بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
قراءة واعية لخطاب الشيخ اليعقوبي ( دام ظله الوارف ) :
فاطمة ( عليها السلام ) الكوثر :
من كلماته ( دام ظله ) :
فاطمة ( ع ) عطاء متنوع ثمانية عشر عاماً هو العمر الذي قضته ( ع ) في هذه الدنيا يلفت الشيخ نظر الرسالي الى مسألة مهمة أنه من الممكن تحصيل النتاجات الهائلة والسريعة بعمره القصير اذا سلك الأنسان طرق خاصة ودقيقة وهو نفس السلوك الذي سلكته (ع ) أنها كانت تستغل كل لحظة في حياتها وكانت تُسخِّرُ الزمن بطريقة عجيبة بحيث حصلت على هذه النتائج خلال 18 سنة .
” منذ بداية وجودها وتكونها وهي تؤدي وظيفتها الرسالية بمؤانسة أمها خديجة الكبرى ”
الشيخ كلامه هنا يستبطن فيه أكثر من فكرة :
1- أن الإنسان الرسالي يبدأ في مرحلة عمره الرسالي بمرحلة أولية وهي بناء ذاتي فيركز الشيخ على شخصية الزهراء (ع) كيف بنيت بناء ذاتي وكيف كان التحدي الكبير الذي عاشته في حياتها أدى الى التيجة النهائية وهي أن أوكل لها عمل ومهمة كبيرة وهي الدفاع عن الشخص الذي يملك من القداسة بأنه لا يحتاج الى أي أحد ومع ذالك فالزهراء (ع) تقدم خدماتها لذلك الشخص وهو أمير المؤمنين (ع) وهي مهمة لا يستوعبها أحد لأنك لا تدافع عن أنسان عادي .
2- شرفية العمل الرسالي , كأنها (ع) اوكلت إلى هذه المراتب لأنها مارست العمل الرسالي , فأول هوية تلبست بها أنها “رسالية ” ويتجلى ذلك أنها عندما كانت جنين في بطن أمها التي كانت تتعرض لأذى قريش التي ضحت بمالها وبما تملك من أجل الدفاع عن الاسلام فكان عملها الرسالي هو أدخال الأنس و الفرح والسرور ولو على قلب أنسان واحد فهذا عمل لا يعلوه شيء لأنه عنوان الأنبياء فعندما تكون رساليا فأنك تلحق بموسى وعيسى ومحمد وعلي ( عليهم السلام )
3– إن السيدة الزهراء (ع) تصحح الفهم الخاطىء للعمل الرسالي الذي قد يتصوره البعض أنهى مرتبط فقط بالعمل الذي له عنوان كبير أو مجلس حسيني ضخم أو مظاهرة عظيمة بل على العكس فليس البهرجة والسمعة هي العمل الرسالي بل مجرد إدخال السرور في قلب شخص واحد هو عمل رسالي بل لا يوجد في العمل الرسالي إهمال الفرد بل فيه شرفية مع الجماعة والفرد .
ويكمل الشيخ خطابه بقوله ” ورد الوحشة عنها حيث عاشت عزلة ومقاطعة من نساء قريش بسبب أيمانها بما جاء به زوجها محمد (ص) فكانت خديجة تفرح بذلك وتذكره لرسول الله (ص) فيفرح أيضاً ويخبر زوجته بعظمة شأن هذه الوليدة ” ثم يبدأ الشيخ بالتذكير على البناء الذاتي لشخصية الزهراء (ع) بأنها كرسالية تعد لمهمة ومسؤلية كبيرة مستقبلية تحتاج لعدة أركان والشيخ هنا يرتبها من حيث الاولوية :
– الركن الأول : تحمل الأذى ” وتحملت مع أبيها (ص) وهي في السنين الاولى من عمرها أذى قريش ” أن الصبر والاذى و الالم ركن مهم لبناء الرسالي ولكنه ليس الصبروالالم السلبي الذي ينتظر فيه اليوم الذي يزال فيه ذلك الالم ويعترض على الله تعالى لأنه عرضه لهذا الشيء بل هو صبر أيجابي و الشكر له تعالى لأنه أهله لتلك الاذية وذلك الالم فتحملت ذلك وهي طفلة لذلك تنقل بعض الروايات أنها (ع) كانت نحيفة جدا وصغيرة الحجم ووزنها قليل وقد تبين ذلك من خلال رفع نعشها ( سلام الله عليها ).
