قال تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون (24) واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب (25)) الانفال
عودنا سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) في كل عام بعد سقوط الطاغية ان يلقي توجيهاته وتحذيراته للامة ولقادة الامة الدينيين والسياسيين لتجنب الوقوع في المحذور. وفي هذا الخطاب المتجدد لهذه السنة وسم بعنوان (السيدة الزهراء (عليها السلام) تدعو الى الله تعالى والانقياد له)، ومن خلال العنوان يتضح مضمون الخطاب، وسأحاول اجماله بنقاط:
أولا: ان الخطاب موجه لقادة الامة سواء كانوا من السياسيين او من الدينيين، وان الواضح هو بالدرجة الأساس الى الدينيين، وأعني بذلك المراجع المؤثرين وغيرهم ممن لا يقل شانا في التأثير على المشهد العراقي سياسيا واجتماعيا والساسة هم تبع لهم، لأنهم أوضح مصداق لممارسة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهم معنيين بالدرجة الأولى بهذا العنوان لأنهم يدعون تمثيل الدين، وثانيا فهم اللاعب الأساس في الساحة، وبهذا الأسلوب فانه يفتح عين الامة على حجم المفاسد الناتجة عن هذا التقصير ليتخذوا التكليف اللازم. وهذا لم يعجب بعض من (خسر حياته) فيريد الدفاع عبثا عن المقصرين وقتلة الامة فظهر على شاشة (الحرة) ليحاول التقليل من شان المرجع اليعقوبي (دام ظله) بجعله رئيسا لحزب او اثارة بعض الشبهات حوله من قبيل (زواج القاصرات) ويعني بذلك الدعوة الى تشريع القانون الجعفري للأحوال الشخصية.. ومن الغريب حقا انه يحسب على الإسلام او الشيعة فهل يوجد مرجع من المراجع الشيعة لا يقول ان سن البلوغ للمراءة هو تسع سنين؟
بينما سماحة المرجع اليعقوبي يقول ثلاث عشرة سنة، وانا أوجه سؤالي لهذا الخاسر هل يوجد في الشيعة حينما يريد الزواج يكتفي بالعقد في المحاكم دون العقد الشرعي (المأذون)؟ وهل من المراجع من يجوز الاكتفاء بعقد المحكمة التي تسير على وفق فقه ابي حنيفة او غيره من مذاهب السنة؟ فلماذا لا يحاكم المراجع الذين يجوزون زواج بنت التسعة أعوام؟؟
من الواضح ان ظهوره على شاشة الحرة وبهذا الوضع الهستيري انما هي إشارة الى حجم تأثير خطاب المرجع اليعقوبي على العروش التي بنيت على دماء الشهداء والمساكين. كل منصف يجب عليه تقييم وضع هذا القاتل للمجتمع حين قال ان هذا الخطاب لا يؤثر، فهل هو ممن يدعو الى حماية البارت والملاهي؟ هل هو مع الاتجار بالبشر؟ هل هو مع انتشار المخدرات؟ أيستطيع انكار ان ثمة من يحمي مواقع الفساد من قوى متنفذة؟ ثم يقول اين كان اليعقوبي ! هل أنك خرفت الى درجة تريد حجب ضوء الشمس بيدك البائسة؟ انسيت الخطابات التي مضت ومنها، حين وجه خطابه من المنصة نفسها عام 1428 هـ الموافق عام 2007 مـ الذي حمل عنوان (يوم الزهراء (عليها السلام) يوم الفرقان ) قائلا: (ان الشرعية المكتسبة من صناديق الاقتراع مشروطة بالوفاء بالبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي وعدوا بها الناخبين فاذا لم يفوا بها ويخدموا الشعب ويفروا له حقوق الحياة الحرة الكريمة فعليهم التنحي طوعا او كرها (وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا امثالكم) محمد 38 وغيرها من التحذيرات التي لو اخذت بنظر الاعتبار لما كان حال العراق وأهله بهذا المستوى من الضعف، ولما استفحل الطغاة.
