بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
قراءة واعية لخطاب الشيخ اليعقوبي (دام ظله الوارف) :فاطمة (عليها السلام) الكوثر:ج6
ويكمل (دام ظله):”وهي المصونة العفيفة ،روى الإمام الباقر(ع) قال:(تقاضى علي وفاطمة الى رسول الله(ص وآله) في الخدمة فقضى على فاطمة بخدمة ما دون الباب وقضى على علي بما خلفه،قال:فقالت فاطمة فلا يعلم ما داخلني من السرور الا الله بإكفائي رسول الله (ص وآله) تحمل رقاب الرجال”
إن هذا الكلام يؤدي إلى إثارة عدة أفكار مهمة جداً:
الفكرة الأولى:
أن الفضائيات و شبكة الإنترنت والمجلات ومختلف وسائل الإعلام تنادي بصوت واحد وهو إعطاء المرأة حقوقها وتساويها مع الرجل بمختلف الميادين، ونحن هنا نحاول أن نطرح ذلك الموضوع كظاهرة وعلاقة ذلك الموضوع بما يطرحه أهل البيت (ع) من أفكار وخاصة بما يرتبط بخروج المرأة من المنزل فمثلاً ما ورد عن أمير المؤمنين (ع) قوله:(لا تشتري للمرأة أكثر من ثوبين) وبغض النظر عن جهة السند فقد تستغرب النساء عندما تسمع تلك الأفكار وهي صادرة من رجل عظيم كأمير المؤمنين (ع) ولكن فلسفة ذلك الكلام واحدة هي أن المرأة حينما يُشترى لها أكثر من ثوبين بالإضافة الى الحلي ومواد الزينة فإن كل تلك الأشياء لا تعمل غالباً داخل البيت بل خارجه وستكون هذه الأشياء مقدمة لحب الخروج .ولا نقصد بذلك التعقيد في الدين الإسلامي فهو دين سمح وعظيم وسيدور العالَم ويدور ثم يعود للإسلام لأنه لن يجد الحلول لمشاكله إلا في ظل الإسلام وخاصة ما هو مُتعارف من الجدل المتعلق بالمشكلة الجنسية- مع إنها ليست مشكلة – ولا يجدون الإنقاذ لهم إلا من خلال المعادلات التي وضعتها الزهراء(ع) ولو بعد 200سنة ، أي من خلال الفصل التام بين الرجل والمرأة فهو حل جذري لتلك المشكلة ولا يحتاج ذلك الحل إلى تنظيرات ومحللين إجتماعيين وسيقف بوجه الصيحات التي تنادي بإعطاء المرأة حقوقها في الميدان والتي تتخذ من ذلك النداء وسيلة لتقريب المسافة بين الرجل والمرأة .
ويُطرح ها هنا إشكال مهم فهل خروج النساء من أجل طلب العلم هو فعل خاطئ وغير صحيح؟
نقول إن تلك الحالة هي إضطرارية وليست صحيحة، فالصحيح أن تأخذ المرأة درسها في البيت وتدرس داخله وتكون المدارس في البيوت ولكن في الوقت الحاضر غير موجودة الآليات لتنفيذ هكذا أفكار ولكن بعدة فترة من الزمن قد نصل إلى نتائج جيدة لتطبيق هكذا مشاريع ولكن للأسف ذابت هكذا أفكار بمرور الزمن ، مع إننا نتذكر في زمن السيد الصدر الثاني (قده) كان المؤمنون والمؤمنات يقرأون هكذا أفكار ويؤيدوها وروايات أهل البيت شاهدة على تأييد تلك الأفكار فمثلاً كان الإمام علي (ع) يأخذ السيدة زينب (ع) لزيارة قبر أُمها في ليلة ليس فيها بدر فيختار إما ليلة فيها هلال أو ليلة ظلماء, والحسن (ع) أمامها والحسين (ع) خلفها وعلي (ع) أمامهم كلهم ويمسك السراج الى أن يصلوا الى القبر فيطفأ السراج ،و سُئل (ع) عن سبب ذلك الفعل فأجاب (ع):لكي لا يُرى لزينب(ع) ظل .
