إنّ تاريخ شهر رمضان المبارك مزدان بمناسبات وذكريات حافلة زادته طراوة وحلاوة ، وهي تُعدّ من اُمّهات الذكريات الإسلاميّة المجيدة ، ومنها ذكرى المرأة العظيمة التي انتفع منها الإسلام والمسلمون ، والمرأة التي بُني لها مجد عظيم في قلب التاريخ ، والتي كانت عاملاً مهمّاً في إثبات مصداقية الرسالة المحمّدية التي أشعلت مصابيح الأمل في قلب الرسول صلّى الله عليه وآله حتّى صارت حجة على كلِّ ذي مال ، وحجة على نساء زمانها وزماننا ؛ عبر علاقتها مع الرسول المصطفى ومواساتها له ، إنها اُمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد سلام الله عليها .
فمن ذكريات ومناسبات هذا الشهر المبارك وفاةُ السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها ، أفضل وأجلّ زوجات الرسول صلّى الله عليه وآله ، واُمّ المعصومة فاطمة عليها السّلام ، وجدّة المعصومين الأحد عشر عليهم السّلام ، التي شهد بحقها النبي صلّى الله عليه وآله حينما قال : ” ما قام ولا استقام ديني إلاّ بسيف عليٍّ ومال خديجة ” . وأضاف الإمام الصادق عليه السّلام : ” وصبر أبي طالب وأخلاق محمّد صلّى الله عليه وآله ” .
ولخديجة سلام الله عليها مكانة لا نظير لها في تاريخ الإسلام ؛ حيث نالت قصب السبق بإعلان الإسلام بعد الرسول مباشرة ، وكانت أوّل مَن آمن به من النساء ، وهي الزوجة المفضلة على بقية زوجات النبي صلّى الله عليه وآله العشر .
وتنتمي جذور واُصول السيدة خديجة إلى شجرة باذخة ومساقة من المجد والعزة والشرف ؛ فهي بنت خويلد بن عبد العزى بن قصي ، ولها مع النبي صلّى الله عليه وآله قرابة قريبة ؛ لأنّ قصي هو الجد الرابع لرسول الله صلّى الله عليه وآله ، وقد اعتنق آباؤها الديانة المسيحيّة التي كانت معتبرة قبل بزوغ فجر الإسلام .
كانت السيدة خديجة سلام الله عليها تاجرة شريفة ، وقد عُرفت بالطاهرة ؛ حيث امتازت في تجارتها بالصدق والأمانة وكسب ثقة عملائها ؛ ومن هنا كانت سلام الله عليها تفتش عن الرجل الأمين لتأتمنه في تجارتها ، فكان من نصيبها محمّد الصادق الأمين ، فبعثت الرسول صلّى الله عليه وآله في تجارة إلى الشام مع خادمها ، فلما رجع النبي صلّى الله عليه وآله من السفر جاءها بربح كثير وخير عميم ، وأخبرها الخادم بأخلاقه وأمانته ، وصدقه وذكائه بعلم التجارة ، وثقة وحب الناس إليه ، فأكرمته وضاعفت له الأجر ، ورأت أن تكون له نعم الزوجة .
ومن حبِّ النبي صلّى الله عليه وآله لخديجة أنّه حينما توفّيت سلام الله عليها ، وذاك بثلاث أعوام قبل الهجرة النبوية ، حزن حزناً شديداً حتّى سمّى النبي صلّى الله عليه وآله ذلك العام بـ عام الحزن ؛ حداداً عليها ؛ وحيث كان لها ذكاء خارق لا يتوفر إلاّ في بعض أفذاذ الرجال.
وكفى باُمِّ المؤمنين السيدة خديجة سلام الله عليها شرفاً أن يبعث الله تعالى سلاماً خاصاً لها ؛ إكراماً لخدمتها لنبيه ولدين نبيه ؛ حيث جاء في الرواية أنّ الله بعث الأمين جبرئيل إلى النبي صلّى الله عليه وآله قائلاً له : يا محمّد ، قل لخديجة : إنّ الله يقرئك السّلام .
فالسيدة الوحيدة التي بعث الله سلامه إليها بعد الإسلام هي خديجة وحدها ، وقالت خديجة في رد سلام الله تعالى عليها : الله السّلام ، ومنه السّلام ، وعلى جبرئيل السّلام .