من الثابت أن الإمام الصادق (ع) كان على علم بخواص الأشياء منفردة ومركبة، وأنه درّس علم الكيمياء في مدرسته، وقد اشتهر من تلامذته في هذا العلم هشام بن الحكم وجابر بن حيان.
أما هشام فنظريته في جسمية الأعراض كاللون والطعم والرائحة مشهورة، وقد أخذها عن تلميذه إبراهيم بن سيار المعتزلي. ومؤدى هذه النظرية أن الضوء يتألف من جزيئات في منتهى الصغر تجتاز الفراغ والأجسام الشفافة، وأن الرائحة تتألف من جزيئات متبخرة من الأجسام تتأثر بها الغدد الأنفية، وأن المذاق جزيئات صغيرة تتأثر بها الحليمات اللسانية.
وقد أثبت العلم الحديث صحة ما ذهب إليه هشام بن الحكم الذي أخذه عن أستاذه الإمام جعفر الصادق (ع).
أما التلميذ الأكثر شهرة في مجال الكيمياء والعلوم الطبيعية – جابر بن حيان – فقد دوّن في ألف ورقة وخمسمائة رسالة من تقريرات الإمام في علمي الكيمياء والطب.
وتمكن من تحقيق وتطبيق طائفة كبيرة من نظريات الإمام العلمية، أهمها: تحضير (حامض الكبريتيك) بتقطيره من الشَّبَّة وسمّاه (زيت الزاج) كما حضّر (حامض النتريك) و(ماء الذهب) و(الصودا الكاوية)، وكان أول من لاحظ ترسب (كلورود الفضة) عند إضافة محلول ملح الطعام إلى ملح (نترات الفضة)، وينسب إليه تحضير مركبات أخرى مثل (كربونات الصوديوم) و(كربونات البوتاسيوم) وغير ذلك مما له أهمية كبرى في صنع المفرقعات والأصباغ والسماد الصناعي والصابون وما إلى ذلك.
ولم تقف عبقرية جابر في الكيمياء عند تحضير هذه المواد فحسب، بل انه انبعث منها إلى ابتكار جديد في الكيمياء سماه (علم الميزان) أي معادلة ما في الأجساد والمعادن من طبائع.
وقد جعل لكل جسد من الأجساد موازين خاصة بطبائعه، وكان ذلك بداية لعلم المعادلات في طبائع كل جسم.
كما امتد نشاط جابر إلى ناحية أخرى من الكيمياء يسمونها (الصنعة) أي تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن ثمينة من ذهب وفضة بموجب توجيهات الإمام الصادق(ع). ويعد جابر رائداً لمن أتى بعده من العلماء الذي شغفوا بهذه الناحية من الكيمياء كالرازي وابن مسكويه والصغرائي والمجريطي والجلدكي).
وقد أفرد الدكتور محمد يحيى الهاشمي كتاباً سماه (الإمام الصادق ملهم الكيمياء)، ويرى الهاشمي أن (الإكسير) الذي كان جابر يديره في الكوفة لتحويل المعادن إلى ذهب إنما هو (الراديوم) أو أحد الأجسام المشعة، يقول الهاشمي (ومما يزيد إعجابنا ادعاء جابر بأن هذا السر له دخل في جميع الأعمال. ونحن إذا أمعنّا النظر في الوقت الحاضر لوجدنا أن اكتشاف الأجسام المشعة التي تؤدي إلى قلب عنصر المادة وتحطيم الذرة لم يكن من نتائجها القنبلة الذرية فحسب، بل إيجاد منابع قوى جديدة لم تكن تطرق على بال الإنسان)