فكل ما ورد عن زينب كان مخفياً ولولا المواصفات التي عُرفت عنها(ع) في واقعة الطف لما كان لها وجود تأريخياً ولم تكن شخصيتها مثبتة،وكما يُنقل عن جار لأمير المؤمنين (ع) قوله: ثلاث سنين وأنا جار لعلي (ع) ولا أعرف إمرأة أُسمها زينب . فتلك هي أصالة وحقيقة الإسلام وهم في الفكر الغربي قد إلتفتوا الى تلك القضية وأبرز شاهد على ذلك ما نُقل عن أحد مفكريهم قوله :الرجل والمرأة لايكونون أصدقاء.،فتلك المسألة ليست مختصة بالإسلام بل حتى في الفلسفة الغربية هي كذلك.وكما نعرف أن السيدة الزهراء(ع) لم يكن يُرى منها شيئ وحتى النساء عندما كانت تلتقي بهن كانت ترتدي أمامهن الخمار لكي لا ينقلن صفاتها الى أزواجهن ، وهذا ما يفسر لنا قلة المعرفة بزوجات الأئمة (ع) .أي نستنتج من ذلك الكلام إننا نستطيع أن نقسم النساء إلى قسمين:
القسم الأول:المرأة الزينبية.
القسم الثاني:المرأة الخديجية
إن وظيفة جامعة الزهراء (ع) هو لأعداد المرأة الزينبية وليست الخديجية وليس معنى ذلك أن السيدة خديجة فاقدة للبعد الرسالي بل كانت (ع) إمرأة ذات مال كثير وتجارة واسعة ضحت بكل ذلك وفقدته ونامت على الحصير من أجل الإسلام وهي نفسها المرأة التي يتشرف الحسين(ع) بالإنتساب لها كما هو وارد في زيارة وارث “السلام عليك ياإبن خديجة الكبرى” أي إن رساليتها مع زوجها، أما السيدة زينب (ع) شاءت الأقدار أن تكون رساليتها مع الأُمة وكلا القسمين صحيح ضمن شروط معينة ، فلو كانت المرأة تمتلك مؤهلات العمل الرسالي داخل الأُمة فترفع حينئذ بعض المحاذير كما يقول بعض الإسلاميين أنه يجوز للمرأة الخروج خارج البيت للعمل الرسالي وتنشر الملائكة أجنحتها لتلك المرأة لذلك وهي نفسها من قالت (ع):”فلا يعلم ما داخلني من السرور الا الله بإكفائي رسول الله (ص وآله) تحمل رقاب الرجال”بعد أن قضى عليها رسول الله(ص وآله) بخدمة ما دون الباب) خرجت وألقت خطبتها الرسالية المعروفة أي خرجت بهذا العنوان الرسالي ولا تخرج لعنوان آخر كما قضى بذلك رسول الله(ص وآله) .
ولو طُبقت هذه الفقرة في الأُمة اليوم لكان قد حُلت 70% تقريباً من مشاكل اليوم أي يُسمح للمرأة بالحركة الصحيحة فقط ، وقد تتساءل النساء كيف يتلائم ذلك الكلام مع خروجها للعمل والوظيفة؟ نقول تخرج المرأة للوظيفة والعمل لكن بنية العمل الحركي والدفاع عن الإسلام وتصحيح الأفكار في المكان الذي تعمل فيه وليس بنية طلب المال والإكتساب لأن المرأة ليس من وظيفتها الإكتساب ،وإلا فاطمة(ع) بالرغم من جلالة قدرها كانت حدودها الى الباب لكن علي (ع) سمح لها بالخروج لتأدية مهمتها الرسالية لا غير.
