بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيدة نساء العالمين (عليها السلام)، أمّها خديجة بنت خويلد أم المؤمنين، وكانت أصغر بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأحبّهن إليه، وانقطع نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا من فاطمة، ولم يخلف (صلى الله عليه وآله) من بنيه غيرها.
تتضمّن سيرتها الشريفة ذكر مولدها وكنيتها ولقبها ونقش خاتمها وبوابها وصفتها ومناقبها وفضائلها وأخبارها، وتزويجها بعلي (عليه السلام)، ومحلّ بيتها، وخبر فدك، وسهم ذوي القربى، وميراث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وخطبها بعد وفاة أبيها (صلى الله عليه وآله)، وما جرى لها بعده، وتاريخ وفاتها، ومدة عمرها، وحزنها بعد أبيها، وأوقافها وصدقاتها ووصيّتها ومصحفها، وما أثر عنها من النثر والنظم.
ولدت بمكة يوم الجمعة العشرين من جمادى الآخرة بعد المبعث بسنتين، قاله الشيخ الطوسي في “مصباح المتهجد”، قال: “وفي رواية أخرى سنة خمس من المبعث”.
وقال الكليني، وابن شهرآشوب: “ولدت بعد المبعث بخمس سنين، وهو المرويّ عن الباقر (عليه السلام)، وهو المشهور بين أصحابنا”.
وفي “كشف الغمة” عن ابن الخشاب في مواليد ووفيات أهل البيت عن الباقر (عليه السلام)، أنها ولدت بعد النبوّة بخمس سنين وقريش تبني البيت، ولعله اشتباه من الراوي أو سهو من النساخ، فبناء الكعبة كان قبل النبوّة لا بعدها، ويدلّ عليه ما في “مقاتل الطالبيّين”، أنها ولدت قبل النبوَّة وقريش تبني الكعبة .
وروى الحاكم في “المستدرك”، وابن عبد البرّ في “الاستيعاب”، أنها ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبيّ (صلى الله عليه وآله)، أي بعد البعثة بسنة. وفي “الإصابة”، ولدت بعد البعثة بسنة. وأكثر علماء أهل السنّة تروي أنها ولدت قبل البعثة بخمس سنين، ولعلّه وقع اشتباه من الرواة بين كلمتي قبل وبعد .
كانت تكنّى “أمّ أبيها”، وتلقّب بالزهراء وبالبتول، قال الهروي في شرح الغريبين: سميت مريم بتولاً؛ لأنها تبتّلت عن الرّجال، وسميت فاطمة بتولاً؛ لأنها تبتّلت عن النظير. انتهى .
*نقش خاتمها: أمن المتوكّلون .
*بوابها: فضّة أمتها.
روى الحاكم في “المستدرك” بسنده عن أنس بن مالك وابن شهرآشوب في “المناقب” عنه قال: سألت أمي عن صفة فاطمة (عليها السلام)، فقالت: كانت كأنها القمر ليلة البدر أو الشّمس كفرت غماماً أو خرجت من السحاب، وكانت بيضاء بضة أشدّ الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) شبهاً.
وعن عطاء بن أبي رباح: كانت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) تعجن، وإن قصبتها تضرب إلى الجفنة .
في كتاب “كشف الغمّة” أنّ بعض الوعاظ ذكر فاطمة (عليها السّلام)، وما وهبها الله تعالى من المزايا والفضائل، واستخفّه الطّرب فأنشد :
خجلاً من نور بهجتها تتوارى الشمس بالشفق
وحياءً من شمائلها يتغطّى الغصن بالورق
فشقّ كثير من الناس ثيابهم، وأوجب وصفها بكاءهم وانتحابهم.
وروى ابن عبد البرّ في “الاستيعاب”، بأسانيده عن عائشة أمّ المؤمنين، أنها قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً – وفي رواية سمتاً وهدياً ودلاّ – برسول الله (صلى الله عليه وآله) من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبّلها ورحّب بها، كما كانت تصنع هي به…
وجاء في عدّة روايات، أن فاطمة (عليها السلام) أقبلت تمشي ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئاً. وفي “كشف الغمة” عن أمّ سلمة أمّ المؤمنين، قالت: كانت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشبه النّاس وجهاً برسول الله (صلى الله عليه وآله).
روى البخاري في صحيحه بسنده، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: “فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني”.
وروى النسائي في الخصائص بسنده عن المسور بن مخرمة، أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: “فاطمة بضعة مني، من أغضبها أغضبني” .
وروى مسلم في صحيحه في حديث: “إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها .”
وفي رواية لمسلم: “إنما ابنتي بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها”؛ وفي الإصابة عن الصحيحين عن المسوّر بن مخرمة: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) على المنبر يقول: “فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها، ويريبني ما رابها”.
وروى أبو نعيم في “حلية الأولياء” بسنده عن المسور بن مخرمة، أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: “إنما فاطمة ابنتي بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها”. وقال رواه عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن المسور، ورواه أيوب السختياني عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير نحوه .
عن صحيح الترمذي: “إنها بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها”. هذا حديث حسن صحيح.
وعن صحيح الترمذي: “إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها”. هذا حديث حسن صحيح؛ وفي الشفا “إنها بضعة مني يغضبني ما يغضبها”.
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن المسور بن مخرمة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “إنما فاطمة شجنة مني، يبسطني ما يبسطها، ويقبضني ما يقبضها”. وقال صحيح. وبسنده عن المسور، أنّه بعث إليه حسن بن حسن يخطب ابنته، فقال: ما من نسب ولا سبب أحبّ إليّ من نسبكم وسببكم وصهركم، ولكنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فاطمة بضعة أو مضغة مني، يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها، وأن الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري، وعندك ابنتها، ولو زوّجتك لقبضها ذلك. فانطلق عاذراً له، وقال: هذا حديث صحيح.
وروى أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني، أنّ عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط دخل على عمر بن عبد العزيز وهو حديث السنّ، وله وقار وتمكين، فرفع عمر مجلسه وأكرمه وقضى حوائجه، فسئل عمر عن ذلك فقال: إن الثقة حدّثني، حتى كأني أسمع من في رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: إنما فاطمة بضعة مني، يسرّني ما يسرّها، ويغضبني ما يغضبها، فعبد الله بضعة من بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
السيد محسن الأمين
*من كتاب “أعيان الشيعة”، ج1.