في الذكرى السنوية لجريمة تهديم قبور البقيع ، أوقفتنا عجلة الزمن أمام حقائق ، وحجج ، ومواعظ :
فالحقائق:
1- وقوع حادثة هدم قبور الائمة الصالحين والأولياء المخلَصين أحفاد علي امير المؤمنين ، وفاطمة سيدة نساء العالمين ، وجدُّهم المصطفى الأمين ( وهم : الإمام المجتبى والسجاد والباقر والصادق صلوات ربِّي عليهم أجمعين في سنة ١٣٤٤ للهجرة ، كما هُدِّمت قبور اخرى في البقيع الشريف.
وقد أنشد شيخ الخطباء والاُدباء (رحمه الله) معبراً عن هذه الحقيقة:
أثامن شوال بعثت لنا الأسى كأنك من شهر محرم عاشرُ
2- حصول هذه الجريمة على أيدي الوهابيّين التكفيريين بامتياز ، كما أنهم أرادوا هدم قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، لكن تظاهر المسلمين في بعض الدول الاسلامية ، أوقفهم عن ذلك في قصة معروفة ، وهم يحنّون إلى هدمه إلى الآن والشواهد على ذلك كثيرة .
وما أشبه اليوم بالأمس وها هي داعش تقتفي الأثر السيء وتشابه عمل القوم ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) الشعراء : 227.
3- أنَّ هدم القبور الشريفة لم يزد أصحابها الى رفعة وسمواً وذكراً ونوراً، قال تعالى : (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) التوبة : 32.
لأن محلًهم الحقيقي في الدنيا هو قلب المسلم الصادق وعقله وروحه، قال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بالْغُدُوِّ والآصَالِ) النور: 36 .
وقلب المؤمن حرم الله وبيته الذي لا يسعه غيره حتى ورد في الحديث القدسي: (لا تسعني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن)[1] ، وفي زيارة الامام الحسين (عليه السلام ) : (وفي قلب من يهواك قبرك)
ولازالوا (عليهم السلام) أئمة وقادة للمسلمين شامخين الى العلا بعلمهم، وعملهم، وتقواهم، وزهدهم، وكرمهم، وتعاليهم عن الأحقاد والضغينة، وحبهم للناس، وفعل الخير، ولولاهم لما اكتمل دين جدِّهم، لذلك جعلهم أماناً للناس من الضلال، فأوصى بهم على رؤوس الأشهاد.
وقال (صلى الله عليه وآلة): (أوصيكم بالثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهم فلن تضلوا من بعدي … الحديث) [2]
وأمّا الحجج:
فالآن على كل مسلمٍ منصفٍ وواعٍ أن يضع هذه الحقيقة أمام عينية ليصل بها الى الحجة البالغة، قال تعالى: (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) الأنعام: 149.
قبور من قد هدمت؟!
ولأي سبب هدمت؟!
أليس هم أحفاد رسول الله؟!
ألم يشهد لهم جمهور علماء المسلمين بالعلم والأحقية في كتاب الله وسنة رسوله وقيادة المسلمين؟!
ألم تهوي إليهم القلوب وتجنح لهم الأفئدة؟!
أوليس (الساكت عن الحق شيطان أخرس)؟!
فلما المسلمون ساكتون؟!
قال تعالى 🙁 قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) يونس: 35.
وأمّا الموعظة:
فلْيعلم أتباع أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم أن الأذية منهم لأئمتهم أسوأ من غيرهم، فلا ينحو منحى أعدائهم بإيذائهم لهم، وانّ هدم قبورهم ليس بأسوأ من إيذاء ذواتهم الطاهرة من قبل مواليهم وشيعتهم، ولكن كيف!، وهل يؤذي الموالي إمامه ومقتداه؟
نعم، يؤذيه بفعله للمنكرات، وتركه للواجبات، وابتعاده عن ذكر الله وسلوكه طريق الهوى والشيطان، لأن الأعمال تعرض على الائمة المعصومين (عليهم السلام)، فأن كانت صالحة سرتهم وآنستهم، وان كانت طالحة أساءتهم وآذتهم.
روى سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: (مالكم تسوؤن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ ، فقال رجل: كيف نسوؤه؟ ، فقال: أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤا رسول الله وسروه )[3].
روى المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله تبارك وتعالى : (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) ، قال : ( هو رسول الله (صلى الله عليه واله ، والأئمة (عليهم السلام)، تعرض عليهم أعمال العباد كل خميس) [4]
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى : ( قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) ، قال : (هم الأئمة تعرض عليهم اعمال العباد كل يوم إلى يوم القيامة)[5]
عن بريد بن معاوية العجلي قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): (اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله و المؤمنون)، فقال : ( ما من مؤمن يموت ولا كافر فيوضع في قبره حتى عرض على رسول الله (صلى الله عليه واله ) وعلى علي (عليه السلام) ، فهلم جرا إلى آخر من فرض الله طاعته على العباد ) [6].
