بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
قراءة واعية لخطاب الشيخ اليعقوبي (دام ظله الوارف) :فاطمة (عليها السلام) الكوثر:ج7
ويكمل:”ولخصه (ص وآله)لأهل بيته وخاصته بقوله :(أنتم المستضعفون بعدي فمن جهة كان عليها أن تدافع عن الإمامة الحقة المتمثلة بأمير المؤمنين (ع) وتثبت حقه بخلافة رسول الله (ص وآله) وتدمغهم بالحجج الواضحة.
ومن جهة ثانية تنَور بصائر الأُمة وترفع عنهم الغشاوة )
يبين هنا الشيخ أن حركة الزهراء(ع) كانت ضمن ثلاث محاور:
المحور الأول:الدفاع عن الإمامة الحقة.
المحور الثاني:رفع الغشاوة وتنوير الإُمة.
المحور الثالث:الثورة المستمرة إلى زماننا.
وقبل الخوض في تلك المحاور نشير إلى فكرة مهمة وهي كيفية الإستفادة من خطواتها (ع) وأنها أعطت درساً مهماً للرسالي إن أراد معالجة حالة سلبية فإن عليه أن يدرس الواقع أولاً بدقة ثم بعد ذلك ينكشف علاج ذلك الواقع الخارجي له.
المحور الأول:
نقول إنها (ع) عاشت في ظرف عاشه الإمام علي (ع) وقد إستضعفه القوم والرسول (ص وآله) , إنتقل إلى الرفيق الأعلى ، ونرى أنها كإمرأة وكان عمرها صغيراً كيف إستطاعت أن تكتشف العلاجات الصحيحة وذلك من خلال إندماجها مع القرآن ولا يستطيع الرسالي أن يشخص العلل الصحيحة لأي مشكلة ما لم يعِش بتجربة حية مع القرآن وتندمج آيات القرآن مع أفكاره وذهنه ورساليته فحركة الزهراء(ع) كانت نتيجة تعايشها الصحيح مع ذلك الكتاب الشريف وهضمها لجميع مفاهيمه، وما مصحف فاطمة الاَ إشارة الى تلك العلاقة الشديدة والقوية مع القرآن ،بالإضافة إلى أننا نجد أنَ حامل القرآن كلامه يختلف غيره من الناس .فكلامها مختلف عن غيرها من الناس. ويُطرح ها هنا سؤال:لماذا كان عليها الدفاع عن إمامة علي (ع) ؟هل لأنه زوجها؟ أو إبن عمها؟ من ذلك السؤال تنبثق عِدة أفكار:
منها: أن الرسالي يحتك بمجتمعه وعائلته والمقربين منه وأنه لايستطيع التأثير عليهم الاَ بعد أن يقرأهم قراءة واعية ثم يأتي بهم إلى المنهج الحق.
ومنها: تكون من خلال الدمج بين موقفها (ع) والآية القرآنية”وإعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا” إن تلك المعادلة التي طرحها القرآن هي ذات أبعاد عميقة من خلال التناسب بين الإعتصام بالمنهج الحق الذي نتيجته النهائية وطرفه الآخر هو الوحدة .
لكي تكون قريباً من الآخر وتتوحد معه في أي مكان سواء في المؤسسات الحكومية أو في المراكز التعليمية أو في أي أماكن أُخرى عليك أن توفر حالة الإتفاق المفاهيمي بينك وبينه أما إذا لم يتوفر ذلك بل على العكس كان هناك إفتراق مفاهيمي , فمن المستحيل أن تُصنع حالة الإجتماع بينكما.
وعبرت (ع) عن ذلك بقولها:(وجعل إمامتنا نظاماً للملة) لأن الأُمة إذا لم تتوحد على نقطة واحدة فإن الحركة ستكون عشوائية ،وأول نقطة شخًَصتها (ع) وأكدت عليها هي أن تجمع الأُُمة وأن لاتكون مُبعثرة الطاقات .
