بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين
قراءة واعية لخطاب الشيخ اليعقوبي (دام ظله الوارف) :فاطمة (عليها السلام) الكوثر :ج4
ويكمل (دام ظله ):(وهي المبادرة لعمل كل ما يرضي الله ورسوله وان لم يصدر به امر وانما تندفع الى العمل بمجرد علمها بارادة الرسول (ص و وآله )
الركن التاسع : المبادرة والمسابقة بكل ما يرضي الله و رسوله (ص )
نستطيع أن نفهم من ذلك الكلام فكرتين :
الفكرة الأولى :
أنها (ع)كانت مطبقة لقوله تعالى “سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسوله ” أي المسارعة إلى الخير و الاستعجال به إن كانت محرزة فيه رضا الله ورسوله , أما الأمور التي لم تحرز فيها رضا الله ورسوله فتتأنى فيها لأن ركن المسارعة من الأركان المهمة في العمل الرسالي ولكن ليس مطلقاً كما قلنا سابقا فمن صفلت شخصية الرسالي أن تكون بطيئة جدا ومترددة قبل أن تتخذ الخوات في الأمور غير المتقنة لأن عليه أن يكون حذرا ويحسب كل الحسابات إذا لم تكن هذه الخطوة هي لفعل الخيرات , ومفهوم المسارعة يعبر عنها بمفاهيم قرآنية متعددة منها المسابقة أي أنها (ع) مجرد أن يأذن لها الإذن فإنها تفعل الفعل بالرغم من أنها تستطيع تأخيره وهي لا تزال ضمن وقت الفضيلة ولكن ضمن مفهوم أخلاقي أعلى وهو المسارعة أو المبادرة يكون ذلك دون المستوى المطلوب , لأن تلك المفاهيم توجه الإنسان وتجعله على الصراط المستقيم .
الفكرة الثانية :
كان هناك بيان سابق للشيخ ( دام ظله ) تحت عنوان ( المستحبات سور وحصن لحماية الواجبات ) وهنا نتاول نفس الفكرة فالمستحب يحبه الله ورسوله إذاً عليك أن نسارع به , ونستطيع أن نفهم من قوله ( دام ظله ) : “وان لم يصدر به أمر ” أن الزهراء ( ع) لم تكن تتعامل مع الأمر بما هو أمر أي إذا صدر فإنها تنفذه وإن لم يصدر فإنها لا تنفذه , بل على العكس فنستطيع القول أنها كانت ملتزمة بفقه المسارعة فقه أوسع من الوجوب والحرمة بل هي كانت تسأل نفسها أيحب الله وسوله المستحب ؟ نعم . إذاً افعله وسارع به دون نقاش مثل مساعدة الآخرين وتقديم الخيرات لهم وإحياء الليل .
ويكمل (دام ظله ) ( دخل عليها رسول الله (ص) للسلام عليها بعد قدومه من سفر له وفي عنقها قلادة من ذهب كان اشتراها لها علي ابن أبي طالب من فيء وغنيمة أصابها فقال لها رسول الله (ص) : يا فاطمة لا يقول الناس أن فاطمة بنت محمد تلبس لباس الجبابرة فقطعتها وباعتها واشترت بها رقبة فاعتنقتها فسر بذلك رسول الله (ص).
الركن العاشر :- النظر الثاقب للرسالي .
ونتعلم ذلك الركن من الرسول (ص) , وفي هذا المورد ينقدح في الذهن سؤالان :
السؤال الأول : لماذا يفترض بالرسالي أن يكون نظلاه ثاقباً ودقيقاً ؟
السؤال الثاني : كيف يمكن للرسالي أن يستحصل النظر الثاقب ؟ أما الجواب عن السؤال الأول فيكون مستخلصا من قوله تعالى ” كنتم خير أمة أخرجت للناس تآمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ” فقيلا ما يلتفت الى العمق في هذه الاية فيمكن أن يكون كل فرد خير أمة وخير الموجودين لو اتصف بصفة ( تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) , فالنظر الثاقب مقدمة للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر وبذلك لا يكون الرسالي خير الخلق عندما لا يتصف بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أي لا يكون متصفا بالعمل الحركي .