الفكرة الثانية:
نفهم من قولها (ع):”فلا يعلم ما داخلني من السرور الا الله بإكفائي رسول الله (ص وآله) تحمل رقاب الرجال” فلتسأل المرأة نفسها ما الذي يسرها أكثر البقاء في البيت أم الخروج؟من خلال الإجابة عن ذلك السؤال تعرف صحة أم خطأ ما تقوم به ، لأنه يُفترض حالة السرور ملازمة للجلوس في البيت الاّ أن يكون السرور بلحاظ معين كالتعلم و حضور مجالس ذكر أهل البيت (ع) . وإذا لاحظنا الوصف التي عبرت به الزهراء (ع) بقولها:”فلا يعلم ما داخلني من السرور” الظاهر لا أحد يعرف كمية ذلك السرور الا الله تبارك وتعالى.
وقولها(ع):” تحمل رقاب الرجال” أي أن الرجل حينما يمد عنقه لينظر الى المرأة ، أي إنها (ع) تبين أن أغلب الأفكار السائدة اليوم في العالم بل ما يُقارب 95% إن لم يكن 99% هي أفكار خاطئة فلا تغرنا الكثرة والعلمانية لأن الزهراء (ع) أكدت على المعادلة المهمة ووضعت المعايير والمقاييس لتنظيم المجتمع وهذا يبين لنا معنى ما قول الإمام السجاد (ع) :(ليت أُمي لم تلدني) عندما رأى زينب (ع) والنساء مسبيات أي فلتكن المرأة حذرة ودقيقة بتطبيق المعادلة الداخلية في نفسها أي لاتحب المرأة العمل الرسالي ولكنها تؤديه على الوجه الأكمل ، أي هناك فرق بين أن تحب الخروج و بين أن تكون مضطرة لتأديته لوجه الله تعالى.
ويكمل (دام ظله):”وكان التحدي الأكبر ينتظرها بعد رحيل أبيها”
يشير الشيخ إلى فكرة هي أن الإنسان يستطيع أن يقرأ مستقبله عند الله تعالى من خلال تجاوزه مجموعة من الإختبارات بالإستفادة من قوله تعالى(وإذ إبتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) فالنتيجة النهائية:( قال إني جاعلك للناس إماماً) نبي الله إبراهيم واجه تحديات كبيرة من ضمنها النمرود وآزر وزوجته سارة التي كانت تؤذيه جداً وتُغمه وكانت تغار عليه كثيراً من هاجر إلى أن أدى ذلك إلى أن يبعدها مع إبنه إسماعيل (ع) بالإضافة الى إبتلاء الذبح كل تلك الإختبارات التي تجاوزها بقوة إرادته نتيجتها النهائية كانت (الإمامة) .
فالزهراء (ع) لأنها تفوقت بالإمتحانات عندما كانت طفلة صغيرة لأبيها وعندما كانت زوجة وأُم وبتركها زينة الدنيا وإمتيازها بالعفة كل ذلك جعلها ترتقي لقبولها لمهمة عظيمة غيرت مجرى التأريخ.
ويكمل (دام ظله):”وقد أعدها (ص وآله) لمواجهته وأنبأها بما سيحصل”
إشارة للفكرة السابقة لأنه من غير الممكن لها (ع) أن تخوض هكذا تحدي بدون أن تكون مُعًَدة إعداد جيد على يد الرسول(ص وآله) ، وكثير من الناس يُحرمون من النِِِِِِِعم المستقبلية لأنهم فشلوا بالتحديات التي واجهتهم ، فاي رسالية مثلا تحرم من نِعم مستقبلية لأنها لم تحسم أُمور معينة بينها وبين الله تعالى كالعفة والحجاب وقوة الإرادة و الإبنة والزوجة و الأُم والأُخت الصالحة لكن إذا حسمتها فإنها ستؤهل إلى شيء أعظم وإن فشلت بإحدى هذه الأُمور فإنها ستُحرم من أشياء عظيمة .
أما قوله (دام ظله) ” وأنبأها بما سيحصل”
نفهم منه أن من وظيفة الرسالي قراءة المستقبل ولا يعني ذلك الرجم بالغيب بل يكون من خلال القرآن والسنن الإلهية .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
من سلسلة محاضرات أُلقيت على إحدى مراحل جامعة الزهراء النسوية للعلوم الدينية/فرع الناصرية