و لم تكن أجهزة الأمن بمنأى عن المتابعة و المراقبة الحثيثة و الشّديدة لنشاط و حركة الشّيخ اليعقوبي ، و طلبته الفاعلين ، فكان أمن الشّعلة كثيراً ما يستدعيني حتى أن الملازم (……) ، و هو من الشّيعة !! قال لماذا لا تمر إلى معاونية أمن الشّعلة كل يوم جمعة !! فقلت له : و هل أنا الإمام العسكري ليحضر إلى البلاط في كل يوم إثنين و خميس ؟!
و من المواقف التي لا تنسى أنّني صلّيت العشائين في جامع الإحسان للأخوة السّنة مقابل معاونيّة أمن الشّعلة ، ثمّ دخلت على الضّابط (مقدّم حميد من الفلوجة) ، و المفارقة أن هذه الليلة هي (ليلة الحنة لي) ، ليلة الأحد الأول من ذي الحجة الموافق لـ 25/2/2001م ، و الدّار كانت مكتظّة بالأقارب و الجيران و الأصدقاء ، على ما هو معهود في المناطق الشّعبيّة ، و حينما علم المقدّم أن يوم غد زواجي اعتذر ، و قال لو كنّا نعلم لما أسلنا خلفك ، فعدت و كان والدي ينتظرني بقلقٍ كبير..
و كان في أجهزة الأمن المركزي في بغداد جناحٌ خاص باسم اليعقوبيّة و التّحري عن نشاطهم و توجهاتهم ، و كان بعض طلبة العلم عند توجيه سؤال لهم عن تقليدهم ، يقولون : السّيد السيستاني ، هروباً من المضايقات ، فإنّ مرجعيّة السّيد السيستاني حفظه الله ، كانت بعيدة عن الأنظار و بالتّالي فلا تكتنفها الأخطار بخلاف من يخبر أنه مقلّد للسّيد الصّدر الثّاني ، فتوضع عليه علامة استفهام ، و يلقى في سفره نصباً و حرساً شديداً و شهباً .
و كانوا يسألونني عن استفتاءات الشّيخ اليعقوبي ، و هل يحرم مشاهدة التّلفزيون ، فكنت أجيب بأنّه لم يصدر منه ذلك ، و لا يوجد رجلٌ عاقل ، يحرّم مشاهدة التّلفزيون (و قد وزّعنا يومئذ كتيّب ، احذر في بيتك الشّيطان) ، فهذا البرنامج الذي أمامنا ( و كان في لحظتها برنامج : من يربح المليون) ، برنامج تعليمي و ثقافي و استماع نشرة الأخبار أمراً ضروريّاً ، ثم استدركت قائلاً : و لكن طبعاً لا أنا و لا أنت نرضى أن تشاهد أخواتنا لقطات ماجنة و خليعة ، فكان الضّابط يسكت على مضض !!
و ذات مرّة سألني ضابط الأمن الملازم (……) ، ما قضيّة النّزاع حول المدرسة الدّينية عندكم؟ ، و كان المفترض أنّه يسأل حول دار أبي الأرقم (جامعة الصّدر/ مدرسة البغدادي) ، و لكنّني وجدته غير ملم بالقضيّة التي كلّف بالتّحري عنها فقلت له : هذه مدرسة تسمّى الباكستانيّة رمّمها السّيد الصّدر الثّاني ، و بيت محمد سعيد الحكيم ، يرون أنّها تعود لجدّهم السّيد محسن الحكيم ، و صار نزاع حولها ثم أخذها آل الحكيم !! و بعد سقوط النّظام حينما جلب لي أحد الأخوة الملف الخاص بي من معاونيّة أمن الشّعلة وجدت فيه نوع من عدم الرّضا من الجهات العليا ، التي أوضحت للضّابط أن هذا الموضوع قديم ، و نحن نريد منك معلومات حول النّزاع الأخير الذي يجري حول مدرسة البغدادي ، أنظروا إلى حجم العدّاء الذي يحيط بنا ، و رصدنا المستمر و تحرّي أمورنا و محاولة النّفوذ في مشاكلنا ، و النّفخ في أوداج قضايانا و تضخيمها و القضاء علينا من داخلنا .
و ذهب رجال إحدى الدّوائر الأمنيّة إلى الشّيخ اليعقوبي نفسه ، حيث يصلّي في مسجد الكرامة ـ حيث توافد الطّلبة و الشّباب هناك ـ و طلبوا منه أن يأتي معهم إلى الدّائرة الأمنيّة ، و رغم اعتراض من كان حول الشّيخ على طريقة استدعاءهم للشّيخ ، إلا أنّ هذا الأمر لم يثنهم عن اقتياد الشّيخ معهم ، و الذي بدوره قال لهم : (إذا رأيتم العلماء على أبواب الأمراء فبئس العلماء ، و بئس الأمراء ، و إذا رأيتم الأمراء على أبواب العلماء فنعم العلماء ونعم الأمراء) ، و لكن القوم لا يكادون يفقهون حديثاً ، و قد منع الأمن سماحته من الصّلاة في هذا المسجد حتى سقوط الصنم .