ثانيا: من الواضح ان قوى الاستكبار لا تريد للعراق بلد اهل البيت (عليهم السلام) ان يحكمه الإسلام وان تكون الشريعة هي الحاكمة على كل شيء، لذا فان المشاريع الشيطانية تترى لإيصاله لرفض الشريعة وهذا الخاسر هو ذنب من اذناب تلك الاجندات التي يقف على راسها من يعدونهم قادة للإسلام! فبدعة الدولة المدنية من صنيعتهم لأنها إرادة اسيادهم، ومؤخرا نشرت صحيفة الواشنطن بوست دراسة بشأن رجال الدين الشيعة في العراق، مما جاء فيها: (ولان سلطتهم تنبع في نهاية المطاف من الشارع العراقي فان رجال الدين الشيعة سيتعين عليهم التكيف مع المطالب الشعبية التي تتجه الان نحو (دولة علمانية) او تخاطر بفقدان كل مكتسباتها).
ويمكن فهم خطاب المرجع اليعقوبي ان رد على هذا التهديد الواضح وهو اما التخلي عن الشريعة والتأصيل لها في هذا البلد او اعلان الحرب على من يرفض، وهنا يعلن المرجع اليعقوبي رفضه القاطع للتخلي عن إقامة الشريعة، كما انه يلفت نظر الاخرين لهذا الخطر المحدق بالإسلام وعليهم اتخاذ المواقف اللازمة تجاهه. كما يفهم من لحن الخطاب ان المعني بالدرجة الأساس هم القادة الدينيين وان الموت ليس بعيدا عن أحد ولا يوجد من هو في منأى عنه، لذا فعليهم التوبة عما ساروا عليه وان يتخلوا عن مواقفهم الداعمة لرفض الشريعة وان يحثوا المجتمع على تقبل الشريعة في كل المجالات وعلى راسها ان يكون الإسلام وشريعته هي الحاكمة على كل القوانين، والا فلا ينفع حجم الاتباع والكثرة يوم القيامة.
ولا بد ان نعي ان القيادة الواعية المتمثلة بالمرجع اليعقوبي تقف وحيدة ضد هذا التيار وهذا المشروع الشيطاني لذا فعلى النخبة الواعية تحريك القادة الدينيين الاخرين فانهم معنيون بهذا الموقف ولتكن هناك جبهة مقاومة لكل مشاريع نسف الشريعة المحمدية.
ثالثا: على وفق ما تقدم يتضح سبب تحذيرات المرجع اليعقوبي وما مدى خطورة الموقف في حال تقاعست الامة عن ضرورة نصرة المصلح إذا أراد تطبيق الشريعة. إن تطبيق المنهج الاسلامي في الحياة هو احياء للعقل والقلب والإرادة، والاحياء هو الفاعلية والنمو والامتداد والبناء، والازدهار الحضاري، والتأثر والتأثير في واقع الحياة. ونقيض الاحياء هو الهلاك المتجسد بالسلبية والخمود وايثار الراحة والبلادة التي تميت عناصر الحيوية في جميع مقومات الانسان العقلية والروحية والسلوكية، وخنق الطاقات والقابليات. ولذا فإن التخلي عن المسؤولية الهادفة إلى احياء الانسان في فكره وعاطفته وسلوكه، يؤدي إلى الهلاك بالخمود والجمود ثم الاضمحلال، كما اضمحلت الأمم والحضارات في التاريخ.
ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ” والأمر و النهي وجه واحد، لا يكون معنى من معاني الأمر إلا ويكون بعد ذلك نهي، ولا يكون وجه من وجوه النهي إلا ومقرون به الأمر. قال الله – تعالى – : ” يا أيها الذين آمنوا ، استجيبوا لله و للرسول إذا دعاكم لما يحييكم . ”
وفي حال عدم الاستجابة للداعي لما يحيي الامة وترك يقارع الظالمين لوحده فان سنة المصيبة العامة تكون بانتظار المجتمع ولم تستثن أحد ولم ينفع وقتها أي ندم لان وقت قبول الندم قد انتهى. فكما يوجد من يريد الحياة للامة ويبذل الغالي والنفيس حتى لو تطلب نفوس زكية كذلك يوجد من يسعى لقتل الامة بتضليلها وقلب الحقائق وتزويرها لعدم الاستجابة لما يحيها، فهي حرب بين الحياة والموت وبين الحق والباطل وبين العزة والذلة وهيهات منا الذلة.
……
بقلم المفكرالاسلامي الشيخ عبد الهادي الزيدي