديات التي تواجهها جنباً إلى جنب الرجل، ولا تقعد بها همتها لمجرد أنها امرأة، لكن طبعاً مع مراعاة الدور الذي يناسبها، وساحة العمل التي تتحرك فيها.والمجتمع يواجه اليوم مشاكل وتحديات كثيرة يكون للمرأة دور مهم في مواجهتها كقضية تبليغ الأحكام الشرعية ونشر تعاليم مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس أمور دينهم، فإن الجهل قد تفشى وخفيت على الناس خصوصاً النساء أكثر مسائل الحرام والحلال وضوحاً، وفي ذلك مخالفة صريحة لما أراده الله ورسوله والأئمة المعصومون (سلام الله عليهم أجمعين).
وللمرأة دور في إنقاذ المجتمع من مشاكله وعقده الاجتماعية ومنها ظاهرة الطلاق التي ازدادت بشكل مرعب في السنوات الأخيرة، حيث تشير احصائيات بعض المحاكم إلى بلوغها نسبة 30% أو 40% أي أن ثلث حالات الزواج تقريباً تنتهي إلى الطلاق، وهذه نتيجة مقلقة لأن الله تعالى يبغض الطلاق بقدر حبّه للزواج، وقد جاء في الحديث عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما بني بناء في الإسلام أحب إلى الله عز وجل من التزويج)([1]) فالطلاق تهديم لأحب بناء إلى الله عز وجل، وآثاره الاجتماعية السيئة على المجتمع وخصوصاً الأطفال مما لا يخفى على أحد.
فلابد من حركة واسعة يشترك فيها الرجال والنساء ممن يغضبون لغضب الله تبارك وتعالى، ويحبّون ما يحبّه الله تعالى، لإجراء استبيان شامل ومعرفة أسباب تزايد هذه الظاهرة، ومنها ما يعود إلى ما قبل الزواج كعدم حسن الاختيار بسبب عدم ملاحظة العناصر الحقيقية لبناء زوجية صالحة سواء في الرجل حيث ورد الحديث (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)([2]) وورد في اختيار الزوجة عن النبي (صلى الله عليه وآله) (ما استفاد امرئ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله).([3])أما بناء الزواج على المال الكثير أو الوظيفة الجيدة أو الجمال الظاهري من دون ملاحظة الدين وحسن الخلق والعفاف والمعدن الطيب والأسرة الكريمة فهو أصل المشاكل.
أما القسم الثاني من الأسباب فهو ما حصل بعد الزواج من سوء الاستغلال الرجل لقيمومته على المرأة وتأثره بالتقاليد الاجتماعية من ضرورة التشديد على المرأة إلى حد الظلم. أما من جانب المرأة فقد يكون السبب عدم صبرها على ظروف زوجها وعدم تقديرها لحاله، أو المبالغة في بعض السلبيات أو نقل أخبار بيتها إلى أهلها وتدخلهم في شؤونها، أو اعتدادها بنفسها إلى حد التعالي على زوجها ونحوها من الأسباب.وعلى أي حال فالقضية خطيرة وتستحق الكثير من الوقت للتأمل والدراسة والتشخيص ووضع الحلول، والسعي والحركة تشارك فيها قطاعات واسعة من الحوزة الدينية والقضاة والباحثين الاجتماعيين والنفسيين والأطباء وغيرهم.وما أعظم أن يغضب الانسان لغضب الله تبارك وتعالى ويرضى لرضاه (فاستجاب لهم ربهم أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكر أو أنثى) (آل عمران/ 195).