اتصف هذا الإمام العظيم بصفات الأنبياء التي حملها جده المصطفى صلى الله عليه وأله صفات المنفتح في إنسانيته المجسّد في حركته الرسالية كل معاني القيم الإنسانية والرسالية ، ونذكر جانبا من تلك الصفات منها:
تواضعه عليه السلام:
جُبل أبو عبد الله الحسين عليه السلام على التواضع ومجافاة الأنانية، وهو صاحب النسب الرفيع والشرف العالي والمنزلة الخصيصة لدى الرسول صلَّى الله عليه وآله فكان عليه السلام يعيش في الأمة لا يأنف من فقيرها ولا يترفّع على ضعيفها ولا يتكبّر على أحد فيها، يقتدي بجدّه العظيم المبعوث رحمةً للعالمين، يبتغي بذلك رضا الله وتربية الأمة، وقد نُقلت عنه عليه السلام مواقف كثيرة تعامل فيها مع سائر المسلمين بكلّ تواضع مظهراً سماحة الرسالة ولطف شخصيّته الكريمة، ومن ذلك: إنّه عليه السلام قد مرّ بمساكين وهم يأكلون كسراً خبزاً يابساً على كساء، فسلّم عليهم، فدعوه إلى طعامهم فجلس معهم وقال: لولا أنّه صدقة لأكلت معكم. ثمّ قال: قوموا إلى منزلي، فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم.
وروي: أنّه عليه السلام مرّ بمساكين يأكلون في الصُّفَة، فقالوا: الغداء، فقال عليه السلام: إنّ الله لا يحب المتكبّرين، فجلس وتغدّى معهم ثم قال لهم: قد أجبتكم فأجيبوني، قالوا: نعم، فمضى بهم إلى منزله وقال لزوجته: أخرجي ما كنت تدّخرين 1.
حلمه وعفوه عليه السلام:
تأدّب الحسين السبط عليه السلام بآداب النبوّة، وحمل روح جدّه الرسول الأعظم صلَّى الله عليه وآله يوم عفى عمّن حاربه ووقف ضد الرسالة الإسلامية، لقد كان قلبه يتّسع لكلّ الناس، وكان حريصاً على هدايتهم متغاضياً في هذا السبيل عن إساءة جاهلهم، يحدوه رضا الله تعالى، يقرّب المذنبين ويطمئنهم ويزرع فيهم الأمل برحمة الله، فكان لا يردّ على مسيء إساءة ، بل يحنو عليه ويرشده إلى طريق الحقّ وينقذه من الضلال.
فقد روي عنه عليه السلام أنّه قال: لو شتمني رجل في هذه الأُذن ـ وأومأ إلى اليمنى ـ واعتذر لي في اليسرى لقبلت ذلك منه، وذلك أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام حدّثني أنّه سمع جدّي رسول الله صلَّى الله عليه وآله يقول: لا يرد الحوض مَن لم يقبل العذر من محق أو مبطل 2.
كما روي أنّ غلاماً له جنى جنايةً كانت توجب العقاب، فأمر بتأديبه فانبرى العبد قائلاً: يا مولاي والكاظمين الغيظ، فقالعليه السلام: خلّوا عنه، فقال: يا مولاي والعافين عن الناس، فقال عليه السلام: قد عفوت عنك، قال: يا مولاي والله يحب المحسنين، فقال عليه السلام: أنت حرّ لوجه الله ولك ضعف ما كنت أعطك 3.
جوده وكرمه عليه السلام:
وبنفس كبيرة كان الإمام الحسين بن علي عليهما السلام يعين الفقراء والمحتاجين، ويحنو على الأرامل والأيتام، ويثلج قلوب الوافدين عليه، ويقضي حوائج السائلين من دون أن يجعلهم يشعرون بذلّ المسألة، ويصل رحمه دون انقطاع، ولم يصله مال إلاّ فرّقه وأنفقه وهذه سجية الجواد وشنشنة الكريم وسمة ذي السماحة.
فكان يحمل في دجى الليل البهيم جراباً مملوءً طعاماً ونقوداً إلى منازل الأرامل واليتامى حتّى شهد له بهذا الكرم معاوية بن أبي سفيان، وذلك حين بعث لعدّة شخصيات بهدايا، فقال متنبّئاً: أمّا الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفّين، فإن بقي شيء نحر به الجزور وسقى به اللبن 4.
شجاعته عليه السلام:
وكان معروفا عليه السلام بالشجاعة والإباء والجرأة في الوقوف بوجه الظالمين وإحقاق الحق والناصر لدين الله والذّاب عن حرم الله، وهذا كله تشهد له واقعة كربلاء المؤلمة التي جعلت الحسين خالداً على مرّ التاريخ البشري.