تمر علينا هذه الايام بألم كبير الذكرى السنوية لاستشهاد المولى المقدس الشهيد الثاني السيد محمد محمد صادق الصدر ( قدس سره الشريف ) حسب التقويم الهجري .
اننا نستذكر في هذه الايام مرجعا كبيرا وعالما جليلا وقائدا شجاعا صدح بقوة الحق ليضحي بنفسه الشريفة فداء منه لمبادئه العظيمة ولنهضته المباركة التي اراد من خلالها اعادة بناء شخصية الانسان المسلم الذي لاتأخذه في الحق لومة لائم وليكون عنوانا وطنيا ودينيا كبيرا التفت حوله الملايين بحب صادق ورغبة كبيرة في الايمان والاصلاح والتحدي جعلتنا نستذكر الايام الاولى للرسالة الاسلامية التي اطلق فيها الرسول الكريم محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحيدا صوت الحق والتوحيد المنادي بعبادة الله الواحد الاحد .
لقد استطاع السيد الشهيد ( قدس سره الشريف ) ان يضع بصمات واضحة وكبيرة في مسيرة المجتمع عملت على إحياءه وتنبيهه الى طريق الحق والهداية والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحدي الظلم والطغيان والمواجهة . حيث انتهج طريقا خاصا وفعالا من اجل تحقيق الاهداف التي يصبو اليها لبناء المجتمع بصورة عامة والشخصية المسلمة بصورة خاصة .
ومن ابرز هذه البصمات الخالدة للسيد الشهيد ( قدس سره الشريف ) هي صلاة الجمعة المباركة التي احيا من خلالها الروح المسلمة الحقيقية الفعالة في المجتمع والتي اعادت البهاء الاسلامي الى اتباع آل بيت النبوة ( عليهم السلام ) . فبعد ان كانت هذه الصلاة المباركة مغيبة عن الوجود لقرون طويلة وكانت حلما يراود الكثيرين من اهل العلم والفضيلة فأن السيد الشهيد ( قدس سره الشريف ) اطلقها صرخة مدوية في وجه كل ظالم ومتجبر وشمعة مضيئة في قلب كل مسلم ومؤمن تمنحه نورا يستضيء به في حياته الفاضلة .
وقد اكد السيد الشهيد ( قدس سره الشريف ) على المحافظة على صلاة الجمعة ووجوب استمراريتها ودوام اقامتها حتى بعد وفاته لانها من وجهة نظره الشريفة منهاجا حياتيا فاضلا ومدرسة تربوية كبرى لبناء الانسان وتربية المجتمع لايمكن الحياد او التخلي عنها مهما كانت الظروف والاسباب . لانه وحسب قوله لا يجوز للمسلمين ان يجعلوا من وفاة السيد محمد الصدر سببا وذريعة لذلة الإسلام وتفرق الكلمة وكثرة المشاكل بين المسلمين وخاصة اتباع آل البيت ( عليهم السلام ) .
وكانت خطب الجمعة للسيد الشهيد ( قدس سره الشريف ) عبارة عن دروس تربوية وإرشادية وتوجيهية وفكرية تحتوي على مواضيع مختلفة تهم المجتمع استطاع من خلالها معالجة العديد من المشكلات الاجتماعية السائدة انذاك والمستقبلية من خلال وضعه لدستور شامل يشتمل على المعالجات الشرعية الحقيقية للثوابت والمستجدات في مختلف المجالات مخاطبا بذلك جميع ابناء المجتمع على اختلاف مستوياتهم الثقافية والفكرية وتوجهاتهم الدينية بلغة مبسطة ميسرة الفهم للجميع وبدون تكلف وباسلوب متواضع محبب يسحر فيه القلوب وبجذب اليه بسرعة حتى المخالفين لنهجه الشريف واسلوبه في العمل الحوزوي .
وهو بذلك خاطب جميع أبناء المجتمع بدون تمييز مستخدما اسلوب آل بيت النبوة ( عليهم السلام ) في الاسلوب الخطابي لجميع الناس لان الرسالة الاسلامية وفكر آل البيت ( عليهم السلام ) جاء ليكون شاملا للبشرية جمعاء في كل زمان ومكان .
لقد كانت صلاة الجمعة التي حرص السيد الشهيد ( قدس سره الشريف )على اقامتها مهما كانت الظروف صوتا صادحا بالحق ومنبرا اعلاميا وتربويا وارشاديا كبيرا ومحببا للجميع استطاع من خلاله السيد الشهيد ايصال مباديء الدين الاسلامي الحقيقية وفكر آل بيت النبوة ( عليهم السلام ) بسهولة ويسر الى جميع ابناء المجتمع وجعلهم يقبلون على صلاة الجمعة المباركة باندفاع شديد ورغبة كبيرة حبا في طلب العلم والتحدي واثبات الهوية والمحافظة على الخط الاسلامي القويم من اجل نيل رضا الخالق العظيم سبحانه وتعالى .
