كانت نظرة سماحته في الأمور شمولية و لم تكن طوليّة باتجاه واحد ، و نمط واحد ، بل كان ينظر في خطوط عرضيّة في وقتٍ واحد ، فكان يحثّ الطّلبة أن يكونوا خطباء ، فما فائدة العالم إن لم يكن خطيباً ، يتكلم و يناقش و يتحدّث و يدعو ، (طبعاً لا نقصد هنا الريزخون والناعي) ، و كان يقول يجب أن يكون الخطيب حوزويّاً (فثمّة مشكلة اليوم تكمن في افتقار الخطيب للمؤهّلات العلميّة) ، و أن يكون الحوزوي خطيباً (و ثمّة مشكلة أيضاً في الطالب ـ بل حتى المراجع ـ الذي لا يجيد الخطابة و المحاورة) ، و من هنا استحدث الشّيخ اليعقوبي درس الخطابة في دار أبي الأرقم، و لكن لم تكتب لهذه المهمّة النّجاح ، فإنّ تفكير أكثر الطلبة كان محصوراً في الدّرس الحوزوي النّمطي المتعارف ، من فقه و أصول و نحو !!
بينما كان الشّيخ يحرص على بناء طالب علم ملم بكل العلوم ، و لذا أوجد الشّيخ درساً بالأسبوع (بلاغة القرآن) يقدّمه أستاذ أكاديمي يأتي من بغداد .
و كان من بين العلوم التي تدرس في دار أبي الأرقم (الفيزياء و الكيمياء و الفلك و الرياضيات و الإنكليزي) ، و طبعاً هذه الدّروس غير موجودة بالحوزة بالمرة ، و كانت هذه الأمور و الخروج عن العرف الحوزوي ، تشكّل حالة من الخطر على الشّيخ أولاً و الطّلبة ثانيا حتى أن احد ضباط الأمن سأل أحد الطلبة لماذا تدرسون هذه العلوم هل يريد اليعقوبي أن يجعلكم وزراء في الحكومة المقبلة التي يروم تأسيسها؟! فإذاً القضية كانت تأخذ بعداً سياسيّاً في نظر القوم ..
و كان سماحة الشّيخ اليعقوبي ، يحرص على خلق علماء و قادة و مبلّغين ، حتى أنّه أمر أحد الطّلبة (الشّيخ صادق ” رحمه الله ” ) بتأليف أو تلخيص (أو اختيار كتاب) ، كتاب حول فن الأدارة و القيادة ، و قال يجب على طالب العلم أن يكون فاهماً بكيفيّة إدارة أي مؤسّسة تعطى له ، و بالفعل تمّ توزيع كتاب على الطّلبة حول هذه المواضيع ، و لكن للأمانة أقولها كان الطيف الأكبر من الطّلبة خامل الذّهن لا يعي هذه الأمور فلا تجده متحمساً لها كثيراً ..
و أوعز سماحته إلى الطّلبة بضرورة أن تكون هناك مجلّة باسم جامعة الصّدر الدّينية تنمّي القدرات الفكريّة و الثقافيّة للطلبة أسوةً بما عليه السّلف من أصدار مجلّات ترعاها شخصيّات حوزويّة ، و منها مجلّة الإيمان لوالد الشّيخ .. و اللطيف أنّ الشّيخ ذكر بأنّ هذه الأعداد من المجلّات سوف تكون مادّة ثقافيّة و علميّة و فكريّة ، جاهزة بعد حصول التغيير (النظام) ، و لكن اندفاع الطّلبة كان ضعيفاً في إنجاز هذا المشروع ، و ثمّة سببٌ آخر أدّى إلى تلاشي هذه الفكرة ، و سيأتي الكلام عنه في التنهيدة اللاحقة .
وعلى أي حال تبين بالفعل مدى الأفق الواسع من التّفكير و الأمل الكبير الذي كان يملكه الشّيخ ، و مدى المثابرة و علو الهمّة التي كان عليها سماحته ، فقد صدّق كلامه ، و علمنا بعد سقوط النّظام مدى الحاجة لتلك الكتابات التي للأسف لم تر النور .