أما الجواب عن السؤال الثاني حول كيفية استحصال النظر الثاقب الرسالي ، فإن القرآن أشار لهذة الحقيقة وذلك من خلال الاستفادة من عدم حصر فهم الآية الشريفة التي تكلمت عن ذلك الموضوع ضمن معناها الظاهري الذي يتصور للوهلة الأولى أنها تتحدث عنه وهو الموت فقط ولكن الإنسان المحقق يجب عليها لا يفعل ذلك ونعني به قوله تعالى “فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد “فمن الممكن أن نفهم منها فهم آخر بالإضافة إلى موضوع الموت ، الرسالي ممكن أن يكون بصره حديد إذا كشف عنه غطاءه .
وقد نتساءل مالذي يكشف للرسالي فيكون بصره حديد ؟ الجواب يكون من قوله تعالى “بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون” الذي يكشف هو الرين و الموانع الموجودة على منطقة معينة في الرسالي وهي الفلب ، فالرسالي إذا كان قلبه عليه مانع ورين فهو لا يرى شيء ، ولنغير الفكرة القائلة إن الإنسان قد يعرف كل شيء إذا كان داخل في العمل فإن تلك الفكرة قد تكون خاطئة بمنظار لغة القلوب فتلك اللغة موجودة عند الرسول (ص وآله)والزهراء (ع) وأبسط مثال يوضح تلك الفكرة عند مراقبة الإنسان حالاته القلبية عندما يدخل في مكان يذكر فيه الله كثيرا كمراقد الأئمة الأطهار والمساجد فإنة حلاته القلبية تختلف عما إذا كان موجوداً في مكان لا يذكر الله فيه أو فيه اختلاط الجنسين وكلمات عن الدنيا .
فإن تلك الحالات موجودة في القلب دائما وإن برزت في تلك الأماكن “لهم قلوب لايفقهون بها” أي من الممكن أن يكون القلب طريق للتفقه والنظر، فمجرد أن يشعر الرسالي بحالة قلبية سيئة يعرف بسببها أن هناك شيء غير صحيح وغير الهي وليس خالص لوجهه تعالى وهو نفس السبب الذي جعل الرسالي لايأكل الاكل وإن كان مباحا لأنه عرف عن طريق تلك اللغة أن المال غير مخمس وكذلك هي نفسها تجعله يشعر بروحية خاصة لبعض الثياب على قلبه دون البعض الآخر وأن هناك مكان أفضل للصلاة دون الأماكن الأخرى .
فالذي يستطيع أن يتوصل لتلك المعرفة هو القلب النقي النظيف ، وكذلك نجد بعض الآيات تحدثت عن لغة القلوب كقوله تعالى “الا بذكر الله تطمئن القلوب” أي أن الشيء إذا كان إلهياً فالقلب مباشرة يطمئن له ، وقوله تعالى” ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وأن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وأن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وأن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون” .
وقد ذكرت تلك اللغة كثيرا في القرآن لأن الرسالي دون تلك اللغة لايستطيع أن يعمل شيء .
فالرسول (ص وآله) مجرد أن دخل على فاطمة (ع) ليسلم عليها فإن هذا المقياس والتفقه القلبي عمل عنده مع الزهراء (ع) مباشرة ولو بالمقدار الدقي الذي يتلائم مع مستواه والذي قد لايكون ملتفتا له عند غيره .
وقد يطرح سؤال هل ذلك يعني أن فاطمة و علي (عليهما السلام) لا يمتلكان تلك المعايير القلبية وفقط امتلكها الرسول (ص وآله) ؟! بالتاكيد الجواب هو لا ، وكلهم كانت تصرفاتهم صحيحة لكن كل واحد منهم بلحظ معين مثلا علي (ع) بلحاظ أنه اهدى هدية لزوجته وتلك مسأله طبيعية بل من الواجب الاتفاق على الزوجة ومن المستحب إدخال السرور على قلبها ولو من خلال احضار هدية لها .
أما من جانب الزهراء (ع) فتصرفها سليم ايضا لأنها لبست القلادة لعلي (ع) ويستحب للمرأة ان تتزين لزوجها ، أما من جانب الرسول (ص وآله) فقد أراد مستوى أعلى من ذلك .
من إصدارات جامعة الزهراء النسوية للعلوم الدينية/ فرع الناصرية