ضخامة المشهد وسطوع الصورة هي التي أثرت على البعض فعمي أو تعامى عن وصف الظاهرة، وراح يعلن عن رؤيته المشوهة وغبشه المشوش وعمى ألوانه بعبارات النقد الجارح للظاهرة الشامخة المتعالية وكلمات التشكيك اللئيمة الحاقدة لمواكب العطاء والمجد التليد.
ومن المؤلم أن نرى تكرار هذه الظاهرة اليوم مع تلميذه ووصيه اليعقوبى فى عدائهم له ومحاولة تسقيطه والهجوم عليه وعلى حركته المباركة أملا فى وأدها .
وقد مارس أولئك الأقوام معه أمسا ومع تلميذه اليوم كل ما استطاعوه من توهين وخذلان وانتقاص وامتهان.
لقد تصدّوا لمحاربته أكثر من تصديهم لمحاربة الاستبداد والظلم والفساد، وكأن مصداق انتسابهم للدين هو محاربة أبنائه المخلصين. وانتقل الشهيد الصدر إلى بارئه تحفّ به قوافل الشهداء، وتسير على أثره قوافل شهداء ومجاهدين، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً.
لقد قام الشهيد الصدر «قدّس الله نفسه الزكية» أحسن قيام بأداء دور المرجع القائد في العراق الجريح، فالتفّت الملايين من الناس حوله وآمنت بخطه واتبعت نهجه، واستشهد هو تطبيقاً لمبادئه، وجماهيره مازال تواصل طريقه في العراق .
وآمنت به الطليعة الواعية من ذوي البصائر وأصحاب العقائد الإسلامية الراسخة، ولا عجب في ذلك، فقد كان الصدر واعياً لما يقوم به، وذكياً في تصرفاته ومواقفه، وحكيماً بعيداً عن الانفعال أو التأثر بعناصر غير لصيقة بمشروعه الإسلامي.
كان للسيد الشهيد أطروحة كاملة ناضجة في التحرك الإسلامي السياسي في ظل الدولة الظالمة وهو ما دوّنه في كتابه ” تاريخ الغيبة الكبرى” وبعشرات الصفحات وقبل شهادته بما يقارب من ثلاثين سنة. فقد استعرض كل الاحتمالات ووضع الحلول لكل منها وما ينبغي للمؤمن من القيام به في كل ظرف من الظروف.
ونحن مطالبون بدراسة فكر ونظريات وتوجيهات السيد الصدر الثاني فإنها مصابيح في طريق العاملين.
هذا وليعلم الجميع إنّ خطابه الأخير الذي اغتيل على أثرها كانت خلاصة لأهم منطلقاته الفكرية والحركية.
كان يدعو فيها بالالتزام بالإسلام وبالمرجعية الرشيدة المجاهدة، وبالالتزام بالشعائر الإسلامية، مثل مواكب المشي للحسين «ع» وصلاة الجمعة. وكان يعتبر أنّ هاتين الشعيرتين من أفضل وسائل محاربة الاستعمار وفك الحصار الظالم عن العراق.
وفي خطبته الأخيرة قال السيد الصدر الثاني حول المسير إلى كربلاء ما يلي ((لاشك إن أفضل ما تفعله أي دولة لمجتمعها ولشعبها هو إعطاء الحرية للتصرف والقيام بالشعائر الدينية والتنفيس عن قناعاته النفسية والعقلية بالشكر الذي لا يضر الدولة أصلا ولا يمت إلى سياستها وإلى كيانها بأي صلة أننا الآن في نظرهم في ظروف الحصار الاقتصادي الغاشم من الراجح أن نواجه الاستعمار بما يغيظه وخاصة الشعائر الدينية والسير إلى كربلاء المقدسة إذن ستكون هذه الشعير المقدسة إلى جانب السائرين ضد الاستعمار والمستنكرين للحصار وخطوة جيدة يمكن أن تكون تدريجيا لفك الحصار والضغط الشعبي على الاستعمار فما قيل هنا من أن الظرف الحصاري يناسب القول بالمسير إلى كربلاء، ليس أمرا مقبولا بطبيعة الحال بل الأمر بالعكس ولا يحتاج ذلك الحد إلى التفاته بسيطة إلى واقع الحال الاجتماعي الذي نعيشه)).
وبعد ذلك اتصل صدام تلفونيا بالصدر الثاني وطلب منه منع التحرك فرفض، فصدر أمر بوضعه في الإقامة الجبرية، واعتقل وكلاءه في المدن العراقية، لكن الصدر الثاني خرق أمر الإقامة الجبرية مع ولديه مصطفى ومؤمل وذهب إلى الكوفة وصلى آخر صلاة جمعة وهي الجمعة (45) …
وهنا ان الجو ملبدا بالغيوم، فالقائد الحق الذى تجتمع حوله الجماهير لا يأبه للسلطة، والسلطة غير قادرة على فرض الإقامة الجبرية عليه، والقائد قادرا على مواجهة الحصار بقوة مشروعه وقوة جماهيرية وقوة مبدأه الإسلامية الأصيل ومن هنا كان المناخ مناخ قتل وتخلص من الأستاذ الشهيد الصدر الثاني الذى يعتبر قتله بمثابة قتل المشروع الإسلامي فى العراق، من وجهة نظر منفذوا الاغتيال، ولكن وكما يقول الله تعالى (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) التوبة 32.
فاستشهد الأستاذ الشهيد السيد الصدر الثاني مع ولديه مصطفى ومؤمل في الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم الجمعة 3 ذي القعدة 1419هـ 19/2/1999م.
وإنا لله وإنا إليه راجعون وعظم الله أجوركم … والسلام