فهل علم الشباب أن كثيراّ من أعمالهم تدخل الأذى على قلوب أئمتهم، ولا سيما الحجة المهدي المنتظر روحي له الفداء؟
انظروا إلى أقوالكم وأفعالكم، فالحرام منها يسوء رسولكم وأئمتكم ويغضب ربكم، والحلال منها يفرحهم ويدخل السرور عليهم، والمطلوب منكم كثير وكثير!، كيف تدعون الى الله تعالى ودين الحق وأنتم غير ملتزمين به؟!
كيف تنتظرون إمامكم الحق، وتطلبون تعجيل الفرح له، وأنتم تؤذوه بأقوالكم وأفعالكم؟!
كيف تلبون نداء إمامكم الحسين (عليه السلام): (ألا من ناصر ينصرنا)، وأنتم تتلاقفكم الموضات، وتقليعات العصر في الملبس وقصات الشعر ومؤتمر الألوان والتأثر بالغرب وأفعالهم؟!
اسمعوا أئمتكم ماذا يقولون لكم:
عن الإمام الصادق (عليه السلام): (معاشر الشيعة كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً، قولوا للناس حسناً، احفظوا ألسنتكم، وكفوها عن الفضول وقبيح القول).[7]
ومن وصايا الامام الباقر (عليه السلام) لاحد تلامذته الخواص جابر بن يزيد الجعفي ، قال فيها :(أوصيك بخمس : ان ظلمت فلا تظلم ، وان خانوك فلا تخن ، وان كذبت فلا تغضب ، وان مدحت فلا تفرح ، وان ذُممت فلا تجزع ، وفكِّر فيما قيل فيك ، فان عرفت في نفسك ما قيل فيك ، فسقوطك من عين الله عزَّ وجل عند غضبك من الحق أعظم عليك مصيبة ممّا خفت من سقوطك من أعين الناس ، وإن كنت على خلاف ما قيل فيك ، فثوابٌ اكتسبته من غير ان يتعب بدنك ، وأعلم بأنك لا تكون لنا ولياً حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك ، وقالوا : انك رجل سوء لم يحزنك ذلك ، ولو قالوا : انك رجل صالح لم يسرك ذلك ، ولكن اعرض نفسك على كتاب الله ، فان كنت سالكاً سبيله ، زاهداً في تزهيده ، راغباً في ترغيبه ، خائفاً من تخويفه ، فاثبت وابشر ، فانه لا يضرك ما قيل فيك. وان كنت مبائناً للقرآن، فماذا الذي يغرك من نفسك ..
ان المؤمن معنيٌ بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها، فمرة يقيم اودها (عوجها) ويخالف هواها في محبة الله، ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها، والمخافة، فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف، وذلك بأن الله يقول: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) الأعراف: 201 ) [8]
ومن وصايا الإمام العسكري (عليه السلام) لشيعته : ( اُوصيكم بتقوى الله والورع في دينكم ، والاجتهاد لله ، وصدق الحديث وأداء الأمانة الى من ائتمنكم من بر أو فاجر ، وطول السجود ، وحسن الجوار ، فبهذا جاء محمد (صلى الله عليه واله) ، صَلّوا في عشائركم، واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم ، فإنّ الرجل منكم اذا ورع في دينه ، وصدق في حديثه ، وأدّى الأمانة ، وحسَّن خلقه مع الناس قيل : هذا شيعي فيسرّني ذلك ، اتّقوا الله وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً ، جُرّوا إلينا كلّ مودّة ، وادفعوا عنّا كلّ قبيح فإنّه ما قيل فينا من حُسْن، فنحن أهله، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك . لنا حقٌّ في كتاب الله وقرابة من رسول الله وتطهيرٌ من الله لا يدّعيه أحد غيرنا إلاّ كذّاب، أكثروا ذكر الله وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبي (صلى الله عليه واله)، فإنّ الصلاة على رسول الله عشر حسنات، احفظوا ما وصّيتكم به واستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام)[9]
فهذا إمامكم العسكري (عليه السلام) يستودعكم الله ويقرأ عليكم السلام وأنتم الان بين يدي ولده المهدي المنتظر (عج) فعجّلوا ظهوره بالتزامكم بدينكم وسنة نبيكم ووصايا أئمتكم، وجانبوا الورع والتقوى وعفّوا بطونكم وفروجكم، وغضّوا أبصاركم، واحذروا الشيطان، ولا تثقوا به على دينكم، وتواصلوا بالدعاء لإمامكم.
(اَللّـهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلى آبائِه في هذِهِ السَّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَة وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً وَدَليلاً وَعَيْنا حَتّى تُسْكِنَهُ اَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فيها طَويلاً).
[1] : المحجة البيضاء / ج 5 ، ص 26
[2] : صحيح مسلم : ج 7 ص 123 / ومسند أحمد ج3 ص 14 ـ 17 / و السنن الكبرى للبيهقي ج2 ، ص 148 وغيرها من المصادر لكلا الفريقين
[3] : الكافي: ج 1 ، ص 219 ، ح 3
[4] : بصائر الدرجات: ص 427 ، ح 2
[5] : نفس المصدر: ص 427 ، ح4
[6] : نفس المصدر: ص 428 ، ح 8
[7] : أمالي الصدوق ص 240
[8] : بحار الأنوار: ج 75 ، ص 162
[9] : تحف العقول : 487 ـ 488