﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر ﴾.
قيمة العبادة:
الغرض من خلق الإنسان هو الوصول إلى مقام العبودية، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)
ومن هنا فإن الله سبحانه امتدح نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالعبودية قبل أن يمتدحه بالرسالة: “أشهد أن محمدا عبده ورسوله”.
كما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: “إن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا وإن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا وان الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا وان الله اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما”.
وبهذا ينكشف أن الهدف الأسمى من خلق الإنسان هو تحقيق معنى العبودية في نفسه.
معنى العبادة:
العبادة في اللغة لها معان ثلاثة:
1- الطاعة، ومنه قوله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾2.
2- الخضوع والتذلل، ومنه قوله تعالى: ﴿فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ﴾3.
3- التأله (بمعنى العبودية لله)، ومنه قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ﴾4.
فالإنسان العابد هو الإنسان الخاضع كليا لله تعالى، بحيث لا يرى سوى الله وحده مستحقا للعبادة.
كيف تتحقق العبودية؟
لكي تتحقق العبودية لله، لا بد أن يتوفر عند العابد أمران:
1- سلامة الإعتقاد (اليقين).
2- صلاح العمل.
قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾.
﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾.
﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾.
علاقة ليلة القدر بالعبادة:
ليلة القدر هي الليلة التي اختارها الله سبحانه لإظهار الربوبية الشاملة من حيث التقدير والتدبير، لذلك فهي الظرف الزماني الأنسب لإظهار العبودية الكاملة لله تعالى، ومن هنا فالعبادة في هذه الليلة لها أثر خاص متميز على ما ورد في الروايات الكثيرة عنهم عليهم السلام.
ومن الواضح أن الإيمان التام بالتقدير الإلهي يستدعي العمل وبذل الطاعة في هذه الليلة.
كما أن الإحياء المذكور ثمرة الإيمان ومتفرع عليه، وبالعمل فيها يرجى الخير للعبد في التقدير بحسب درجة إيمانه.
وعليه فالعبادة في خصوص هذه الليلة تتجلى بأمرين:
1- الإعتقاد اليقيني بمضامين هذه الليلة المباركة (التقدير الإلهي).
2- إحياؤها بالعمل.
الجانب الإعتقادي في ليلة القدر(التقدير الالهي)
﴿يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ﴾.
﴿حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾.
عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا﴾ قال: “تنزل فيها الملائكة والكتبة إلى السماء الدنيا فيكتبون ما يكون في السنة من أمره، وما يصيب العباد، والأمر عنده موقوف له، فيه المشيئة فيقدم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء، (ويمحو ما يشاء) ويثبت وعنده أم الكتاب”.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “في تسعة عشر من شهر رمضان يلتقي الجمعان قلت: ما معنى قوله: “يلتقي الجمعان”؟ قال: يجمع فيها ما يريد من تقديمه وتأخيره، وإرادته وقضائه”.
عن أبي عبد الله عليه السلام: “أن ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان هي ليلة الجهني فيها يفرق كل أمر حكيم وفيها تثبت البلايا والمنايا والاجال والارزاق والقضايا، وجميع ما يحدث الله فيها إلى مثلها من الحول”.
الجانب العملي في ليلة القدر(إحياؤها):
عن الإمام الصادق عليه السلام وقد سئل عن ليلة القدر: كيف هي خير من ألف شهر؟ قال عليه السلام: “العمل فيها خير من العمل في ألف شهر..”.
عن أبي عبد الله عليه السلام: “.. فطوبى لعبد أحياها راكعا وساجدا ومثل خطاياه بين عينيه ويبكي عليها، فإذا فعل ذلك رجوت أن لا يخيب إنشاء الله”.
ثواب من أحيا ليلة القدر:
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “قال موسى: إلهي اريد قربك، قال: قربي لمن يستيقظ ليلة القدر، قال: إلهي اريد رحمتك، قال: رحمتي لمن رحم المساكين ليلة القدر، قال: إلهي اريد الجواز على الصراط، قال: ذلك لمن تصدق بصدقة في ليلة القدر. قال: إلهي اريد أشجار الجنة وثمارها، قال: ذلك لمن سبح تسبيحة في ليلة القدر، قال: إلهي اريد النجاة من النار، قال: ذلك لمن استغفر في ليلة القدر، قال: إلهي اريد رضاك، قال: رضاي لمن صلى ركعتين في ليلة القدر“.
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “يفتح أبواب السموات في ليلة القدر، فما من عبد يصلي فيها إلا كتب الله تعالى له بكل سجدة شجرة في الجنة، لو يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، وبكل ركعة بيتا في الجنة من در وياقوت وزبرجد ولؤلؤ، وبكل اية تاجا من تيجان الجنة، وبكل تسبيحة طائرا من النجب، وبكل جلسة درجة من درجات الجنة، وبكل تشهد غرفة من غرفات الجنة، وبكل تسليمة حلة من حلل الجنة”.
عن الباقر عليه السلام: “من أحيا ليلة القدر غفرت له ذنوبه، ولو كانت ذنوبه عدد نجوم السماء ومثاقيل الجبال، ومكائيل البحار”.