هي فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعه الكلابي أمها ثمامة بنت سهل الكلابي. وبني كلاب عشيرة من العرب الأقحاح، شهيرة بالشجاعة والفروسية تكنى بأم البنين وأم العباس ولدت في السنة الخامسة للهجرة الشريفة على أشهر الروايات.تزوجت من أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد سنة 24 للهجرة الشريفة، وذلك لأن الأمير (عليه السلام) تزوجها بعد إمامة بنت زينب علي أشهر الروايات.أولادها العباس أبو الفضل، وعبد الله، وجعفر، وعثمان.. قتلوا جميعاً تحت راية الإمام الحسين (عليه السلام) في كر بلاء،أشهرهم العباس وقد كان حامل لواء أخيه الحسين (عليه السلام)، وساقي عطاشى كر بلاء،وهو أكبرهم (عليه السلام).
• كرامة المولد
يروى ان حزام بن خالد بن ربيعة كان في سفر له مع جماعة من بني كلاب، نائم في ليلة من الليالي فرأى كأنه جالس في أرض خصبة وقد انعزل في ناحية عن جماعته وبيده درة يقلبها وهو متعجب من حسنها ورونقها وإذا يرى رجلاً قد أقبل إليه من صدر البرية على فرس له فلما وصل إليه سلم فرد عليه السلام ثم قال له الرجل بكم تبيع هذه الدرة، وقد رآها في يده فقال له حزام اني لم أعرف قيمتها حتى أقول لك ولكن أنت بكم تشتريها فقال له الرجل وأنا كذلك لا أعرف لها قيمة ولكن اهدها إلى أحد الأمراء وأنا الضامن لك بشيء هو أغلى من الدراهم والدنانير، قال ما هو قال اضمن لك بالحظوة عنده والزلفى والشرف والسؤدد أبد الآبدين، قال حزام أتضمن لي بذلك قال نعم قال: وتكون أنت الواسطة في ذلك قال وأكون أنا الواسطة أعطني إياها فأعطاه إياها.فلما انتبه حزام من نومه قص رؤياه على جماعته وطلب تأويلها فقال له أحدهم ان صدقت رؤياك فانك ترزق بنتا ويخطبها منك أحد العظماء وتنال عنده بسببها القربى والشرف والسؤدد.
فلما رجع من سفره، وكانت زوجته ثمامة بنت سهيل حاملة بفاطمة أم البنين وصادف عند قدوم زوجها من سفره كانت واضعة بها فبشروه بذلك فتهلل وجهه فرحاً وسر بذلك، وقال في نفسه قد صدقت الرؤيا، فقيل له ما نسميها فقال لهم سموها: (فاطمة) وكنوها: (أم البنين) وهذه كانت عادة العرب يكنون المولود ويلقبونه في الوقت الذي يسمونه فيه وهو يوم الولادة.
ونشأت أم البنين في حضانة والدين شفيقين حنونين هما حزام بن خالد بن ربيعة، وثمامة بنت سهيل بن عامر، وكانت ثمامة أديبة كاملة عاقلة، فأدبت ابنتها بآداب العرب وعلمتها بما ينبغي أن تعلمها من آداب المنزل وتأدية الحقوق الزوجية.
• اختيار أمير المؤمنين (عليه السلام) لأم البنين
عرف بني كلاب بأنهم فرسان العرب ، ولهم الذكريات المجيدة والمواقف البطولية الرائعة في المغازي بالفروسية والبسالة والزعامة والسؤدد حتى اذعن لهم الملوك، وهم الذين قال عنهم عقيل بن أبي طالب (ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس).
وروي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأخيه عقيل (رضي الله عنه) وكان نسابة عالماً بأنساب العرب وأخبارهم: أنظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً فقال له تزوج أم البنين الكلابية فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها فتزوجها…(1)
وقيل أتى زهير إلى عبد الله بن جعفر بن عقيل قبل أن يقتل فقال له يا أخي ناولني هذه الراية فقال له عبد الله، أو فيَّ قصور عن حملها قال لا ولكن لي بها حاجة قال فدفعها إليه وأخذها زهير وأتى تجاه العباس بن أمير المؤمنين وقال يا ابن أمير المؤمنين أريد أن أحدثك بحديث وعيته فقال حدث فقد حلا وقت الحديث..