المحور الثاني:
وكما قلنا سابقاً إن نجاحها (ع) في الإختبارات التي مرت بها (ع) أدت لِتأهيلها إلى مهمة عظيمة وهي مهمة تقويم الأُمة وتقاسمها المسؤلية مع أمير المؤمنين(ع) وإن هناك ثلاث أركان يجب توفرها في الأُمة لصلاحها وأن عدم توفرها يؤدي إلى تدنيها في المستوى التكاملي والمعنوي وهي نفس المحاور الثلاث التي ذكرناها سابقاً وهي:
1- وجود القيادة الصالحة أو (الإمامة):
فحاولت (ع) أن تُرجع الأُمة إلى قيادتها الصالحة وإعتبرت أن السبب الرئيسي لإنحراف الأمة أو تقويمها هو وجود أو فقدان ذلك العنصر ،ولكن ما السر في ذلك؟ القرآن أجاب “إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ “(55)المائدة أي توجد حالة جداً مهمة نظرت لها الزهراء(ع) بدقة وهي كما يقال بالعرف الإعتباري *أن المرء يُعرف من قرينه* أي إن إقترن شيئان معاً ولمدة طويلة فإن الصفات تسري من أحدهما إلى الآخر وهذا القانون يشمل الجميع وأبسط أمثلته التطبيقية هو ما يحصل بين الزوجين فنرى أن الزوجة بعد فترة من الزواج تكتسب صفات الزوج ونفس الأمر يحصل للزوج وإن كان سريان الصفات ليس بنحو الكلية بل بنحو الجزئية وهذا القانون تكويني فيزيائي يحدث حتى ضمن القوانين الفيزيائية الكونية، والذي نريد قوله أن مسألة الإمامة ينطبق عليها هذا القانون ولكن للأسف القليل ممن يطرحها بطرح عصري يتلائم مع ذلك القانون ، فهي حالة سريان من الإمام الى المأموم ، فالله عز وجل يريد بالأصل أن تسري صفات الله إليك وإذا لم تسري صفاته إليك فصفات الرسول (ص وآله) هي التي تسري إليك وإن لم يحدث ذلك فيعطيك صفات الذين آمنوا فقدر الإمكان إقترب منهم وتلبس بصفاتهم فقال عز وجل” إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ “(55)المائدة وإذا تساءلنا لماذا الله تعالى يريد ذلك ويعتبره من إصول الدين؟
يكون الجواب أنه بدون أن تسري تلك الصفات للرسالي فإنه لا يتمكن من التأثير على المقابل فكل عمل رسالي لا تقع فيه حالة التفاعل بين نفس القيادة والأُمة فإنه لن ينجح ،وما نراه في الوقت الحاضرمن سكون الأُمة وإختفاء المعنويات هو ناتج من عدم تعلق الأُمة بإمامة وقيادة صالحة وحتى المُلتفين حول القيادة الصالحة فإنهم لا يعون ذلك الإلتفاف ولا يطبقونه وإن طبقوه فإن تطبيقهم لا يكون كاملاً ، لذلك الزهراء(ع) أول من شخَص هذا الأمر لأن من أولى الخطوات أن تكون الأُمة مرتبطة بقيادة صالحة.
