في وسط هذه الأجواء المستعرة ، و العواطف الملتهبة من الذّوبان في الذّوات ، لا في مبادائهم و في الأشخاص لا في رسالتهم نجد أن السّير المستقيم للقائد يكلفه الشيء الكثير و يؤجّج المواقف المحتدمة ضدّه ، و يثير القلاقل حوله ، و يزرع العراقيل أمامه .. و من هنا ظهر طابور وسط دار أبي الأرقم ، يعمل بصمت و يدعو خلسة إلى ترك الشّيخ ، لأنّه لا يخدم الخط الصدري ، و لأنّه يحذو حذو السّاكته ، و لأنّه لا يهاجم الجهة الأخرى ، و كأنّ المعلّم (بفتح الميم الأولى و اللام) الأول و الأخير لخط السّيد الصّدر و مرجعيته الشّريفة هو محاربة ما عرف آنذاك بالسّاكتة !!
كان بعض الطلبة و هم ثلاثة يحرّضون الطّلبة الآخرين ضد الشّيخ و يحاولون إقناعهم بأنّ دار أبي الأرقم ليست صالحة لهم و دروسها غير نافعة و يجب الالتفاف حول شخصيّة جديدة (السّيد علي البغدادي) تكون صدريّة و علامة ذلك أن تصلي الجمعة !! و المضحك في الأمر أنّ تلك الشخصيّة لم تكن تصلّي الفرائض اليوميّة جماعة ، فكيف ستصلي الجمعة ؟!
و كانت تلك الأفكار تطرح فقط على الطلبة البسطاء ، و كان المدعوون من قبل هؤلاء يستروا الأمر و لا ينبسوا ببنت شفة بين مد و جزر و قبول و رفض ، و لكن حينما نما لي ذلك الحراك ، كتبت إلى سماحته رسالة تحت عنوان (و على الثلاثة الذين خلفوا) شرحت فيها الأمور التي يثيرونها بين الطّلبة فأرسل سماحته رسالة ، شكرني على سعيي هذا ، و شرح وجهة نظره ، و ما خفي على هؤلاء من أمور ورد بعض الشّبهات التي حيكت ضدّه ثم ختمها : (أنت رسولي إلى هؤلاء الذين اعصوصبوا ضدّي و أجمعوا على منابذتي فادعوهم للمناظرة) ..
و لكن كالعادة فالتفرّج سمة الكثيرين ، فلم أجد من استعين به أو أتقوّى به على تلك المهمّة ، بل وجدت من وقف ضدّي و حينما أعلمت سماحته بالأمر تأسّف لذلك ، و قال : حالهم كالمسلمين الذين انتفضوا حينما ضربت حجارة الكعبة ، و لم يهتمّوا لمصرع أهل البيت ” عليهم السلام ” مع أنّ حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة ..
و لكن كانت الأيام وحدها كفيلة في تلاشي هذا النّفس في أجواء دار أبي الأرقم ، و قدرة الشّيخ على التأثير بالطّلبة و احتوائهم و تقليل حالة الغلواء التي كانوا عليها ، فلم تجد كلمة السّيد مقتدى ـ أبان الشرح الذي حصل لاحقاً ـ التي أطلقها عالياً في باحة دار أبي الأرقم (الجامعة) ، لم تجد أي صدى بين الطلبة : هل ترضون أن الشّيخ اليعقوبي يقبل يد السّيد السّيستاني ؟ فلم تحرّك ساكناً أو تنمّي بذور العداء في دواخلهم ، فهي مشاعر باتت غير مجدية ، و شاخت في نفوس الكثير ، و قلبوا عليها صفحة بل صفحات ، بفضل تربية الشّيخ آنذاك ..