ويكمل :” فكانت تواسيه وتسليه وترفع عنه الأذى “: فلم تكن (ع) تتحمل الاذى فقط بل كانت تمتص الالم وتغير صورته وماهيته وتجعله
وتجعله أنس وتفيضه على أعظم موجود وهو النبي (ص) وهو نفسه يمتلك من الصفات التي ذكرها القرآن الفريدة من نوعها وأمتلك من التحمل كمية هائلة لكن مع ذلك الزهراء (ع) تفيض عليه (ص) .
ويكمل :” وتحملت معه الجوع في شعب أبي طالب ثلاث سنين حين فرضت قريش على بني هاشة ومن آمن برسول الله (ص) وقاطع أقتصادية وأجتماعية وعزلتهم في الشعب “: ذكر الشيخ حادثة تاريخية عندما عزل الرسول (ص) فهكذا هو حال الرسالي وتصرف الآخرين معه عندما يعزل ويجوع ويقاطع ولا يسلم عليه تلك الحالة الطبيعية تعرض لها برحابة الصدر . ثم قال ( دام ظله ) :” وما أنتهت هذه السنوات العجاف إلابوفاة عضدي رسول الله (ص) وركنيه عمه أبي طالب وزوجته خديجة فسمية عام الحزن فعاشت الزهراء (ع) اليتم وفقدان هذه الأم العظيمة وهي لم تكمل ثمان سنين ”
الركن الثاني :- الغربة والحزن ضرورية جداًفي بناء الرسالي , وكل تلك المفاهيم من الألم والغربة و الحزن وظيفتها واحدة أنه تقطع علاقة الأنسان بما موجود فيد الآخرين ولا تطمع نفسه بما عندهم ويتوجه لله تعالى فقط وتقضى كل حوائجه من قبله تعالى ويصل الرسالي الى درجة أنه لا يأنس بالآخرين ولاينظر الحمد منهم ولا أن أسمه سيكتب في صفحات التارسيخ الأضافة الى أن الحزن و الغربة تعطي الأنسان درس في كيفية التعامل مع الآخرين وتثبتان له أن الناس متغيرون وغير ثابتين لأنهم يمتلكون النفس والحس والآوهام والجهل ممايؤدي ان تكون حركاتهم غير ثابتة متغيرة وتصدر منهم أمور غير متوقعة في يوم ما لكن الله تعالى ثابت ملق ولا يعمل بالمزاجيات فحينما قال (أنا رحيم ) فهو رحيم دائما فهذا معنى مفهوم التوحيد الذى يتولد عند الرسالي نتيجة الحزن والغربة التي يعيشها ولا نقصد فيهما الأنفرادية والأنعزالية وقطع العلاقات الأجتماعية بل ان قلبه يهفو دائماً لذكر ومناجاة الله تعالى .
الركن الثالث :- العاطفة والحب والحنان.
ويكمل (دام ظله ) :” ولم يفت ذلك في عزيمتها وأرادتها في نصرة أبيها رسول الله (ص) ومؤازرته بل أغدقت عليه من العواطف والحنان و الرحمة ما عوضه عن أمه وزوجته “
أذا توقفنا على الأركان السابقة فقط فستتولد الشخصية السلبية حتماً وكما هو منقول عن حياة العديد من الطواغيت والجبابرة في التاريخ كهتلر وستاليني أنهم تعرضوا لتجارب مرة في حياتهم فلم تتوازن بالعاطفة و الحب والحنان فلا تتولد الشخصية المتزنة لكن حالة الحب و الحنان تخلق الأتزان بشخصية الرسالي وقد عرف عن أهل البيت (ع) أنهم ذو قلوب رقيقة و منكسرة ودمعتهم رخيصة كانوا (ع) يبكون على
المرأة لو ضربت واليتيم أذا جاع بل وحتى على الحيوانات وكما تنقل الروايات عن الامام الحسين (ع) ذلك الأنسان العظيم الذي يقف أمام جيش مؤلف من (70000) ألف ان لم يكن أكثر بقلب قوي لا يتزعزع ولا يجبن نفس ذلك القلب يخفف أمام حصان ويخاطبه بقوله يا حصان أنت عطشان و أنا عطشان , وكذلك ما هو معروف عن أمير المؤمنين (ع) أنه يرى أنكسار قلبه واضحاً أذا رأى يتيم , والزهراء (ع) كانت
أمرأة رقيقة القلب ينكسر قلبها لأي شيء فهي أمرأة عطوفة قلبها مملوء بالحب والحنان للآخرين فالرسول الذي هو رحمة للعالمين الذي قال عنه تعالى ( ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ( الأنبياء : 107 ) تغدقه (ع) قلبه بالرحمة فالرحمة ضرورية جداً لبناء شخصية الرسالي .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله سيدنا محمد وآله الطاهرين
من إصدارات جامعة الزهراء النسوية للعلوم الدينية / فرع الناصرية