يقول الإمام علي بن أبي طالب (ع) واصفاً الحالة العامة للأمّة التي بُعث النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إليها: “أرسله على حين فترة من الرُسُل، وطول هجعة من الأمم واعتزام من الفتن، وانتشار من الأمور، وتلظٍّ من الحروب، والدنيا كاسفة النور، ظاهرة الغرور، على حين اصفرارٍ من ورقها، وأياسٍ من ثمرها…”.
في ذلك الوقت الذي كانت فيه الدنيا غارقة في ظلام الجهل، وسماء الجزيرة العربيّة تلفّها سُحُب الجاهليّة السوداء، وفي ذلك المحيط الصاخب بالضلال والانحراف والحروب الدامية، والنهب والسلب، ووأد البنات، وقتل الأولاد، وموت الضمير وانحلال الأخلاق.
في مثل هذا الزمن بالذات أطلّت شمس السعادة، وأضاءت محيط الجزيرة العربيّة، وأشرقت الدنيا بأنوار الرحمة الإلهيّة، فكانت البعثة النبويّة الشريفة التي تجسّدت فيها كلّ معاني رحمة الله تعالى بعباده.
فقد بعث الله سبحانه وتعالى نبيّه الأكرم محمد بن عبد الله(صلّى الله عليه وآله وسلَّم) رحمةَ للعالمين جميعًا، وليس لأهل مكّة، أو أهل الجزيرة العربيّة أو المسلمين وذلك بمقتضى قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.
وقد خصّه الله تعالى بهذه الكرامة ليكون التجسيد الحقيقيّ لهذه الرحمة التي تظهر بأشكال وعناوين مختلفة، ويكفي النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) منها أنّه كان عنوان الأمان لأهل الأرض من عذاب الله تعالى عند أيّ معصية وذنب يرتكبونه ويكون مستوجبا للقضاء على النّاس كما حصل في تاريخ الأمم التي عصت الأنبياء والرُسُل من أمثال عادٍ وثمود وغيرهم.
يقول الإمام عليّ (ع) مبيّنًا هذه المنقبة: “كان في الأرض أمانان من عذاب الله وقد رُفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسّكوا به، أمّا الأمان الذي رُفع فهو رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ، وأمّا الأمان الباقي فالاستغفار؛ ثمّ قال تعالى: { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾3.
وفي الروايات المتواترة أنّ الله سبحانه وتعالى رفع عذاب الاستئصال عن أمّة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ببركة وجوده، بينما كانت الأمم السابقة مهدّدة ومعذَّبة بهذا العذاب.