إن السيد الصدر من العارفين الذين ساروا في سفن النجاة وافنوا عمرهم الشريف في كشف حقائق الإسلام التي تهدي البشر إلى سعادتهم المنشودة فالذي اعتنق الإسلام أخذ بالخط الأوفر من حقائقه وكنوز معارفه وهو السابق بالخيرات بشرط العمل والمعرفة الادراكية والعرفانية فهي اساس جوهر الاسلام ولا عمل بدون معرفة وعلى هذا الاساس فان معرفة الاسلام وادراك .
حقيقته ومنظومته الفكرية الشاملة خطوة رئيسية للاستفادة من نهجه في الحياة ان هذه المنظومة الشاملة او الرؤية الكونية الكلية للاسلام والتي تبين اسرار الحياة والوجود من ادنى مرتبه الى اعلاها وقد تبينت في القرآن الكريم والسنة النبوية وسيرة أهل البيت الأطهار (عليهم السلام) وقد حرص الشهيد الصدر الثاني على تأكيد شمولية الشريعة الاسلامية وقيمومتها على حياة الانسان المسلم وضرورة حضور الفقيه من خلال مواكبته للمستجدات التي تحصل في الحياة المعاصرة ومن تطورات علمية وصيغ قانونية.
وبذلك يقف الباحث على شخصية فقهية متميزة وظاهرة علمية وفكرية لها الاستقلالية في التفكير والابداع لاتخضع الى اخر الا بمقدار وجود البرهان والدليل العقلي والنقلي والحجة ويحدد الصدر الثاني ضرورة معرفة الفقية بالحقول المعرفية والثقافي مع هذه العلوم والحقول المعرفية حتى يتيح للفقيه وضع الاحكام الشرعية لئلا تخفى طبيعة موضوعات الحكم الشرعي .
أي بمعنى أنه كان من الضروري أن يطلع المرجع والمجتهد على حقول المعرفة الحديثة والمتطورة كعلم الاقتصاد والاجتماع والرياضيات وعلم الفلك والفبزياء والكيمياء وهذا معناه انه يجب ان يواكب التطور الحاصل في مجالات الحياة حتى لايتهم بالجمود والركود والاعتماد على الجانب الفقهي والأصولي فقط.
لذا نجد السيد الشهيد الولي الراحل قد أثرى المكتبة الاسلامية والفكر البشري بالعشرات من المؤلفات والطروحات والافكار والمباحث فهو بحق فكر ثائر وصوت أزلي هادر وعقل مدبر قاهر وكفن يحمل الحياة للاجيال اللاحقه فهو علمنا كيف نفكر عن طريق معرفة الدين الصحيح من خلال العبادة والتفكير ومن الضروري ان ننقل ماذكره العلامة السيد محمد حسين فضل الله.
بقوله ادركنا في مجلة الاضواء سنة 1380 هـ سنستقبل شابا طاهرا طيبا والطهارة تفيض على وجهه وتشعر بالروح الاسلامية تتحرك في كل مواقفه كان ياتي بكلمات في الاحتواء ليعالج قضايا لم يكن مجتمع النجف يعالجها أنذاك.
وللشهيد الصدر مقالات في الصحافة النجفية إضافة إلى مؤلفاته الكثيرة وأولى كتاباته هي (الله تعالى ضرورة عقلية) اي الاعتراف بوجود الله عز وجل من اعظم الاسس والقواعد التي تحقق راحة للضمير الانساني وطمأنينته وقناعته في الرزق
فضلا عن الكثير من المقالات في الصحافة النجفية يطول المقام بذكرها وهي دراسات في تفسير القرآن واثارها في العقيدة الالهية والتوحيد والاسلام اضافة الى مقالات مهمة بين الميكافيلية والاسلام وانتقاد السيد الشهيد لمبدأ(ان الغاية تبرر الوسيلة) وهي النظرية التي قررها ميكافيلي في كتابة الاخير والتي اصبحت واضحة البطلان عند الفكر المتنور اضافة الى المؤلفات الكثيرة والضخمة وخاصة مؤلفه ماوراء الفقه هذا السفر الخالد في موضوعه واسلوبه والذي اضاف الكثير الى النتاج الفكري الشيعي وهو يحاول تخليص الحوزة العلمية من الجمود الفكري والسير مع السيرة العلمية.
في العالم والتي اتخذت مساحات واسعة من الفكر والعلم والتكنلوجيا الحديثة فتراه يتناول مسألة عملية في علم الفلك والوقوف على النتائج العلمية الصحيحة التي تخدم المجتمع المسلم ومن ثم يتناول مسألة اخرى ويتحدث عن الزلازل وكانه المتخصص في هذه الظاهرة الطبيعية او الخبير المتخصص والعارف في ذلك وهكذا بالنسبة العلوم الاخرى في الكيمياء والفيزياء والرياضيات وعلم الاقتصاد اضافة الى انفراده بتأليف موسوعة متكاملة عن الامام المهدي (عج) في اربعة اجزاء تناول فيها حياة الامام وكيف سوف يواجه العالم بكل قوته وجبروته واسلحته وتناول خلال هذه الاجزاء الاربعة بالدراسة والتحليل الدولة العالمية الموعودة.
ويذكر السيد الشهيد في كتابه نظرات اسلامية في الاعلان حقوق الانسان ان اعلان حقوق الانسان الفرنسي جاء لصالح طبقة معينة من البرجوازيين ليضمن حريتهم ورضاهم في حين ان الاسلام جاء ليخدم البشرية جميعا ولافرق بين غني وفقير ولافرق بين ذليل ووضيع ويروم قيام مجتمع اسلامي يسود فيه العدل والرفاه والسعادة واعلان حقوق الانسان الفرنسي فيه من القصور والنقص اما الاسلام فهو دين الالهي العادل الشامل والذي يصلح لكل زمان ومكان.
وقد يكون هذا الكلام فيه شيئ من النظري الكثير؟ فهذه البلاد الاسلامية تعاني من الاعتداء على حقوق الانسان ولا حرية للفكر والمواطن يعاني من الفقر والحرمان والتخلف فالكتاب الذي اصدره السيد الشهيد قد يكون فيه التنظير اكثر من التطبيق وهنا اقتضى التنويه الى تصور مجتمع مسلم يتصف جميع افراده او اغلبهم بالاسلام ووجود حكومة اسلامية شرعية تقوم بتطبيق القوانيين الاسلامية على المجتمع الاسلامي اي ان السيد الصدر اشترط وجود الحكومة الاسلامية لتطبيق مبادئ حقوق الانسان.
وكان سماحته يهتم بطلبة العلوم الدينية ويضع عليهم مسؤولية ويكرر دائما (اذا فسد العالم فسد العالم ) لذا بذل السيد الشهيد الكثير من اجل تغذية طلبة الحوزة العلمية من ثمار لفكر الانساني قديمه وحدثة وحقول المعرفة من الناحية الدينية او الفلسفة او من ناحية العلوم الانسانية.
وهكذا اصبحت الظاهرة الصدرية مدرسة فكرية لعل من ابرز سماتها الاحاطة والاستيعاب لموضوعات البحث العلمي والفكري ودراسة الاشكالات والتحديات بشكل شمولي فريد ومتميز ,اذ شملت هذه المدرسة اهتمامات في اتجاهاتها الفكرية بحيث شملت حقولاً فكرية من قبيل التاريخ والفلسفة والمنطق فضلاً عن علوم الفقة والاصول والتفسير وعلوم الكلام .