حدث ولا حرج عليك فإنما تروي لنا متواتـر الإسنــاد
فقال له أعلم يا أبا الفضل أن أباك أمير المؤمنين (عليه السلام) لما أراد أن يتزوج بأمك أم البنين بعث لأخيه عقيل وكان عارفاً بأنساب العرب فقال (عليه السلام) يا أخي أريد منك أن تخطب لي امرأة من ذوي البيوت والحسب والنسب والشجاعة لكي أصيب منها ولداً يكون شجاعاً وعضداً ينصر ولدي هذا وأشار إلى الحسين (عليه السلام) ليواسيه في طف كربلا وقد أدخرك أبوك لمثل هذا اليوم فلا تقصر عن حلائل أخيك وعن أخواتك قال فارتعد العباس وتمطى في ركابه حتى قطعه وقال يا زهير تشجعني في مثل هذا اليوم والله لأرينك شيئاً ما رأيته قط.. الخ.(2)
ولما رجع العباس من مكالمته مع شمر حين عرض عليه الكتاب الذي فيه أمان له ولأخوته استقبلته الحوراء زينب وقد سمعت كلامه مع الشمر قالت له أخي أريد أن أحدثك بحديث قال حدثي يا زينب لقد حلا وقت الحديث.
قالت أعلم يا ابن والدي لما ماتت أمنا فاطمة قال أبي لأخيه عقيل أريد منك أن تختار لي امرأة من ذوي البيوت والشجاعة حتى أصيب منها ولداً ينصر ولدي الحسين بطف كربلاء وقد أدخرك أبوك لمثل هذا اليوم فلا تقصر يا أبا الفضل.
فلما سمع العباس كلامها تمطى في ركابي سرجه حتى قطعهما وقال لها في مثل هذا اليوم تشجعيني وأنا ابن أمير المؤمنين فلما سمعت كلامه سرت سروراً عظيماً.(3)
يروى أن فاطمة قالت لأمها أني رأيت في منامي كأني جالسة في روضة ذات أشجار مثمرة وأنهار جارية وكانت السماء صاحية والقمر مشرقاً والنجوم ساطعة وأنا أفكر في عظمة خلق الله من سماء مرفوعة بغير عمد وقمر منير وكواكب زاهرة، فبينما كنت في هذا التفكير ونحوه وإذا أرى كأن القمر قد انقض من كبد السماء ووقع في حجري وهو يتلألأ نوراً يغشي الأبصار، فعجبت من ذلك وإذا بثلاثة نجوم زواهر قد وقعوا أيضاً في حجري وقد أغشى نورهم بصري فتحيرت في أمري مما رأيت وإذا بهاتف قد هتف بي أسمع منه الصوت ولا أرى الشخص وهو يقول:
بشـراك فاطــمة بـــالسادة الغــرر ثـــلاثـــة أنجــــم والـزاهـــر القمـــر
أبـــوهم سـيد فـــي الخلـق قــاطبة بعد الرسول كــذا قـد جاء في الخبـر
فلما سمعت ذلك ذهلت وانتبهت فزعة مرعوبة، هذه رؤياي يا أماه فما تأويلها
فقالت لها أمها يا بنية ان صدقت رؤياك فانك تتزوجين برجل جليل القدر رفيع الشأن عظيم المنزلة عند الله مطاع في عشيرته، وترزقين منه أربعة أولاد يكون أولهم وجهه كأنه القمر وثلاثة كالنجوم الزواهر.
فلما سمع حزام ذلك أقبل عليهما وهو مبتسم ويقول يا بنية قد صدقت رؤياك فقالت له أمها وكيف علمت ذلك قال هذا عقيل ابن أبي طالب جاء يخطب ابنتك قالت لمن قال لفلال الكتائب ومظهر العجايب وسهم الله الصائب وفارس المشارق والمغارب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)عندها ذهب حزام إلى عقيل وهو مستبشر فقال له عقيل ما ورائك قال كل الخير إن شاء الله قد رضينا بأن تكون ابنتنا خادمة لأمير المؤمنين (عليه السلام) فقال عقيل لا تقل خادمة بل قل زوجة.