- رفع الغشاوة عن الأُمة :
أي الكشف عن إزدواجية المعايير، وهذه الخطوة يحتاجها كل رسالي ،لأنه لايمكنه الإستمرار في التكامل ما لم يقرأ أفكار المصلح أو القيادة الصالحة التي يعيش في زمانها والاَ يجرفه التيار ويرى نفسه مبتعد عنها وهو لا يشعر بذلك فتلك النقطة مرتبطة بسابقتها لأن نقطة الخلل في الأُمة هو (القيادة الصالحة) و إذا لم يوفقه الله تعالى لقراءة أفكار المصلح فإنه سيقع بالنقطة الثانية والتي نحن بصددها أي تتولد لديه غشاوة وضبابية وإزدواجية بالمعايير. في زمن الزهراء (ع) كان هناك خلط للأوراق لأن الأُمة ضيعت النهج الصحيح ، وأبسط مثال أن كما هو معروف بحسب قواعد الإرث أن الميراث بحسب الطبقات وتُقدم الطبقة الأُولى ،وإن الزوجة والبنت ترثان ولكن بسبب الإزدواجية في المعايير بعد وفاة النبي (ص وآله) فإن زوجته (ص وآله) تُورث بينما إبنته (ع) لا تورث ، والعجيب في الأمر كيف أن الأُمة إنطلت عليها هكذا أشياء ؟؟!! بل نرى أيضاً أن ألأُمة ذات مائة ألف فرد تقريباً يمر عليها هكذا أمر فقهي بسيط ولا نجد أي إعتراض .وإن بحثنا وشخصنا علل ذلك الشيئ الغريب فنجدها عِدة علل شخصتها (ع) :
العلة الأولى : التي ذكرناها سابقاً أن الأُمة ضيعت القيادة الصالحة، وكما عبرت عنها الزهراء(ع) الإمامة.
العلة الثانية:وهي علة قرآنية :”ومن يتقِ الله يجعل له فرقاناً” أي عدم وجود التقوى لدى الأُمة وهذا القانون يُطبق في كل أُمة وفي كل جيل أي سبب وجود الغشاوة والإزدواجية لأن الأُمة إبتعدت عن التقوى فلا تعرف الأشياء البديهية في دينها.
العلة الثالثة:نستفاد من آية قرآنية “وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون باليوم الآخر حجاباً مستورا”أي أن قراءة القرآن ترفع الغشاوة والمنهج القرآني مهم جداً في رفع الغشاوة ، وإذا تساءلنا لماذا الإزدواجية في المعايير لم تنطلي على الزهراء(ع)؟لأن العلل الثلاث كلها قد رُفعن عنها فهي تعرف إمامها وهي مُتقية الى درجة لا نتصورها بالإضافة إلى أنها من الهاضمات جداً للقرآن .وبما أن القرآن عبارة عن دستور للأخلاق يشمل كافة الأبعاد الفردية والإجتماعية وغيرها فالزهراء (ع) إستفادت من ذلك الدستور الأخلاقي في القرآن والمتعلق هنا بأخلاق الدولة فلم تُهيمن شخصية الأول والثاني عليها كما هيمنت على الأُمة، فلم تتولد لديها الغشاوة التي تنتج من تأثيرات خارجية. ومن التطبيقات التي طبقتها الزهراء (ع) في هذا المجال هو إحتجاجها بقوله تعالى”وورث سليمان داود”
ويكمل (دام ظله):”ويبن الإزدواجية في المعايير التي يتبعها القوم إذ ترث الأزواج من رسول الله(ص وآله) وتُحرم البنت بحجة أنهم سمعوه(ص وآله) يقول:(إنا معاشر الأنبياء لا نورث)
ومثلما نعلم جيداً أن الأحاديث التي وردت عن أهل البيت تؤكد على أن كل ما يخالف القرآن فيُضرب به عَرض الجدار، وحتى لو فُرض أن النقل صحيح عن القائل فنأخذ ما نُقل ونُقارنه مع القرآن،و الأية القرآنية” فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ”النساء176 آية مُطلقة وليس فيها أي تقييد وهي من أعجب القوانين التي ذُكرت في القرآن وبها الكثير من الفلسفات فلو فُرض أن ما ورد عن الرسول (ص وآله) صحيح فهي تُعارض الآية فالواجب أن تُضرب بتلك الرواية عرض الحائط.
من سلسلة محاضرات أُلقيت على إحدى مراحل
جامعة الزهراء النسوية للعلوم الدينية/فرع الناصرية