وكانت المواجهة الواضحة والصريحة من قبل للسيد الشهيد ( قدس سره الشريف ) في خطب الجمعة الى جميع قوى الاستكبار والظلم والاستغلال الكبرى الداخلية والخارجية في العالم اجمع بمختلف اهدافها ومسمياتها وخططها ذات صدى واسع وقبول ايجابي عند معظم ابناء المجتمع واصحاب الحق والفضيلة جعلتهم ينظرون الى صاحب هذه الافكار العظيمة والخطوات الخالدة باعجاب وحب كبيرين لانهم كانوا في حاجة ماسة الى رمز وطني حقيقي كبير يلتفون حوله وينقادون اليه في مسيرة الكبرياء والتحدي التي اطلق شرارتها الاولى واصبح قائدا لها في ظروف عالمية ومجتمعية صعبة للغااية .
لقد استوعب السيد الشهيد ( قدس سره الشريف ) في دعوته الاصلاحية وتصديه للمرجعية الدينية بصورة كبيرة المباديء العظيمة لنهضة الامام الحسين ( عليه السلام ) والتي اراد من خلالها تقويم اعوجاج الحق واعادة الدين الاسلامي الى مساره الصحيح والقويم قبل ان تعصف به رياح التزييف والانحراف وتبعده كثيرا عن النهج الذي اراده له الله سبحانه وتعالى وعمل على تحقيقه الرسول الكريم محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . حيث جعل هذه النهضة المباركة والتضحية بالنفس والشهادة في سبيل الله درسا كبيرا وعبرة واضحة له في منهاجه الحوزوي الاصلاحي المتحدي للطغيان والتزييف والاستكانة والخنوع في زمن نحن بأمس الحاجة فيه الى النهوض والتحدي والاصلاح والتغيير للارتقاء بفاعلية الدين في المجتمع وبناء البلد .
لقد أثار المشروع الاصلاحي وخطوات التغيير الكبيرة في اسلوب المرجعية والعمل الحوزوي للسيد الشهيد ( قدس سره الشريف ) جدلا واسعا وحقيقيا في المجتمع الإسلامي وخاصة في العراق غير ولكنه كان عبارة عن جدلا ايجابيا في اسلوب التفكير والمعالجة لمختلف القضايا الدينية والاجتماعية في محصلته النهائية مع العلم انه كان يعلم مسبقا بما سوف يثيره مشروعه الاصلاحي الكبير من جدل ومعارضة في المجتمع الا انه رأى ان المصلحة العليا للاسلام والمسلمين تقتضي ايجاد هذا المشرع والسير فيه وتفعيله وفق خطوات دقيقة متسلسلة ومنظمة ومخطط لها بدقة وشجاعة قل ان نجد لها نظيرا .
لقد حرص السيد الشهيد ( قدس سره الشريف ) على توعية المجتمع الاسلامي بدوره ومسؤوليته الكبيرة تجاه دينه واهمية الحفاظ عليه وتنقيته من الانحراف والتزييف الذي حصل فيه . فقد قام بحث ابناء المجتمع على اعادة النظر في كل تعاملاتهم مع شؤون الحياة المختلفة وضرورة وضع كل التصرفات تحت ضوء الشريعة الاسلامية وميزانها العادل . كما عمل على تغيير دور الحوزة العلمية وجعله مناسبا للتصدي لقضايا المجتمع المختلفة ومشكلاته وطرح الحلول المناسبة لها وعدم الركون إلى الصمت والابتعاد عن القضايا المصيرية وان تأخذ دورها الكبير كقائدة فعالة للدين والحياة في المجتمع . كما حرص على ان لا يقف دور الانسان المسلم عند حدود معرفة الحلال والحرام فقط وانما ينبغي لهذا الدور ان يتطور للالتزام بالواجبات الاخلاقية والسلوكية الايجابية التي تميز الشخصية الانسانية الصالحة .
لقد اتصف السيد الشهيد ( قدس سره الشريف ) بروحية عميقة وخلق إسلامي رفيع وبساطة ذات هيبة كبيرة تشع منها هيبة العظماء المتقين من آل الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو ذو تواضع يشعرك بعظمة الأولياء الصالحين ونكران للذات يجعلك تحب تلك الذات التي تنكر لها صاحبها وانقطاع لله عز وجل تجد فيه نفحات محمد علوية حسينية سجادية.
اننا عندما نستذكر السيد الشهيد ( قدس سره الشريف ) في ذكرى استشهاده السنوية فأننا نضـع نصب اعيننا المبـاديء والقيم التي استشهد من اجلها السيد الشهيد فلنجعل من هذه المناسبة وقفة متجددة للوقوف على واقع الدين الاسـلامي حاليا ومما يحاول اعداء هذا الدين من تشويه صورته الحقيقية للعمل لازالة مالحق به من تشويه وزيف .
كم نحن بحاجة ماسة في هذا الوقت لشــــخصية قيلدية شجاعة وجريئة لاتخشى في قول وفعل الحق لومة لائم مثل السيد الشهيد الصدر ( قدس سره الشريف ) ليـقيم اعوجاج الحق وينتصر للمظلومين ويهز عروش الجبابرة والطغاة وليكون عنوانا للاصلاح بقوة الحق وسماحة الاسلام .
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واصحابه الغر الميامين .